مقدمة حول استغلال الأطفال في العمل
تواجه مجتمعات العالم تحديًا كبيرًا يتمثل في استغلال الأطفال من خلال إجبارهم على العمل، وهي ظاهرة تعرف بـ “عمالة الأطفال”. تشير الإحصائيات إلى أن نحو 250 مليون طفل حول العالم يشاركون في مختلف أنواع الأعمال، منهم حوالي 150 مليون يعملون في مهن خطرة تهدد سلامتهم. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض أكثر من مليون طفل للاتجار بالبشر لاستغلالهم في العمل. هذه المشكلة ليست حديثة العهد، بل تعود جذورها إلى عصور قديمة، حيث كانت منتشرة في المدن الصناعية المتقدمة والدول النامية الفقيرة على حد سواء.
إن عمالة الأطفال تمثل قضية عالمية معقدة، خاصة في المجتمعات التي تنبع فيها هذه الظاهرة من التقاليد الثقافية أو الظروف الاقتصادية الصعبة. لهذا السبب، حظيت هذه المشكلة باهتمام متزايد خلال العقد الأخير، حيث يسعى المجتمع الدولي لإيجاد حلول فعالة للقضاء عليها.
تبسيط مفهوم عمالة الأطفال
يُقصد بعمالة الأطفال إشراكهم في أعمال تضر بصحتهم الجسدية والعقلية، وتعيق نموهم الطبيعي، وتسلبهم طفولتهم وحقوقهم الأساسية. وقد تم تضمين بنود خاصة بحماية الأطفال من الاستغلال في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل واتفاقية منظمة العمل الدولية (ILO) لعام 1973. تحدد المادة رقم 138 من الاتفاقية الحد الأدنى لسن العمل المسموح به، كما تم التأكيد على هذا الحق في اتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال لعام 1999 في المادة رقم 182.
تصنيفات الأطفال العاملين
تقسم منظمة العمل الدولية الأطفال العاملين إلى ثلاث فئات رئيسية، وهي:
-
الأطفال المستخدمون:
تعتبر هذه الفئة الأكثر شيوعًا، وتشمل الأطفال الذين يعملون في مختلف الأنشطة الإنتاجية المدفوعة الأجر، بالإضافة إلى بعض الأنشطة غير الإنتاجية مثل إنتاج السلع المنزلية للاستخدام الشخصي أو العمل في خدمة المنازل. تجدر الإشارة إلى أن هذه الأنشطة تشمل الأعمال القانونية وغير القانونية على حد سواء.
-
الأطفال العاملون:
تعتبر هذه الفئة أكثر تقييدًا، وتشمل الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 11 عامًا ويعملون لساعات محدودة في أعمال خفيفة لا تعيق تعليمهم أو تدريبهم المهني. يستثنى من هذه الفئة الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 14 عامًا والذين لا يشاركون في أي أعمال خطرة.
-
الأطفال في الأعمال الخطيرة:
تشمل هذه الفئة الأطفال الذين يعملون في أي عمل يعرضهم للخطر، سواء كان ذلك خطرًا على صحتهم الجسدية أو النفسية.
صور استغلال الأطفال في العمل
وفقًا لليونيسف ومنظمة العمل الدولية، هناك ثمانية أشكال رئيسية لاستغلال الأطفال في العمل حول العالم:
العمل في بيئات غير آمنة
يترك العمل في ظروف خطرة آثارًا مدمرة على الأطفال، حيث يتعرضون لنفس المخاطر التي يتعرض لها البالغون، ولكن بتأثير أكبر نظرًا لخصائصهم الفسيولوجية والنفسية في مرحلة النمو. قد يتعرض الأطفال لإعاقات دائمة أو أضرار نفسية تؤثر على مستقبلهم. تشمل أخطر المهن على الأطفال التعدين والأنشطة الصناعية والإنشائية والزراعية.
العمل كخادم في المنازل
يعتبر الأطفال الذين يعملون في المنازل من بين الفئات الأكثر عرضة للاستغلال والإيذاء، حيث قد يتعرضون للإيذاء العاطفي والنفسي والجنسي، ويعملون لساعات طويلة دون أجر. نظرًا لطبيعة هذا العمل الخفية، يصعب توفير الحماية لهم.
