مقدمة
لا تقتصر العمليات الكيميائية على المعامل وأدوات الاختبار فقط، بل إنها جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية. العديد منها يحدث بصورة تلقائية دون تدخل بشري. على سبيل المثال، يمكن ملاحظة أمثلة متنوعة للعمليات الكيميائية في البيئة المحيطة بنا، مثل حرائق الغابات، تكون الصدأ على الحديد، ونضوج الثمار.
يمكن تعريف العملية الكيميائية بأنها تحويل المواد الداخلة في التفاعل إلى مواد جديدة تسمى المواد الناتجة. هي عملية تتضمن كسر الروابط وتكوين روابط جديدة، مما يؤدي إلى إنشاء نواتج ذات خصائص مختلفة عن المواد المتفاعلة. يمكن أن تكون المواد المتفاعلة أو الناتجة عناصر أو مركبات.
على الرغم من أن العمليات الكيميائية قديمة قدم الكون، إلا أن فهمها بدأ يتطور في أوائل القرن الثامن عشر. بعض العمليات، مثل التخمير لتحويل السكريات إلى كحول، كانت معروفة منذ القدم، ولكن الأساس الكيميائي لها لم يكن مفهومًا في ذلك الوقت.
تحدث العديد من العمليات الكيميائية المعقدة في جيولوجيا الأرض، الغلاف الجوي، المحيطات، وفي الأنظمة الحيوية المختلفة. يجب التمييز بين التحولات الفيزيائية والعمليات الكيميائية، فالتحول الفيزيائي يشمل فقط تغيير حالة المادة دون تغيير في تركيبها الكيميائي.
مثال على التحولات الفيزيائية: تبخر الماء، ذوبان الجليد، أو تكثف بخار الماء. في هذه الحالات، يبقى تركيب الماء الكيميائي كما هو (H2O). أما تفاعل الماء مع فلز نشط مثل الصوديوم فينتج غاز الهيدروجين وهيدروكسيد الصوديوم (NaOH)، وهذا مثال على عملية كيميائية لأن تركيب الماء يتغير وتنتج مواد جديدة تختلف عن المواد المتفاعلة.
خلفية تاريخية
يعود تاريخ دراسة العمليات الكيميائية إلى حوالي 250 عامًا، حيث بدأت التجارب بتصنيف المواد إلى عناصر ومركبات، وظهرت نظريات لتفسير هذه التجارب. كان لتطوير هذا المفهوم دور أساسي في علم الكيمياء. بدأت الدراسات في هذا المجال على الغازات، وفي بداية القرن الثامن عشر اكتشف الكيميائي السويدي كارل فيلهلم شيل ورجل الدين الإنجليزي جوزيف بريستلي عنصر الأكسجين.
في عام 1789، قدم العالم الكيميائي الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه أطروحته الأولية عن الكيمياء، مؤكدًا على أهمية القياسات الكمية للعمليات الكيميائية. قام بقياس الوزن المكتسب بدقة عند أكسدة العناصر مع الأكسجين، وأرجع النتيجة إلى الجمع بين العنصر والأكسجين، مشيرًا إلى مفهوم العمليات الكيميائية في أطروحته. أدى نهجه إلى اعتماد العلماء الكيمياء التجريبية كعلم كمي.
يعود الفضل الآخر في الأهمية التاريخية للعمليات الكيميائية إلى العالم الإنجليزي جون دالتون، الذي افترض نظريته الذرية في أوائل القرن التاسع عشر. أكد أن المادة تتكون من جزيئات صغيرة غير قابلة للتجزئة، وأن ذرات كل عنصر فريدة من نوعها، وأن العمليات الكيميائية تشارك في إعادة ترتيب الذرات لتشكيل مواد جديدة.
قدمت نظريته أساسًا لفهم نتائج العلماء السابقين، بما في ذلك قانون حفظ المادة، وقانون التكوين المستمر، الذي يشير إلى أن عينات المركب النقي تحتوي دائمًا على نفس العناصر ونفس النسبة الجماعية.
