مقدمة
يشكل الاعتداء على الأطفال داخل نطاق الأسرة تهديدًا خطيرًا لسلامتهم وأمنهم. يمثل هذا السلوك المرفوض انتهاكًا لحقوقهم الأساسية، سواء كانت نفسية أو جسدية أو حتى جنسية. إنه ليس مجرد مشكلة حديثة، بل ظاهرة تاريخية لها آثار عميقة وطويلة الأمد على حياة الأطفال. هذه الآثار لا تقتصر على مرحلة الطفولة، بل تمتد لتشمل مراحل لاحقة من حياتهم، مما يؤثر على تكوينهم النفسي والسلوكي وحتى ذاكرتهم. غالبًا ما يترك العنف ندوبًا عميقة في ذاكرة الطفل، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية وعاطفية تستمر معه حتى مرحلة البلوغ، مثل الاكتئاب والأزمات النفسية المتعددة.
توضيح مفهوم العنف الأُسري
يمكن تعريف العنف الأُسري بأنه مجموعة الأفعال والسلوكيات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، التي تستهدف أحد أفراد الأسرة بهدف إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي أو اللفظي أو الجنسي. غالبًا ما يتركز هذا العنف على أفراد الأسرة الأكثر ضعفًا، وهما المرأة والطفل. يعتبر استخدام القوة داخل الأسرة أحد أبرز أشكال العنف، خاصة عندما يمارسها أحد أفراد الأسرة البالغين ضد الطفل أو المرأة. من زاوية أخرى، يمكن تعريف العنف الأُسري بأنه إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي الذي يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي يتعارض مع القانون ويستوجب العقوبة.
أصناف العنف الأُسري ضد الأطفال
يشير العنف الأُسري الموجه ضد الأطفال إلى جميع السلوكيات والأنشطة التي تهدد أمن الطفل واستقراره النفسي والجسدي. يشمل ذلك استخدام القوة وإلحاق الأذى النفسي أو البدني داخل الأسرة من قبل الوالدين أو القائمين على رعايته. يتضمن ذلك الضرب المبرح، أو الضرب المتعمد، أو العقاب الجسدي، أو الاستمرار في السخرية والإهانة والاستهزاء بحقه، أو الإهمال والتقصير في رعايته وتوفير مستلزماته الصحية والنفسية والاجتماعية والجسدية، أو استغلاله في أعمال تفوق طاقته.
يتضمن العنف الموجه نحو الأطفال أنواعًا عديدة منها:
- الإيذاء البدني: وهو أحد أشكال العنف الناتجة عن سلوك متعمد يمارسه أحد الوالدين داخل الأسرة أو كلاهما، أو أحد الأفراد المحيطين بالطفل داخل الوسط الأسري. وينتج عن هذا السلوك عادة إلحاق الأذى الجسدي، أو الضرر البدني بالطفل بصورة مباشرة كالضرب، أو التسميم، أو الحرق، أو الربط، أو الحبس، أو التسبب بالألم. وقد يحدث الأذى البدني للطفل بصورة غير مباشرة؛ كمنع العلاج عن الطفل، أو عدم تأمينه له، أو منع الطعام عنه، أو عدم إعطائه كفايته منه، أو التهاون في منع الأذى من الوصول إليه.
- الإيذاء النفسي: ويتضمن الأذى النفسي الموجه نحو الطفل جميع أنماط السلوكيات المتعمدة التي يمارسها الآباء أو أفراد الأسرة أو المحيطين فيها على الأطفال في الأسرة، أو أحدهم، فتسبب الألم النفسي أو الضرر في صحة الطفل النفسية. وتتعدد أنماط الأذى النفسي التي قد يواجهها الطفل داخل أسرته؛ كالتهديد، والتخويف، والتحقير، والنبذ، والإيذاء اللفظي، والسخرية، والإهمال، وتمثل سلوكات التمييز والتفرقة والتفضيل بين الأطفال داخل الأسرة إحدى صور الإيذاء النفسي، إضافة إلى الحرمان من العطف، أو عدم إظهار المحبة والحنان، أو المطالبة بمهام غير واقعية، أو يصعب على الطفل القيام بها.
- الإيذاء الجنسي: ويتمثل الإيذاء الجنسي للطفل في استغلاله الجنسي الفعلي أو المحتمل من قبل أحد أفراد الأسرة بغرض تحقيق الإشباع الجنسي من خلال الطفل، ويكون ذلك بالاتصال الجنسي القسري أو من خلال التحايل عليه من قبل أشخاص يكبرونه سنًا.