أطفال بلا مأوى
يشمل هذا الشكل من عمالة الأطفال مجموعة واسعة من الأنشطة مثل تلميع الأحذية وبيع المواد الغذائية وتنظيف زجاج السيارات وجمع النفايات والتسول. يتعرض الأطفال في الشوارع للعديد من المخاطر مثل حوادث المرور واستنشاق الأبخرة والمواد الكيميائية والعنف والتحرش. تصنف اليونيسف أطفال الشوارع إلى ثلاثة أنواع: أطفال يعملون في الشوارع ويعودون إلى منازلهم، وأطفال يعيشون في الشوارع بعد الهروب من عائلاتهم، وأطفال يعيشون مع عائلاتهم في الشارع.
تشغيل الأطفال في القطاع الاقتصادي غير المنظم
في هذا القطاع، يكون الأطفال العاملون غير معترف بهم وغير محميين بموجب القانون. يشكل هذا تحديًا كبيرًا أمام جهود القضاء على عمالة الأطفال، حيث يصعب الوصول إليهم من قبل المؤسسات الرسمية.
استعباد الأطفال
العبودية تتجاوز مجرد العمل، وتشمل حالات استغلال الأطفال في مجالات مثل صناعة السجاد والمنسوجات والزراعة والمحاجر والاستعباد الأسري. في هذا النوع، يساعد الأطفال أسرهم على سداد الديون من خلال العمل. تعتبر الاتفاقيات المتعلقة بالعبودية غير قانونية حتى في البلدان التي تنتشر فيها عمالة الأطفال بشكل كبير.
تهريب الأطفال
لا تزال ظاهرة الاتجار بالأطفال قائمة حتى اليوم، حيث يتم استغلالهم في المصانع ومواقع البناء والمتاجر الصغيرة والخدمة المنزلية والتسول. كما يتم استغلالهم في التجارة الجنسية، وهو أسوأ أشكال العمالة، حيث يتعرض الأطفال للإيذاء الجسدي والنفسي الذي يدوم مدى الحياة.
إشراك الأطفال في أنشطة محظورة
يشمل ذلك الجرائم المختلفة أو أي نشاط غير قانوني يتعلق بالأطفال، مثل إنتاج المخدرات والاتجار بها، مما يعرضهم للعنف والأذى النفسي والجسدي. نتيجة لذلك، يصبح هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للإدمان على الكحول والمخدرات والاكتئاب، مما يؤثر على تطوير مهاراتهم الاجتماعية.
أخطر أنواع استغلال الأطفال في العمل
تتضمن أسوأ أشكال عمالة الأطفال ما يلي:
- تجارة الرقيق والممارسات التي تشبهها، مثل الاتجار بالأطفال وبيعهم، وعمل الأطفال بالسخرة والعمل القسري والتجنيد الإجباري في النزاعات المسلحة.
- استغلال الأطفال للأغراض الجنسية.
- استخدام الأطفال في الأنشطة غير المشروعة، وخاصة في إنتاج المخدرات والاتجار بها.
- استخدام الأطفال للعمل في ظروف صعبة وخطيرة تضر بصحتهم وسلامتهم وأخلاقهم.
الدوافع وراء عمل الأطفال
هناك عدة أسباب تدفع الأطفال إلى العمل، مما يؤدي إلى انتشار عمالة الأطفال، بما في ذلك:
- انتشار الفقر والأمية بين الأسر، والحاجة إلى عمل الطفل لتأمين دخل إضافي.
- الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة.
- عدم وعي الأسر بالآثار السلبية لعمل الأطفال في سن مبكرة.
- الافتقار إلى المهارات الاجتماعية الأساسية.
- ارتفاع معدلات البطالة بين البالغين.
- وجود بعض القيم الثقافية التي تشجع على عمل الأطفال.
- المشاكل المالية والديون المتراكمة على الأسر.
- التسرب المدرسي.
- زيادة الهجرة الحضرية.
- النزاعات والكوارث الطبيعية التي تؤثر على توفر الاحتياجات الأساسية للأسر.
- استغلال أصحاب العمل للأطفال لأنهم يتقاضون أجورًا أقل ولا يعرفون حقوقهم.
