مقدمة حول الزواج المبكر
يعتبر الزواج في سن مبكرة، أو ما يطلق عليه “زواج الأطفال”، ظاهرة اجتماعية معقدة تشير إلى عقد القران بين شخصين، أحدهما أو كلاهما لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر. يعتبر هذا النوع من الزواج شكلاً من أشكال الزواج القسري، حيث يفتقر أحد الطرفين أو كلاهما إلى الحرية الكاملة في إبداء الموافقة الصريحة والواعية. إن القدرة على اتخاذ قرار الزواج تتطلب النضج الجسدي، النفسي، والعاطفي، بالإضافة إلى الخبرة الحياتية الكافية.
غالباً ما تكون الفتيات الصغيرات هن الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، حيث تقوم بعض الأسر بتحديد شريك حياة الطفلة منذ ولادتها، ليتم تزويجها بمجرد بلوغها سن الإنجاب. هذه الممارسة تنتهك حقوق الطفل الأساسية وتعرقل نموهن وتطورهن.
دوافع الزواج في عمر صغير
تتعدد الأسباب التي تدفع إلى الزواج المبكر، وتشمل:
محدودية فرص التعليم
إن حرمان الفتيات من التعليم، بسبب نقص وسائل النقل الآمنة، أو ضعف جودة التعليم، أو قلة المدارس، يؤدي إلى بقائهن في المنزل، مما يزيد من احتمالية تزويجهن في سن مبكرة. وقد أظهرت الدراسات أن الفتاة التي تلقت تعليماً لمدة عشر سنوات تقل احتمالية زواجها قبل سن الثامنة عشرة بستة أضعاف.
ضعف تطبيق القوانين والتشريعات
عدم نشر الوعي الكافي بقوانين حظر الزواج المبكر، وعدم الثقة في المؤسسات المسؤولة عن تطبيق هذه القوانين، بالإضافة إلى تفضيل الأعراف والتقاليد على القانون، يؤدي إلى ضعف تنفيذ القوانين وعدم الإبلاغ عن حالات الزواج المبكر.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة
تلجأ العديد من الأسر الفقيرة إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة كوسيلة لتحسين وضعها الاقتصادي، حيث يعتبر المهر فرصة لتأمين الاحتياجات الأساسية، وتسديد الديون، وحل الأزمات المالية. كما أن بعض الأسر تعتبر زواج ابنتها وسيلة لتقليل النفقات وتأمين مستقبلها، بينما في بعض المجتمعات، يمثل المهر عبئاً على أسرة الزوجة، مما يدفعها إلى تزويجها في سن مبكرة للحصول على مهر أقل.
التقاليد الاجتماعية
في العديد من المجتمعات، يعتبر بلوغ الفتاة علامة على استعدادها للزواج، ويتم تزويجها لإعطائها مكانة اجتماعية كزوجة وأم.
انعدام الأمن وانتشار الأزمات
في المجتمعات التي تتعرض فيها الفتيات لخطر التحرش والاعتداء، يتجه الآباء إلى تزويج بناتهم لحمايتهن. كما تزداد حالات الزواج المبكر في المناطق التي تعاني من الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية، حيث يزداد الفقر والعنف.
تبعات الزواج قبل الأوان
على الرغم من أن الزواج المبكر قد يؤثر على الذكور، إلا أن تأثيراته السلبية تكون أكثر وضوحاً على الفتيات. يعتبر الزواج المبكر انتهاكاً لحقوق الطفل، ويؤدي إلى:
الآثار على الذكور
يتسبب الزواج المبكر للذكور في تحملهم مسؤوليات كبيرة قبل استعدادهم لها، مما يؤدي إلى ضغوط اقتصادية قد تمنعهم من إكمال تعليمهم وتطوير مهاراتهم.
الآثار الصحية والنفسية على الفتيات
الزواج المبكر يعرض الفتيات لمخاطر صحية ونفسية جسيمة:
الآثار الصحية
الحمل قبل سن الخامسة عشرة يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل فقر الدم، ارتفاع ضغط الدم، وزيادة حجم رأس الجنين. الأمهات الصغيرات أكثر عرضة لتسمم الحمل والتهابات الجهاز التناسلي. كما أن الإجهاض غير الآمن يمثل خطراً كبيراً على حياتهن وصحتهن.
الآثار النفسية
تفقد الفتيات المتزوجات في سن مبكرة فرصة الاستمتاع بطفولتهن، ويتعرضن لضغوط نفسية كبيرة نتيجة المسؤوليات الزوجية والأسرية. قد يعانين من الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية.