تداعيات العنف الأُسري على الأطفال
تظهر الآثار النفسية والبدنية والاجتماعية والانفعالية بصورة واضحة في مستقبل الأطفال المعنفين، وبنسب ودرجات متفاوتة تعتمد على المرحلة النمائية التي تعرض الطفل للعنف خلالها، وعلى طبيعة العنف الذي واجهه الطفل ونوعه. وقد رصد الباحثون صوراً لآثار عديدة ناتجة عن العنف الذي يتعرض له الأطفال، منها:
- يُسبب العنف فقدان الثقة بالنفس لدى الطفل، وبالتالي يتكوّن لديه شعور بالخوف، والتردد في القيام بأي عمل.
- ينعكس العنف الذي يتعرض له الطفل داخل المنزل على سلوكياته وتصرّفاته خارج المنزل، وخصوصاً في المدرسة أو الشارع، ويقوم بتفريغ هذا العنف من خلال سلوكيّات سيّئة وطباعاتِ غير مرغوبة.
- يؤدي العنف الذي يتعرَّض إليه الأطفالُ إلى تشبُّعهم فيه، وتداوله كأوَّل حل للمشكلاتِ التي تواجههم في حياتهم العمليَّة، كما يُعزِّزُ نوبات الغضب لديهم.
- العنف الأسري أيضاً يؤدي إلى زيادة شعور الطفل بالإحباط، وضعف في شخصيته، وبالتالي يؤثر سلباً في إنجازاته وحياته المستقبلية وجميع مناحي الحياة.
- قد يسبب العنف في صناعة الشخصيَّة المتمرِّدةِ للطِّفل، التي تمثل رفضه غير المبرر لأي قرار أو رأيٍ دون إبداء الأسباب أو الحلول البديلة، وقد تنعكس هذه الشخصيَّةُ على واقعه الحياتي عند تقدُّمه في العمر.
وسائل التخفيف من العنف الأُسري ضد الأطفال
يمكن التقليل من العنف الأسري ضد الأطفال من خلال:
- نشر أضرار ومخاطر العنف الموجّه تجاه الأطفال وأشكاله وأنواعه، وتوعية الأسرة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعيّة؛ كالمؤسسات التعليميّة، والمساجد، ودور الشباب.
- تشريع القوانين والأحكام الخاصّة بالأطفال المتعرّضين للعنف بأشكاله وضمان حقوقهم.
- المتابعة المستمرة للأطفال الذين تعرضوا للعنف، وتقديم الدعم النفسي من خلال برامج الإرشاد النفسي في المؤسسات التعليميّة، وخلال جميع المراحل.
- تنظيم الجلسات التوعويّة، والدورات التأهيليّة للأسرة وأولياء الأمور؛ لشرح مخاطر ممارسة العنف تجاه الأطفال وأشكاله، بالإضافة إلى ذكر أهم طرق وأساليب التنشئة الأسريّة السليمة.
- مجابهة ظاهرة العمل للأطفال دون سن العمل القانونيّ واستغلالهم من قبل جميع المؤسسات المجتمعيّة والأهالي وأصحاب العمل.
- تقديم الدعم والمساندة الاجتماعيّة بجميع أشكالها وبأقصى درجاتها تجاه الأطفال المتعرَّضين للاعتداء والعنف الجنسي، نظراً لشدة تأثير الأضرار التي تُصيب نفسية الطفل واتجاهاته ومستقبله.
أهمية صيانة الأطفال من العنف الأُسري
تُعرَّفُ الطفولةُ بأنَّها مرحلةٌ من مراحلِ الكائنِ البشريِّ تمتدُّ منذُ ولادتِه حتَّى بلوغِه سنَّ الرشد، وتتميَّزُ بخصائِصَ مهمَّة أبرزها ظهورِ شخصيَّته المستقلَّة وبنائه الفكري والسلوكي والنفسي.[7]
وتستلزمُ هذه المرحلة رعايةً خاصَّةً واهتماماً بليغاً من قِبَل الأسرةِ والبيئة الحاضنة للطفلِ، إذ هي مرحلةٌ حسَّاسةٌ تَتشكل فيها سُلوكات الطفل وانفعالاته لتكوِّنَ البناءَ القويم المتماسك لشخصيَّته، لينشأ بذلك إنساناً سويَّ البُنيةِ والتركيب الاجتماعيّ والنَّفسيّ.[3]