أصناف العمليات الكيميائية
توجد عدة أصناف للعمليات الكيميائية، مثل عمليات التحلل، الإحلال، الحموض والقواعد، وغيرها. فيما يلي شرح لهذه الأنواع المختلفة:
عمليات الضم
في هذا النوع من العمليات، تتفاعل مادتين أو أكثر مع بعضهما البعض لتكوين مادة جديدة، سواء كانت هذه المواد المتفاعلة عناصر أو مركبات. أمثلة على ذلك:
- تفاعل الصوديوم مع الكلور: 2Na + Cl2 → 2NaCl
- احتراق الفحم: C + O2 → CO2
عمليات الانفصال
تعتبر عمليات الانفصال عكس عمليات الضم. في هذا النوع، تتحلل المادة أو المركب الكيميائي إلى مادة واحدة أو أكثر من المواد الأكثر بساطة من المواد المتفاعلة. قد تكون هذه المواد عبارة عن عناصر أو مركبات. أمثلة على ذلك:
- تحلل الماء: 2H2O → 2H2 + O2
- تحلل فوق أكسيد الهيدروجين أو بيروكسيد الهيدروجين: 2H2O2 → 2H2O + O2
عمليات الاستبدال الفردي
في هذا النوع من العمليات، تطرد الذرة الأكثر نشاطًا الذرة الأقل نشاطًا منها وتحل محلها في المركب عند التفاعل معه. مثال على ذلك:
- عند وضع قطعة من الزنك في محلول كبريتات النحاس، فإن الناتج هو محلول كبريتات الزنك وقطعة من النحاس. هذا يعني أن عنصر الزنك حل محل عنصر النحاس: Zn + CuSO4 → ZnSO4 + Cu
عمليات الاستبدال المزدوج أو التبادل
في هذا النوع من العمليات، يتم تبديل ذرتين، وليس ذرة واحدة كما في عمليات الاستبدال الفردي. غالبًا ما يكون هذا التبادل أيونيًا، أي يتم تبادل الأيونات في المواد المتفاعلة. يحدث هذا النوع في المحاليل المائية ويؤدي إلى تكوين راسب صلب كما في عمليات الترسيب، أو ينتج عنه ماء كما في عمليات التعادل.
- عمليات الترسيب (Precipitation Reactions): ينتج هذا النوع عن تبادل الأيونات في المواد المتفاعلة ويؤدي إلى تكوين راسب صلب في المواد الناتجة. مثال: تفاعل نترات الفضة مع كلوريد البوتاسيوم لتكوين راسب أبيض غير ذائب من كلوريد الفضة ومحلول نترات البوتاسيوم: KCl + AgNO3 → AgCl + KNO3
- عمليات التعادل (Neutralization reactions): وتعرف أيضًا بعمليات الحموض والقواعد. الحمض مادة قادرة على إنتاج أيون الهيدروجين (H+) في المحلول، أما القاعدة فهي مادة قادرة على إنتاج (OH-) في المحلول. في هذا النوع، يتفاعل الحمض مع القاعدة لتكوين ملح وماء. مثال: تفاعل حمض الكبريتيك مع هيدروكسيد الصوديوم لإنتاج ملح كبريتات الصوديوم والماء: H2SO4 + 2NaOH → Na2SO4 + 2H2O
عمليات الاحتراق
في هذا النوع، يتم احتراق المركبات الهيدروكربونية (المركبات التي تتكون من كربون وهيدروجين) بوجود الأكسجين، لينتج ثاني أكسيد الكربون وماء وحرارة. هذا النوع يعتبر أيضًا من عمليات الأكسدة والاختزال، ومن العمليات الطاردة للحرارة. مثال: تفاعل البروبان مع غاز الأكسجين: C3H8 + 5O2 → 3CO2 + 4H2O
عمليات الأكسدة والاختزال
في هذا النوع، يتم تبادل الإلكترونات؛ حيث تفقد إحدى الذرات إلكترونًا (تأكسد)، مما يؤدي إلى زيادة عدد التأكسد. الذرة التي يحدث لها التأكسد تسمى العامل المختزل. الذرة الأخرى تكسب هذا الإلكترون (اختزال)، وتسمى العامل المؤكسد. يمكن تمييز عمليات الأكسدة والاختزال عن غيرها من خلال ملاحظة التغير في عدد التأكسد.
أمثلة على ذلك:
- 2Na + Cl2 → 2NaCl (عمليات الاتحاد)
- C + O2 → CO2 (عمليات الاتحاد)
- Zn + CuSO4 → ZnSO4 + Cu (عمليات الإحلال)
هذا يعني أن هناك أربعة أنواع من العمليات تندرج تحت عمليات الأكسدة والاختزال: عمليات الاتحاد، الإحلال الأحادي، عمليات الاحتراق، بالإضافة إلى عمليات التحلل الحراري (العمليات التي تتحلل بوجود الحرارة).