تكون الأمالمراهقةأكثر عرضةً لاكتئاب ما بعد الولادة بمقدار الضعف عن المرأة الأم الأكبر سنّاً، وقد تظهر أعراض تقلّب في المزاج، وقلق، وحزن، وصعوبة في التركيز والأكل والنوم لمدّة أسبوع إلى أسبوعين، كما أنّ خطر الاكتئاب قد يزداد إذا أنجبت الأم قبل مرور تسعة أشهر، ومن الأعراض الإضافية التي قد تُصاحب اكتئاب ما بعد الولادة ما يأتي:[١١]
- صعوبة في إقامة علاقة أمومة جيدة بين الطفل والأم.
- التعب الشديد.
- نوبات الخوف، والهلع، والقلق.
- تفكير الأم في إيذاء نفسها أو إيذاء الطفل.
- عدم الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تُسعد الفتاة سابقاً.
تعرّض حياة الفتاة ومولودها للخطر
تظهر الآثار الصحية للزواج المُبكّر على الفتاة من خلال ارتفاع معدل الوفاة عند الفتيات المتزوجات تحت سن 15 بخمس مرّات عن الفتيات المتزوجات في سن العشرين، كما أنّهنّ أكثر عرضةً لحدوث نزيف ومضاعفات أثناء الولادة.[١٣]
كما تُشير منظمة أنقذوا الأطفال (بالإنجليزية: Save The Children) في منشورها السنوي لعام 2004م إلى أنّ احتمال وفاة مواليد الفتاة المتزوجة دون سن البلوغ بعد انقضاء عام واحد من أعمارهم مضاعفٌ مقارنةً بمواليد الفتاة التي تزوجت في سن العشرين، أمّا في حال بقائهم على قيد الحياة فإنّهم يُصبحون أكثر عرضةً للحصول على مستوى منخفض من الرعاية الصحية وسوء التغذية نتيجة لاتباع الأمهات سلوكيات خاطئة في التغذية مقارنةً مع الأمهات الأكبر سنّاً.[١٣]
الآثار الصحيّة والنفسيّة للزواج المبكر على الأطفال
وفيما يلي توضيح لها:
الآثار الصحية
تكون الأمهات المراهقات أكثر عرضةً لإنجابأطفال خدجيُعانون من نقص في الوزن عند الولادة؛ وذلك لعدم توافر الوقت الكافي لإتمام مرحلة النمو داخل بطن الأم، حيث يزن الطفل الذي يُعاني من نقص في الوزن عند الولادة ما بين 1500 إلى 2500 غم، وفي حالات نقص الوزن الحادّ قد يصل وزنه إلى أقل من 1500 غم، ففي هذه الحالة يحتاج الطفل إلى تدخّل طبي في وحدة الأطفال الخدج داخل المستشفى، وتقديم جهاز التنفس الصناعي إذا لزم الأمر لمساعدته على التنفس.[١٤]
تظهر الآثارالصحية بأشكال متعددة على صحة الجنين ومنها؛ التعرّض للاختناق داخل بطن الأم؛ بسبب القصور الشديد في الدورة الدموية المغذيّة للطفل، كما أنّ الولادة المبكّرة تُعرّض الطفل لبعض المخاطر منها؛ عدم اكتمال نمو الرئتين، وحدوث عدّة أضرار في الجهاز الهضمي، كما قد يُصاب الطفل بتأخّر النمو الجسدي والعقلي، وزيادة الفرصة بالإصابة بمرض الشلل الدماغي، أو العمى، أو الإعاقة السمعية، أو قد يتوفّى الطفل بسبب الالتهابات بعدّة أنواعها.[١٢]
الآثار النفسية
تتمثّل الآثار النفسيّة المترتبة على الطفل في مشاعر الحرمان التي تنتابه لعدم قدرة الأم القاصرة على القيام بواجبها اتجاه طفلها، فينشأ عن ذلك اضطربات نفسية قد تُصاحبالطفلحتّى يكبر وينتج عنها أمراض نفسية؛ كالفصام والاكتئاب، كما أنّ انخفاض الرعاية التربوية السليمة تؤدّي إلى تأخّر النمو الذهني لدى الطفل، لذلك فالزواج المُبكّر هو أحد أسباب انتشار الأمراض والاضطربات النفسية داخل الأسرة والمجتمع، ممّا يؤدّي إلى زيادة العبء الاقتصادي على النظام الصحي.[١٢]
الآثار الاجتماعية
يؤدي الزواج المبكر إلى الطلاق المبكر بسبب عدم استعداد الزوجين لتحمل مسؤولية بناء أسرة. كما يؤدي إلى العنف الأسري، انتشار الفقر، وانخفاض مستوى التعليم.