- انتشار الجهل والافتقار إلى التعليم الأساسي والمهني الجيد.
سبل معالجة قضية عمالة الأطفال
بدأت الجهود للحد من عمالة الأطفال منذ اعتماد اتفاقية منظمة العمل الدولية (ILO) المتعلقة بأسوأ أشكال عمالة الأطفال في عام 1999، حيث تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الهامة. ومع ذلك، لا تزال هذه الظاهرة منتشرة في معظم أنحاء العالم، حيث وصل عدد الأطفال العاملين في عام 2016 إلى حوالي 152 مليون طفل، نصفهم يعملون في أسوأ أشكال العمالة.
يتطلب الحد من عمالة الأطفال والقضاء عليها نهائيًا فهم وتقييم مدى انتشار هذه الظاهرة، مع الأخذ في الاعتبار جميع أشكال عمالة الأطفال التي يصعب قياسها بالإحصاءات. كما يجب فهم العلاقة بين التنمية الاقتصادية والاتجاهات الديموغرافية وعلاقتها بعمالة الأطفال.
تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات للحد من عمالة الأطفال، بما في ذلك الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال.
تأثيرات سلبية لعمالة الأطفال
تتسبب عمالة الأطفال في العديد من الآثار السلبية، منها:
- حرمان الأطفال من طفولتهم وحقهم في التعليم والمهارات الاجتماعية.
- تهديد أخلاق الطفل والمس بكرامته، خاصة في حالات الاستغلال الجنسي.
- تعريض الأطفال للمشاكل الصحية مثل سوء التغذية والشيخوخة المبكرة والاكتئاب والإدمان.
- استغلال أصحاب العمل للأطفال بسبب عدم وجود حماية لهم.
القطاعات التي تشهد أعلى معدلات لعمالة الأطفال
تشمل القطاعات التي يتجه الأطفال للعمل فيها ما يلي:
- قطاع الزراعة: يمثل أعلى نسبة في عمالة الأطفال، حيث يعمل حوالي 60% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عامًا في هذا القطاع.
- قطاع الصناعة: يوفر العديد من فرص العمل للأطفال، مثل صناعة الملابس والنسيج.
- قطاع التعدين: يلجأ العديد من الأطفال إلى العمل في هذا القطاع رغم المخاطر التي يتعرضون لها.
التباين بين الجنسين في عمالة الأطفال
يوجد فرق بين عدد الأطفال الذكور العاملين وعدد الإناث العاملات. على سبيل المثال، في عام 2016، كان عدد الأطفال الذكور العاملين حوالي 77 مليونًا، وعدد الإناث 64 مليونًا. من المتوقع زيادة هذه الفجوة مع تقدم العمر. كما يلاحظ وجود فرق في عدد الأطفال العاملين اعتمادًا على العمر.
من المهم ملاحظة أن الإناث أكثر انخراطًا في الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، والتي غالبًا ما تكون مخفية ولا يتم حسابها في الإحصاءات.
المصادر
- “Child Labour”,www.humanium.org,23-7-2010
- Rosalind Boyd (11-1994),”INTRODUCTION: Child Labour within the Globalizing Economy”,JOURNAL ARTICLE, Issue 2, Folder 27, Page 153
- Stanislaw Lachowski, Jerzy Zagórski (2011),”Child labour for the benefi t of the family in rural Poland”,Annals of Agricultural and Environmental Medicine, Issue 2, Folder 18, Page 386
- ILO, OECD, IOM, and other,Ending child labour, forced labour and human trafficking in global supply chains, Page 2
- Heather Fors (1-2008),”Child Labour: A Review of Recent Theory and Evidence with Policy Implications”,Journal of Economic Surveys, Issue 4, Folder 26, Page 571
- Lee Swepston ( 2012),The Child Labour Phenomenon, a comparison between two countries of the same nation. Albania vis-a-vis Kosovo., Page 9, 10, 11
- “CHILD LABOUR”,www.terredeshommes.nl
- “Child Labour”,unicef.in
- Eric Edmonds (2019),Child labour: causes, consequences and policies to tackle it, Page 14, 24
- Ionel Zamfir (1-2019),”Child labour A priority for EU human rights action”,European Parliamentary Research Service, Page 4, 5