مقدمة في مفهوم الاعتمادية
تعتبر فكرة الاعتمادية إحدى النظريات الهامة في مجال العلوم الاجتماعية، والتي تشير إلى أن الفقر، الاضطرابات السياسية، والتأخر في النمو في دول الجنوب يرجع في الأساس إلى المسار التاريخي الذي فرضته دول الشمال المتقدمة. وتسعى هذه النظرية إلى فهم أعمق للتأخر الاقتصادي وتحليل جذوره وأسبابه. ظهرت هذه النظرية في أمريكا اللاتينية خلال فترة الستينيات، وسرعان ما اكتسبت شعبية وتأثيرًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية، الهيئات الإقليمية، وامتدت إلى أمريكا الشمالية، أوروبا، وأفريقيا.
وفقًا لهذه الفكرة، يحدث التأخر الاقتصادي بشكل رئيسي نتيجة للموقع الذي تشغله الدول المتضررة في الاقتصاد العالمي. حيث تقوم هذه الدول بتوفير العمالة الرخيصة والمواد الخام للسوق العالمية، ثم يتم بيع هذه الموارد للدول المتقدمة التي تمتلك الإمكانيات اللازمة لتحويلها إلى منتجات نهائية. في النهاية، تضطر الدول المتخلفة لشراء هذه المنتجات بأسعار مرتفعة، مما يؤدي إلى استنزاف رؤوس الأموال لديها.
الاعتمادية وتداعيات الأزمة الاقتصادية
تمثل الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008 واحدة من أسوأ الأزمات المالية العالمية منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات. وعند دراسة دور النظام الرأسمالي في تأخر نمو الأطراف، تتيح الأزمة المالية لعام 2008 فرصة لإعادة التفكير في أهمية فكرة الاعتمادية في تفسير الاختلافات العالمية. كان للانهيار المالي آثار سلبية على البلدان النامية، وكانت الاستجابة للأزمة غير كافية لتلبية احتياجات الفقراء في العالم. والأسوأ من ذلك، أن ذلك أدى إلى انخفاض مستويات المشاركة والتعاون بين الدول.
توقع العديد من المحللين أن تؤدي الأزمة المالية إلى نقص في المساعدات المالية المقدمة للبلدان النامية، مما سيزيد من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية، ويوسع الفجوة بين الشمال والجنوب، وبالتالي يزيد من عدم المساواة العالمية. في الوقت الحالي، ينصب التركيز السياسي على حماية المستهلكين ودافعي الضرائب في الدول الصناعية، ولكن قد ينتهي الأمر بالفقراء والدول الفقيرة قريبًا إلى دفع الثمن الباهظ للفوضى التي لم يكن لهم يد في إحداثها.
الأطروحات الأساسية لفكرة الاعتمادية
لطالما كانت فكرة الاعتمادية محل جدل واسع، وتختلف عن معظم المناهج الغربية لدراسة التطور السياسي. كانت اقتصادات العالم الثالث تعتمد بشكل كبير على الإنتاج الأحادي والزراعة، بينما كان اقتصاد البلدان المتقدمة متنوعًا، وكان ذلك وفقًا لمقياس اجتماعية واقتصادية.
كانت دول العالم الثالث تقع في أسفل المقياس، حيث كانت تعاني من نقص في التعليم، الثروة، الصحة، والقوة العسكرية. في المقابل، كان العالم الأول يسيطر عليها سياسيًا واقتصاديًا. فيما يلي بعض الأطروحات الرئيسية لفكرة الاعتمادية:
- ترتبط الأحداث السياسية في دول العالم الثالث ارتباطًا مباشرًا بالأحداث في دول العالم الأول. ومع ذلك، فإن العلاقات بين دول العالم الأول والثالث غير متكافئة أبدًا، حيث تتركز القوة والتحكم من العالم الأول إلى العالم الثالث. الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم الأول لها تأثير كبير على السياسة والاقتصاد في بلدان العالم الثالث، ولكن بالمقابل، الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم الثالث عادة ما يكون لها تأثير قليل على العالم الأول.
- يوجد في النظام السياسي والاقتصادي العالمي قدر هائل من التفاعل بين البلدان والشعوب الأساسية، وهناك تفاعل ضئيل للغاية بين دول الأطراف، مما يؤدي إلى وجود بلد منعزل وضعيف يتمتع بعلاقة غير متكافئة.
- الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، والعلاقات الاقتصادية بين دول الجوار ودول الأطراف لها أهمية خاصة، وتؤدي أنماط التداول الأساسية بين الأطراف إلى نمو مستمر للقوة السياسية والاقتصادية للجوهر على حساب الأطراف، حيث تتسبب التجارة الاقتصادية في اتساع الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، بدلاً من تضييق تلك الفجوة، تم استبدال المواد الخام الأقل سعرًا بالسلع ذات الأسعار العالية.
- يستنتج من النقطة السابقة أن التخلف ليس حالة طبيعية، بل هو نتيجة. الحقيقة هي أن الدول المتقدمة تعمل بنشاط على تخلف بلدان العالم الثالث نتيجة لأنظمة التفاعلات بينها.
- التخلف في بلدان العالم الثالث الضعيفة يرتبط مباشرة بـ “تنمية” البلدان القوية من الناحية الصناعية.
أهمية الاعتمادية في وقتنا الحاضر
تحمل فكرة الاعتمادية دروسًا مهمة لفهم ومعالجة التسلسل الهرمي لأشكال الإنتاج، الابتكار، والتمويل التي تقيد سياسات البلدان النامية لمعالجة الأزمة بفعالية. وتحاول فكرة الاعتمادية تفسير حالة التأخر للعديد من الدول في العالم، من خلال دراسة أنماط التفاعلات بين الدول، ومن خلال القول بأن عدم المساواة بين الدول هو جزء أساسي من تلك التفاعلات.
تحمل فكرة الاعتمادية النتائج المتوقعة للبلدان المحيطية من الناحية الاقتصادية، فإن نتيجة التنمية هي التخلف المستمر، ومن الناحية الاجتماعية، النتيجة عدم المساواة والصراع، وسياسياً، هي تعزيز الحكومات المستبدة.
المصادر
- H.R. Sonntag (2001),”Dependency Theory”,sciencedirect.com, Retrieved 29/1/2022. Edited.
- Elisabeth Farny (23/11/2016),”Dependency Theory: A Useful Tool for Analyzing Global Inequalities Today?”,e-ir.info, Retrieved 29/1/2022. Edited.
- “DEPENDENCY THEORY”,udel.edu, 1999, Retrieved 29/1/2022. Edited.
- Esther Fleming (1/1/2019),”What are the positives of dependency theory?”,www.sidmartinbio.org, Retrieved 29/1/2022. Edited.