تبلغ نسبة الفتيات المتزوجات التي تترواح أعمارهنّ ما بين 15 و19 سنة واللواتي يتعرّضن للعنف الجنسي من قِبل أزوجهنّ 13% مقارنةً مع النساء الأكبر سنًا والأعلى تعليمًا، كما أنّهن أكثر عرضةً للعنف، و إساءة المعاملة، والإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة.[١٥]
وعادةً ينشأ الزواج المبكر بين طرفين بينهما فجوة كبيرة ناتجة عن الفرق الكبير في السن، ممّا يُسبّب أزمةً في العلاقة الزوجية، فينشأالعنف الأسري، حيث إنّ 50% من الفتيات اللواتي تزوجن تحت سن 18 يتعّرضن للعنف من قِبل الشريك أثناء فترة الزواج.[١٥]
ينتشر الزواج المُبكّر بين الفئات الأكثر فقراً في أنحاء العالم، كما أنّ الزواج المُبكّر عائق في تحقيق مستويات تعليم أعلى وتحقيق استقرار مادي أمام الطرفين سواء كان ذكر أو أنثى، لذلك فالفقر والزواج المُبكّر مشكلتان متلازمتان.[١٥]
يمنع الزواج المُبكّر الفتاة من مواصلة تعليمها، وذلك لأنّ الكثير من المجتمعات ترفض فكرة ذهاب فتاة متزوجة أو خاطبة إلى المدرسة، أو قد يكون الزوج هو الطرف الرافض لحضور زوجته إلى المدرسة، بالإضافة إلى أنّ متطلبات الحياة الزوجية من أعمال منزليةورعاية الأطفال، أو وجود مضاعفات ناتجة عن الحمل، تُعيق الفتاة من الذهاب إلى المدرسة ومواصلة التعليم.[١٥]
نسب انتشار الزواج المبكر ومناطقه
ينتشر الزواج المبكر بشكل أكبر في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية، وهناك اختلافات في نسب الانتشار بين المجتمعات المختلفة. وقد سجلت دول جنوب أفريقيا أعلى نسبة انتشار للزواج المبكر، تليها دول جنوب آسيا. كما أن هناك اختلافاً جغرافياً بين الدول التي ينتشر فيها زواج الفتيات وتلك التي ينتشر فيها زواج الأولاد.
وقد وثّقت منظمةاليونيسيفلعام 2019م العدد الكلي الذي يضم عدد الذكور والإناث الذين تزوجوا دون سن 18 حيث بلغ 765 مليون حالة، ووصل عدد المتزوجين من الأولاد والرجال الذين سبق لهم وتزوجوا دون سن 18 إلى 115 مليون حالة، وتُشكّل جمهورية أفريقيا الوسطى أعلى نسب لانتشار زواج الأطفال الذكور حيث بلغت النسبة فيها 28%، تليها نيكاراغوا بنسبة 19%، وأخيراً مدغشقر بنسبة 13%.[١٧]
لا يقتصر الزواج المُبكّر على المجتمعات الفقيرة، فالواقع يُثبت أنّ الزواج المُبكّر ظاهرة انتشرت في جميع أنحاء العالم على اختلاف القارات، والثقافات، والأديان، والمستوى الاقتصادي سواء الدول الفقيرة أو الدول الغنية، إلّا أنّه ينتشر بنسب أكبر في الدول النامية كوّنالفقرأحد الأسباب الرئيسية له، حيث إنّ حوالي فتاة واحدة من أصل 3 فتيات في العالم النامي تزوجن دون سن 18، فالفتيات حققن الغالبية في الزواج دون سن 18 حيث وصلت النسبة إلى 82%، ففي كلّ عام تتزوج 12 مليون فتاة دون سن البلوغ دون أيّ استعداد جسدي أو حتّى عاطفي.[١٦]
انخفض معدل الزواج المُبكّر بشكل كبير في دول جنوب شرق آسيا خلال العشر سنوات الماضية، فتحوّلت النسبة من 50% إلى 30%، حيث كان لدولة الهند تحديداً الدور الأكبر في هذا التقدّم، ويعود سبب ذلك إلى الاستراتيجيات التي تبنّتها الحكومة الهندية من خلال زيادة معدل التعليم للفتيات، وزيادة الاستثمارات التي تستهدف فئةالمراهقات، وبثّ رسائل توعوية على المستوى الوطني تستنكر شرعية زواج الأطفال وتوضّح مدى ضرره.[١٨]
مقترحات لمواجهة الزواج المبكر
تتطلب مواجهة الزواج المبكر جهوداً متكاملة تشمل:
نشر الوعي
رفع مستوى الوعي بمخاطر الزواج المبكر، وتعزيز حقوق الفتيات في التعليم والصحة والحياة الكريمة. وقد أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان برنامج “العمل من أجل المراهقات” بهدف تمكين الفتيات وتعليمهن حقوقهن.[١٩]