أمثلة توضيحية عن أنواع العمليات الكيميائية
فيما يأتي بعض الأمثلة على أنواع العمليات الكيميائية:
مثال: اكتب تفاعل الهيدروجين والنيتروجين لتكوين الأمونيا وحدد نوعه.
الحل:
في البداية نكتب تفاعل كل مادة على حدا.
H2 + N2 —> NH3
ثم نحسب عدد ذرات كل ذرة على حدا ونوازنها ومن أجل تحقيق التوازن في هذه المعادلة، يجب استخدام المعاملات فنظرًا لوجود ذرات نيتروجين فقط على الجانب الأيسر من المعادلة، يجب إضافة معامل 2 إلى NH3.
3H2 + N2 —> 2NH3
يعتبر تفاعل تكوين الأمونيا مثالًا على عمليات الاتحاد.
مثال: ما نوع التفاعل الآتي
2 NaHCO3(s) → Na2CO3(s) + CO2(g) + H2O(g)؟
الحل:
نلاحظ أن هناك مادة متفاعلة واحدة وهي بيكربونات الصوديوم مقابل عدة مواد ناتجة وهي كربونات الصوديوم وثاني أكسيد الكربون والماء، إذن يعتبر هذا التفاعل مثالًا لتفاعلات التحلل.
العوامل المؤثرة على سرعة العمليات الكيميائية
هناك أربعة عوامل رئيسية تؤثر في سرعة العمليات الكيميائية:
- تركيز المتفاعلات أو المواد المتفاعلة: كلما زاد تركيز المتفاعلات زادت سرعة العملية، بسبب زيادة عدد التصادمات الفعالة.
- درجة الحرارة: كلما زادت درجة الحرارة ازدادت سرعة العملية، بسبب زيادة الطاقة الحركية للجزيئات المتفاعلة، مما يزيد من عدد الجزيئات التي تمتلك الحد الأدنى من الطاقة اللازمة للتصادمات الفعالة.
- إضافة عامل مساعد (catalyst): العامل المساعد مادة تساعد على زيادة سرعة العملية دون أن تُستهلك خلاله.
- حالة المادة الفيزيائية ومساحة السطح: إذا كانت جزيئات المواد المتفاعلة غير متجانسة، فإن سرعة العملية تعتمد على مساحة السطح المعرضة للتفاعل. زيادة مساحة سطح التفاعل تزيد من سرعة العملية.
الصيغ الكيميائية
نظرًا لوجود العديد من العمليات الكيميائية، ظهرت الحاجة إلى استخدام الصيغ الكيميائية لوصف هذه العمليات. يتم التعبير عن العناصر والمركبات باستخدام صيغتها الكيميائية، وتوضع فيها المتفاعلات قبل السهم والنواتج بعد السهم.
مثال: عند تفاعل مادتين: A، و B فإن الناتج هو المادتين: C، و D، ويمكن التعبير عن هذا التفاعل باستخدام المعادلات الكيميائية كما يلي:
يُلاحظ أن A، و B هي المواد المتفاعلة لذلك يجب وضعها قبل السهم، والمادتين C، و D هي المواد الناتجة لذلك يجب وضعها بعد السهم وبالتالي فإنّ المعادلة الكيميائية لهذا التفاعل هي:
A + B → C + D
وبشكل عام يجب عند كتابة المعادلات الكيميائية مراعاة ما يلي:
- أن تكون جميع المتفاعلات، والنواتج مكتوبة بالصيغة الكيميائية؛ مثل: H2
- عدد الذرات يجب أن يكون متساوياً على طرفي المعادلة الكيميائية، ولتحقيق ذلك يجب ضرب إحدى الذرتين، أو كلتيهما بمعامل مناسب؛ أي عدد معيّن، حتى يصبح عدد ذرات كل عنصر متساوياً على طرفي المعادلة، وتُشير المعادلة الكيميائية عادة إلى عدد جزيئات كل مادة من المواد المُشاركة في التفاعل، وذلك كما هو موضّح في المثال الآتي:
مثال: يتفاعل غاز الهيدروجين مع غاز النيتروجين لتكوين غاز الأمونيا، اكتب معادلة كيميائية موزونة تمثّل هذا التفاعل؟
الحل:
كتابة المتفاعلات، والنواتج كما يلي: H2+ N2→ NH3
لوزن هذه المعادلة يجب أولاً التأكد من أنّ عدد الذرات على طرفي المعادلة متساوٍ، ولكن يُلاحظ أن عدد ذرات الهيدروجين في المتفاعلات 2 بينما في النواتج 3، وبالتالي يجب ضرب جزيء الهيدروجين بالعدد 3 بيصبح لدينا 6 ذرات هيدروجين في المتفاعلات، وضرب جزيء الأمونيا بالعدد 2 ليصبح لدينا 6 ذرات هيدروجين في النواتج، أما بالنسبة لذرات النيتروجين فلدينا في المتفاعلات اثنتين، وفي النواتج اثنتين أيضاً، وعليه فهي متساوية وليست بحاجة إلى تعديل، كما يلي: 3H2+ N2→ 2NH3
ومن الجدير بالذكر هنا أن وزن المعادلة الكيميائية يعكس مبدأ حفظ المادة (law of conservation of matter)، وهو أن المادة خلال العمليات الكيميائية لا تفنى، ولا تستحدث.
