دراسة حول غطاء الرأس للمرأة في الإسلام

تعريف غطاء الرأس الشرعي للمرأة. الرأي الشرعي في ارتدائه. الأدلة من القرآن والسنة على وجوبه. الحكمة وراء تشريع ارتدائه. المواصفات الشرعية لغطاء الرأس الصحيح.

المفهوم اللغوي والشرعي لغطاء الرأس

في اللغة، يُقصد بـ “غطاء الرأس” الستر والحاجز. هو كل ما يُتّخذ للستر والتغطية، وكل ما يحول بين شيئين. كما جاء في قوله -تعالى-:(وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ)، أيّ ساتر وحاجز. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو اللباس الذي يستر جسد المرأة ويحول دون رؤية الأجانب لبدنها.

وقد ورد في القرآن الكريم:(فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا)، أي مانعاً. وبعبارة أخرى، هو اللباس الذي يغطي كامل جسد المرأة المسلمة، بحيث يمنع الرجال غير المحارم من رؤية أي جزء من جسدها، وهو لباس ساتر لا يشف ولا يصف.

الرأي الشرعي في غطاء الرأس

أوجب الإسلام على المرأة المسلمة ارتداء غطاء الرأس، حفاظًا عليها وصيانةً لها من الفتن وحماية للمجتمع من دواعي الشهوة. ويدل على ذلك قول الله -عز وجل-:(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا).

وفي حادثة الإفك، روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تفاصيل الحادثة، قائلة: (وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأدْلَجَ فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وجْهِي بجِلْبَابِي).

براهين وجوب غطاء الرأس

هناك العديد من الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تدل على وجوب غطاء الرأس على المرأة المسلمة، ومن هذه الأدلة:

  • قوله -تعالى-:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ).
  • وقوله -تعالى-:(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).
  • قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إيَّاكُمْ والدُّخُولَ علَى النِّساءِ، فقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قالَ: الحَمْوُ المَوْتُ).
  • ما نقلته صفيّة بنت شيبة -رضيَ الله عنها-، حيث قالت:(أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ علَى جُيُوبِهِنَّ} أخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِن قِبَلِ الحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بهَا).

الغاية من تشريع غطاء الرأس

تأتي الأحكام في الشريعة الإسلامية بشكل تدريجي، حيث يتم تحريم الغايات أولًا، ثم الوسائل المؤدية إليها. فبعدما استقر تحريم الزنا في النفوس، تم تحريم كل ما يؤدي إليه. وقد حرّم الله الوسائل الموصلة للزّنا، فقال -تعالى-:(قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكوا بِاللَّـهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ).

ولأن النظر إلى المرأة قد يكون من الوسائل المؤدية إلى الزنا، فقد حرّم الله النظر المحرم وحرّم كل ما يؤدي إليه، كما جاء في قوله -تعالى-:(وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)، ففرض الله غطاء الرأس منعاً للوقوع في هذه الكبيرة.

وقد بين الله الحكمة من فرض غطاء الرأس في قوله -تعالى-:(ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، فالله يريد للمسلمات أن يتميزن بالستر والعفة والحياء، فلا يتعرض لهن أهل الفساد والفتنة. فالمرأة التي تلتزم بالستر لا يطمع بها أحد، بعكس المتبرجة التي يطمع بها أهل الضلال.

المواصفات المطلوبة في غطاء الرأس الشرعي

يُشترط في اللباس الشرعي للمرأة أن يغطي جميع جسدها، وإذا كشف جزء من جسدها عن قصد، فهو يعتبر إظهارًا للزينة. ويشمل غطاء الرأس أيضًا طريقة مشي المرأة في الشارع بحياء.

يجب أن تسير المرأة على طرف الطريق، وليس في منتصفه. وإذا تحدثت، يجب أن يكون صوتها منخفضًا. أما النساء كبيرات السن، فيجوز لهن التخفيف من اللباس مع المحافظة على الابتعاد عن الزينة والتبرج.

ومن الشروط الأخرى لغطاء الرأس: أن يكون سميكًا بحيث لا يشف عما تحته، واسعًا لا يصف الجسم، خاليًا من الزينة التي تلفت أنظار الرجال، غير معطر، وألا يكون لباس شهرة، وألا يشبه لباس الرجال.

كما يجب أن يكون خاليًا من الصور والصلبان، وأن يستر جميع جسد المرأة. ومن لا تلتزم بهذه الشروط، فقد تدخل في وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ)، فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء النساء بأنهن يلبسن الثياب ولكنهن عاريات، وسيكون لهن عذاب في الآخرة.

المصادر والمراجع

  • سورة فصلت ، آية:5
  • سعيد القحطاني ،إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب، الرياض:مطبعة سفير ، صفحة 5، جزء 1. بتصرّف.
  • سعيد القحطاني ،إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب، الرياض:مطبعة سفير ، صفحة 7. بتصرّف.
  • سورة مريم ، آية:17
  • سورة الأحزاب ، آية:53
  • محمد التويجري (2009)،موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة 1)، الأردن :بيت الأفكار الدولية، صفحة 107-108، جزء 4. بتصرّف.
  • رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عائشة أم المؤمني ، الصفحة أو الرقم:4750، صحيح .
  • مجموعة من المؤلفين ،نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم(الطبعة 4)، جدة :دار الوسيلة، صفحة 1516-1518، جزء 4. بتصرّف.
  • سورة الأحزاب ، آية:59
  • سورة النور ، آية:31
  • رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عقبة بن عامر ، الصفحة أو الرقم:5232، صحيح .
  • رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن صفية بنت شيبة ، الصفحة أو الرقم:4759، صحيح .
  • سورة الأعراف ، آية:33
  • عبد العزيز الطريفي (2015)،الحجاب في الشرع والفطرة(الطبعة 1)، المملكة العربية السعودية :دار المنهاج، صفحة 30-31. بتصرّف.
  • عبد العزيز الطريفي (2015)،الحجاب في الشرع والفطرة(الطبعة 1)، جدة:دار المنهاج، صفحة 48. بتصرّف.
  • سورة الإسراء ، آية:32
  • سورة الأحزاب ، آية:59
  • محمد الصابوني (1980)،روائع البيان تفسير آيات الأحكام(الطبعة 3)، دمشق:مكتبة الغزالي، صفحة 379-380، جزء 2. بتصرّف.
  • مجموعة من المؤلفين (1433)،نتائج البحوث وخواتيم الكتب، صفحة 282، جزء 1. بتصرّف.
  • محمد التويجري (2009)،موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة 1)، الأردن :بيت الأفكار الدولية، صفحة 107، جزء 4. بتصرّف.
  • رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2128 ، صحيح .
  • يوسف الوابل (1991)،أشراط الساعة(الطبعة 3)، المملكة العربية السعودية :دار ابن الجوزي، صفحة 187. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف معاني المودة والغرام

المقال التالي

تحليل مفصل عن الحرب العالمية الأولى

مقالات مشابهة

استكشاف روائع الفنون الإسلامية عبر العصور

استكشاف الفنون الإسلامية عبر التاريخ. الفن الإسلامي عبر الحقب الزمنية المختلفة: الخلافة الأموية، الخلافة العباسية، الخلافة العثمانية. مراجع حول الفن الإسلامي وتطوره.
إقرأ المزيد