كما تتلقّى الفتيات أيضاً برامج تخصّ الصحة الإنجابية، وتدريبات تشمل المهارات الحياتية؛ كمهارةالتفاوضالتي يُمكن أن تُساعد على إقناع الأهل عن صرف النظر عن أمر الارتباط لفترة معينة أو حتّى رفضه، حيث أصبحن هؤلاء الفتيات قدوةً في مجتمعاتهنّ يُعبّرن عن الفتاة المراهقة المتعلمة، أملاً في أن يكون هذا الوضع الطبيعي لجميع الفتيات في ذات السن.[١٩]
تفعيل القوانين والتشريعات
تطبيق القوانين التي تحظر الزواج المبكر وفرض العقوبات على المخالفين. و من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين، وإنهاء مشكلة الفقر عن طريق بناء شبكة أمان اجتماعي تحميالفتياتوذويهنّ، وزيادة فرص التعليم، وتقديم الخدمات الصحية، وتوفير فرص العمل.[١٩]
إطلاق الحملات الجماهيرية
جذب انتباه العالم إلى قضية الزواج المبكر، والدعوة إلى وضعها على رأس الأولويات الدولية.[١٩]
توفير خطط الطوارئ
تقديم المساعدة القانونية والاجتماعية للضحايا، وتأمين المأوى الآمن.[٢٠]
إنشاء مراكز توعية للمقبلين على الزواج
تقديم الدعم والإرشاد للشباب في مرحلة ما قبل الزواج، وتأهيلهم لبناء أسرة مستقرة وسعيدة.[١٢]
تعزيز ترابط الأسرة
الحث على تماسك الأسرة وتوفير بيئة داعمة للأطفال.[١٢]
المراجع
- “Child, early and forced marriage, including in humanitarian settings”,www.ohchr.org, Retrieved 2-1-2020 Edited.
- “Early marriage: a Physical and Psychological Harm”,www.atfalouna.gov.lb, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “Child marriage”,unicef, Retrieved 24/4/2022. Edited.
- “Child marriage”,unicef, Retrieved 24/4/2022. Edited.
- “WHY DOES CHILD MARRIAGE HAPPEN?”,www.girlsnotbrides.org, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “Child marriage”,www.actionaid.org.uk,27-11-2019، Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “EARLY MARRIAGE”,unicef-irc, 1/3/2001, Page 2. Edited.
- “EARLY MARRIAGE”,unicef-irc, 1/3/2001, Page 4-5. Edited.
- “Teen Pregnancy Issues and Challenges”,www.americanpregnancy.org,11-11-2019، Retrieved 8-1-2020 Edited.
- “Adolescent pregnancy”,www.who.int,28-2-2018، Retrieved 5-1-2020 Edited.
- Rachel Nall,”What Are the Effects of Teenage Pregnancy?”،www.healthline.com, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- فوزي خميس, أرليت تابت, نادين مشموشي (2014)،حماية القاصرات من الزواج المبكر الواقع والمرتجى، لبنان: الجامعة اللبنانية الأميريكية، صفحة 24,26,28,29.
- غولنارا شاهينيان ،تقرير مواضيعي عن الزواج الاستعبادي، الأمم المتحدة، صفحة 19. بتصرّف.
- “Teen Pregnancy: Medical Risks and Realities”,www.webmd.com, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “What Are the Long Term Impacts of Child Marriage? Your Questions Answered”,www.equalitynow.org,17-5-2019، Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “Child marriage”,www.data.unicef.org,1-10-2019، Retrieved 5-1-2020 Edited.
- Helen Wylie (6-6-2019),”115 million boys and men around the world married as children – UNICEF”،www.unicef.org, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- Helen Wylie (2-3-2018),”25 million child marriages prevented in last decade due to accelerated progress, according to new UNICEF estimates”،www.unicef.org, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- Rebecca Zerzan (12-2-2015),”Top 10 myths about child marriage”،www.unfpa.org, Retrieved 5-1-2020 Edited.
- “Forced Marriage”,www.uscis.gov,31-1-2018، Retrieved 5-1-2020 Edited.