معلومات إضافية حول العمليات الكيميائية
من المعلومات المتعلقة بالعمليات الكيميائية أيضًا ما يلي:
العمليات العكوسة وغير العكوسة
بعض العمليات تسير باتجاه واحد، وتسمى عمليات غير عكسية (بالإنجليزية: Irreversible Reaction)، وبعض العمليات تسير باتجاهين، وتسمى عمليات عكسية (Reversible Reaction) حيث يمكن للمتفاعلات فيها أن تتحول إلى نواتج، كما يمكن للنواتج أن تتحول إلى متفاعلات.
وفي الحقيقية فإن التفاعلين الأمامي، والعكسي يستمران بالحدوث في نفس الوقت حتى الوصول إلى حالة تسمى (الاتزان)، وعند هذه الحالة فإن سرعة التفاعل الامامي والعكسي تتساوي ويثبت تركيز كل من المواد المتفاعلة والناتجة.
للتمييز بين العمليات العكسية، وغير العكسية فإنّ العمليات العكسية تُكتب عند تمثيلها بالمعادلات الكيميائية على شكل سهمين متعاكسين فوق بعضهما يُشير كل منهما إلى اتجاه مختلف عن الآخر؛ فمثلأ يعتبر تفكك حمض الكربونيك ثنائي البروتون من الأمثلة على التفاعلات العكسية التي تسير في اتجاهين.
الاستدلال على وقوع عملية كيميائية
في أي عملية كيميائية فإنه يستدل على حدوث العملية من خلال ملاحظة مجموعة من التغيرات الفيزيائية مثل تكوّن راسب، أو إنتاج حرارة، أو تغير اللون، وغيرها من التغيرات التي يمكن من خلالها الاستدلال على حدوث العمليات الكيميائية.
العمليات الماصة والمنتجة للطاقة
تُقسم العمليات الكيميائية بناءً على الطاقة الناتجة عنها، أو الممتصة إلى نوعين، وهما: العمليات الطاردة للطاقة (Exothermic reactions)، والعمليات الماصة للطاقة (endothermic reactions)، ويمكن تعريف العمليات الطاردة للطاقة بأنها العمليات التي تُنتج طاقة للمحيط الخارجي مثل تفاعلات الاحتراق، أما العمليات الماصة للطاقة فتُعرف بأنها العمليات التي تمتص طاقة من المحيط الخارجي، حيث تحتاج بعض التفاعلات إلى تسخين المواد المتفاعلة، أو إضافة أي شكل آخر من أشكال الطاقة لتحدث.
تتفق العمليات الماصة والطاردة للطاقة مع مبدأ أنّ الطاقة لا تفنى، ولا تُستحدث، وإنما تتحول من شكل لآخر؛ حيث إنّ الطاقة التي يمتصها التفاعل الماص للطاقة تتحول إلى طاقة لتكوين الروابط الكيميائية، ولتوضيح ذلك يمكن النظر إلى عملية البناء الضوئي التي تعتبر من الأمثلة على العمليات الماصة للحرارة.
حيث تمتص النباتات الطاقة الضوئية من الشمس لتكوين الروابط الكيميائية بين جزيئات الغلوكوز، أما بالنسبة لعملية التنفس الخلوي التي تعتبر من الأمثلة على العمليات الطاردة للحرارة فيتم فيها تكسير الروابط بين جزيئات الغلوكوز لإنتاج الطاقة التي تستخدمها النباتات.