مقدمة
يعتبر البحث في منظومة الأخلاق التي يقدمها القرآن الكريم من أهم المسائل التي يجب على المسلمين الاهتمام بها. فالقرآن ليس مجرد كتاب ديني، بل هو دستور شامل للحياة، يوجه المسلمين في كل جوانبها، بما في ذلك الجانب الأخلاقي. وفي هذا المقال، سنقوم باستعراض لأهم الجوانب المتعلقة بالأخلاق في القرآن الكريم.
القرآن: منبع الأخلاق
يمثل القرآن الكريم الركيزة الأساسية للتربية الأخلاقية في الإسلام. لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- تجسيداً حياً لأخلاق القرآن، فهو الذي تربى على تعاليمه السامية وغرسها في نفوس أمته. فالقرآن يقدم لنا منهاجاً متكاملاً يهدف إلى تحقيق التوازن والاعتدال في حياة الفرد والمجتمع.
في هذه الأوقات العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية والعالم أجمع، يصبح استلهام هدي القرآن ضرورة ملحة. فالانحراف عن تعاليم القرآن واتباع الأفكار الضالة قد أدى إلى انتشار الفساد والظلم والعنف. لذلك، يجب علينا أن نتمسك بالقرآن ونعمل بتعاليمه لكي نصلح أنفسنا ومجتمعاتنا.
منهج القرآن في إصلاح السلوك
يتميز القرآن الكريم بمنهجه الفريد في تقويم السلوك وتعديل الاعوجاج. فهو لا يكتفي بتقديم النصائح والمواعظ، بل يعتمد على أسلوب شامل ومتكامل يراعي جميع جوانب النفس البشرية. فالقرآن يربي الإنسان على الاهتمام والعناية والتنمية المستمرة للذات، وهذا ما يميز التربية الربانية التي وضعها الله -تعالى- الذي أتقن كل شيء خلقه.
قال الله -تعالى-: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
إن الألفاظ والكلمات التي تحمل معاني التربية الأخلاقية في القرآن كثيرة ومتنوعة، وتشمل الإنسان وجميع الكائنات الحية. فالشمولية والعمومية والكمال الأخلاقي هي الصفات التي تميز هذه التربية، لأنها من عند الله الخبير العليم. فكل لفظة في القرآن تحمل في طياتها كنوزاً من الكمال التربوي.
أساليب تفعيل المنهج الأخلاقي القرآني
تعتبر التربية الأخلاقية القرآنية من الأسس الهامة في بناء شخصية المسلم. فهي عملية متكاملة تهدف إلى بناء الأفكار والأفعال الأخلاقية من خلال وسائل متنوعة. ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلى قسمين رئيسيين:
- الوسائل الدافعة: وهي التي تحفز الإنسان على فعل الخير وتقوي استعداده النفسي له، مثل القدوة الحسنة، والموعظة المؤثرة، والصحبة الصالحة.
- الوسائل المانعة: وهي التي تمنع الإنسان من الوقوع في الشرور والآثام، مثل الاعتبار بالنتائج، والترهيب من العواقب، والعقوبة الرادعة.
الغايات الرئيسية لتدريس علم الأخلاق
إن تعليم الأخلاق في الإسلام له أهداف سامية وغايات نبيلة، ومن أهمها:
- توضيح الحقائق المتعلقة بالقيم الأخلاقية الإسلامية، وشرح مبادئها وكيفية تطبيقها في الحياة العملية.
- إبراز شمولية الأخلاق الإسلامية التي تغطي جميع جوانب حياة الإنسان، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها.
- تأكيد أهمية القيم الأخلاقية الإسلامية من جميع النواحي العلمية والاجتماعية والإنسانية والحضارية.
- وضع معايير أخلاقية إسلامية واضحة ومحددة.
- ترسيخ القناعة بثبات القيم الأخلاقية الإسلامية وعدم قابليتها للتغيير أو التبديل.
- تنمية الشعور بالمحبة للفضائل وكراهية الرذائل والشرور.
- تطهير النفوس وتزكيتها وتحليتها بالفضائل ومكارم الأخلاق.
- تشجيع العمل بالقيم الأخلاقية والدعوة إليها ونشرها بين الناس.
نماذج من الأخلاق القرآنية
ورد في القرآن الكريم العديد من الأمثلة على الأخلاق الحميدة التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومن أبرزها:
- خلق الإيثار: وهو تفضيل الآخرين على النفس، حتى في أشد الظروف. قال -تعالى-: (يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
- الوفاء بالعهد: وهو الالتزام بالوعود والعقود، وعدم نقضها أو التهرب منها. قال -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا).
- النهي عن الإسراف والتبذير والبخل والتقتير: فالإسلام يدعو إلى الاعتدال في الإنفاق، وتجنب الإسراف والتبذير من جهة، والبخل والتقتير من جهة أخرى. قال -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).
- الأمر بالعدل في جميع الظروف: يجب على المسلم أن يكون عادلاً في جميع أحكامه وتصرفاته، حتى مع أعدائه. قال -تعالى-: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
- التعاون على البر والتقوى: يجب على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم على فعل الخير ونشر الفضيلة، وأن يتجنبوا التعاون على الإثم والعدوان. قال -تعالى-: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
- الصبر: وهو منزلة عظيمة في الإسلام، ويعتبر من أهم الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- الصدق: وهو من أهم علامات الإيمان وثمراته. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
- النهي عن الكذب: فالكذب خلق ذميم لا ينال صاحبه هداية الله. قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).
المراجع
- مجموعة من المؤلفين،كتاب بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، صفحة 251-257. بتصرّف.
- [مقداد يالجن]،علم الأخلاق الإسلامية، صفحة 395-396. بتصرّف.
- عبد الركيم زيدان،أصول الدعوة، صفحة 83-84. بتصرّف.
- جامعة المدينة العالمية،كتاب التفسير الموضوعي، صفحة 103. بتصرّف.