دراسة حول تأسيس الدولة العباسية

دراسة حول: تأسيس الدولة العباسية، تنظيم الدعوة العباسية، فترة الدولة العباسية، العصر العباسي الأول، العصر العباسي الثاني، أبرز خلفاء الدولة العباسية.

مقدمة

تعتبر الدولة العباسية من أبرز الدول التي حكمت العالم الإسلامي، وتركت بصمة واضحة في التاريخ. يثير تأسيس هذه الدولة العديد من التساؤلات حول الآلية التي تم بها، وكيف تمكن العباسيون من الوصول إلى السلطة بعد الأمويين. هذه الدراسة تسعى لتسليط الضوء على هذه الجوانب، مع التركيز على التنظيم المنهجي للدعوة العباسية، وأهم المراحل التي مرت بها الدولة خلال فترة حكمها.

كيفية قيام الدولة العباسية

إن الطريقة التي تأسست بها الدولة العباسية تعتبر نمطًا جديدًا في التاريخ الإسلامي، حيث لم يسبق أن قامت خلافة إسلامية بهذه الطريقة. الخلافة الراشدة قامت على أساس الشورى، وكذلك كانت الدولة الأموية بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. أما الدولة العباسية، فقد قامت كثورة مسلحة أدت إلى إراقة دماء المسلمين حتى استقرت الأمور لهم، وهذا يعتبر حدثًا جديدًا في تاريخ الإسلام.

هيكلة الدعوة العباسية

في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، عمّ العدل أرجاء البلاد بعد أن أمر بوقف اضطهاد بني هاشم. وعندما تولى هشام بن عبد الملك الحكم، قام بتقريب علي بن عبد الله بن العباس، وأولاه اهتمامًا خاصًا، وتغاضى عما كان يقوم به من أنشطة تهدف إلى الوصول للخلافة. لم يتوقع هشام أن تتحول الخلافة إلى بني العباس. ومع ذلك، يذكر بعض المؤرخين أن علي بن العباس كان أول من تمنى أن تصل الخلافة إلى بني العباس، وقد عمل على تأسيس دعوة منظمة لتحقيق هذا الهدف.

بعد وفاة أبو هاشم عبد الله بن الحنفية، تولى محمد بن علي العباسي تنظيم الدعوة العباسية السرية. قام محمد بن علي بتجديد هذه الدعوة وتطويرها، واستمر في العمل وفقًا للعقائد السنية، مما ساعده على جذب العديد من الأنصار. ظلت الدعوة العباسية سرية حتى عام 129 هـ، عندما أمر أبو مسلم الخراساني أتباعه برفع الرايات السوداء علنًا، إيذانًا ببدء المواجهة العلنية مع الأمويين.

بعد إعلان الدعوة العباسية، بدأ الصراع المسلح بين الأمويين والعباسيين بشكل منظم. وكان قيام الدولة العباسية تتويجًا لمعركة الزاب الشهيرة.

فترة حكم الدولة العباسية

يتفق المؤرخون على تقسيم فترة حكم الدولة العباسية، التي استمرت قرابة خمسة قرون، إلى فترتين رئيسيتين:

العصر الذهبي العباسي (الأول)

يعتبر العصر العباسي الأول فترة التأسيس الحقيقية للدولة العباسية، والذي بدأ مع تولي أول الخلفاء العباسيين، أبو العباس السفاح، في عام 749 م. كانت هذه الفترة بمثابة ترسيخ لقواعد الدولة العباسية. على الرغم من قوة الدولة في هذه الفترة، إلا أن بعض الخلفاء لقوا حتفهم قتلاً، مثل الخليفة المتوكل الذي قُتل على يد ابنه في عام 862 م، وكانت هذه الحادثة إيذانًا بانتهاء العصر العباسي الأول. تميز هذا العصر بعدة سمات، من أهمها:

  • سيطرة الفرس شبه الكاملة على الجهازين الإداري والعسكري، مما أدى إلى ابتعاد العرب عن العباسيين، حيث فضل العباسيون الفرس وقربوهم إليهم لمساعدتهم في تأسيس دولتهم.
  • ظهور منصب الوزارة في الدولة العباسية، إلا أنها كانت تعتبر منصبًا ثانويًا أمام قوة الدولة العباسية. كان الوزير يقوم بمهام متعددة، مثل الإشراف على الضرائب، وتعيين الولاة، بالإضافة إلى نيابته عن الخليفة في حكم الدولة وتقديم المشورة له.
  • تطور دور الكُتّاب، خاصة مع اتساع رقعة الدولة، حيث أصبح من الضروري وجود كتّاب لتسجيل الرسائل وكتابة أعمال الخليفة. زادت الحاجة إلى الكتّاب بعد تعدد الدواوين، وأصبح لكل والٍ ووزير ورجل دولة كتّاب يساعدونهم. تولى الفرس أمور الكتّاب، ومن أبرز كتاب العصر العباسي الأول: يحيى البرمكي، والفضل بن الربيع في عهد الخليفة هارون الرشيد، وأحمد بن يوسف في عهد الخليفة المأمون.
  • نهضة علمية متنوعة وقوية، واهتمام المسلمين بالعلوم الدينية، مثل التفسير وعلم القراءات والحديث والفقه. ظهرت في هذا العصر مدارس فقهية، مثل مدرسة الإمام مالك (أهل الحديث) ومدرسة الإمام أبي حنيفة النعمان (أهل الرأي). كما تميز هذا العصر بالأدب من شعر ونثر وترجمة.

عصر التدهور العباسي (الثاني)

يعتبر العصر العباسي الثاني بداية عصر الفوضى العسكرية، حيث ظهرت فيه العديد من الدول في المغرب العربي وفي بغداد، مثل السلاجقة والبويهيين. كان هذا العصر هو نهاية الدولة العباسية بعد مقتل مليون مسلم من سكان بغداد، وقتل الخليفة المستعصم. من أبرز سمات هذا العصر:

  • سيطرة الأتراك من جند وقادة على الخلفاء، حيث أصبح الخليفة مجرد صورة لا يوقع إلا على التعليمات، وفي بعض الأحيان يصدر أوامره حسب رأي قادته. بذلك أصبح الحكم في هذا العصر بعيدًا عن الرأي، وإنما هو حكم بالسيف. بسبب هذه السيطرة، فقد الناس أمنهم. على الرغم من عدم وجود قادة صالحين بشكل عام في الدولة، إلا أن هناك قادة صالحين ظهروا في هذا العصر، مثل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي.
  • انتشار الترف، حيث كان الجانب المادي هو المهيمن على المجتمع، وتجلت مظاهره في ظهور القصور العالية والحدائق، إضافة إلى انتشار الغناء بدلاً من الجهاد. على الرغم من هذه الموجة من الفساد، إلا أنه كان هناك من يدعو إلى الزهد في الدنيا، ومن أبرز من برز في هذه الدعوة الشاعر أبو العتاهية.
  • ازدهار الشعوبية التي ظهرت مع دخول أجيال من الترك والفرس لخدمة الدولة. الشعوبية هي التعصب للعجم ضد العرب، وقد أدى هذا التعصب إلى حدوث نزاعات وعداوات بين أصحاب الدولة والعرب.
  • وجود حركات انفصالية أنشأت دويلات مختلفة في مشرق الأرض، مثل الطاهرية والسامانية، وفي مغربها، مثل الفاطمية والطولونية والإخشيدية.

أهم خلفاء الدولة العباسية

توالى على خلافة الدولة العباسية عدد كبير من الخلفاء، من بينهم:

  • أبو العباس السفاح: هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، وُلِد عام 105 هـ في منطقة الحميمة في الأردن. عُرِف أبو العباس بحبه للأدب وجوده، حتى ضُرِب به المثل في الكرم. قضى أبو العباس على القادة الأمويين وأتباعهم، باستثناء عبد الرحمن الداخل، مؤسس الدولة الأموية في الأندلس. استمر حكمه للدولة العباسية مدة أربعة أعوام.
  • أبو جعفر المنصور: هو عبد الله بن محمد بن علي العباسي، وُلِد في الحميمة في الأردن عام 95 هـ. تولى الخلافة عام 136 هـ بعد وفاة أبي العباس. توفي المنصور وهو محرم للحج والعمرة، ودُفِن في مكة المكرمة.
  • هارون الرشيد: هو أبو جعفر هارون الرشيد، أشهر خلفاء الدولة العباسية. تولى الخلافة من عام 170 هـ وحتى عام 193 هـ. عُرِف عن هارون الرشيد أنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وكانت فترة خلافته للدولة العباسية هي العصر الذهبي للخلافة العباسية.

المصادر

Total
0
Shares
المقال السابق

نظرة عامة على الدولة الأموية: النشأة، التوسع، وأسباب الانهيار

المقال التالي

لمحة تاريخية عن تأسيس الإمبراطورية العثمانية وازدهارها

مقالات مشابهة