مقدمة حول الرعاية المجتمعية
تعتبر أعمال الرعاية المجتمعية من المفاهيم الهامة التي ظهرت في أوائل القرن العشرين، وهي تمثل مهارة علمية تتضمن القيام بأنشطة متنوعة لخدمة الأفراد والجماعات. تهدف هذه الأعمال إلى تحسين ظروفهم المعيشية ومساعدتهم على تطوير مجتمعاتهم. وقد عرّفها بعض الباحثين بأنها خدمات متخصصة تعتمد على أسس علمية ومهارات ومعارف في مجال العلاقات الإنسانية، وذلك بهدف تقديم العون للأفراد والمجموعات على حد سواء. كما يرى آخرون أنها وسيلة اجتماعية تهدف إلى مساعدة المجتمع في مواجهة التحديات التي تواجهه والحد من آثارها السلبية.
النشأة التاريخية للخدمات المجتمعية
على الرغم من أن مفهوم الخدمات المجتمعية يعتبر حديثًا نسبيًا، إلا أن جذوره التاريخية ضاربة في القدم، حيث تنبع من دوافع إنسانية ودينية تهدف إلى مساعدة المحتاجين والضعفاء وتلبية احتياجاتهم الأساسية. وقد تجلت هذه الممارسات في الحضارات القديمة كالإغريق والرومان، حيث كان المتطوعون يقدمون المساعدة للجرحى والمصابين في الحروب. وفي أواخر القرن العشرين، ظهرت حركات نشطة في الدول الصناعية الغربية تهدف إلى دعم المجتمعات المحتاجة، سواء في الدول الغربية أو النامية، من خلال توفير الغذاء والدواء وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
لقد حث الإسلام على التكافل الاجتماعي وتقديم العون للمحتاجين، كما جاء في قوله تعالى:
“وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (المائدة: 2).
وكذلك ما ورد في الحديث الشريف: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (صحيح مسلم).
الغايات الأساسية للرعاية المجتمعية
تهدف مهنة الرعاية المجتمعية إلى تطوير المجتمعات من خلال البحث عن الأسباب والعوامل التي تعيق النمو والتقدم الاجتماعي، مثل البطالة والأمراض والظروف المعيشية السيئة. كما تسعى إلى تحديد أسباب الخلل الاجتماعي في المجتمعات من أجل مواجهتها والحد من آثارها السلبية. وذلك عن طريق دراسة المشاكل وايجاد الحلول المناسبة التي تساعد المجتمع في التغلب عليها.
كما تسعى المؤسسات المجتمعية لتوفير فرص عمل وبرامج تأهيلية للفئات المحتاجة، إضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين يواجهون صعوبات في حياتهم.
المرتكزات الفلسفية للخدمات المجتمعية
تقوم فلسفة الخدمات المجتمعية على عدة أسس رئيسية، منها:
- الإيمان بقيمة الأفراد والحفاظ على كرامتهم.
- الاعتراف بالفروق الفردية بين الناس.
- حق الأفراد في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمصيرهم، مع مراعاة حقوق الآخرين.
- التأكيد على أهمية المحبة والتسامح في العلاقات الاجتماعية.
- الإيمان بأن الإنسان هو القوة الدافعة للتغيير الاجتماعي.
مهام و مسؤوليات الخدمات المجتمعية
تتنوع مهام الخدمات المجتمعية وتشمل:
- المهام العلاجية: تمكين الأفراد من إيجاد حلول للمشاكل التي تواجههم، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة.
- المهام التنموية: الاستفادة من الإمكانات والقيم والموارد الاجتماعية المتاحة في المجتمعات.
- المهام الوقائية: منع حدوث المشاكل والممارسات السلوكية السلبية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الخدمات المجتمعية على تعزيز الوعي المجتمعي بالقضايا الاجتماعية المختلفة، وتشجيع المشاركة المجتمعية في حل المشاكل والتحديات.
أخلاقيات و قواعد الرعاية المجتمعية
تستند الخدمات المجتمعية إلى مجموعة من المبادئ الأساسية، منها:
- قبول الأفراد كما هم، وليس كما يجب أن يكونوا.
- احترام حق الأفراد في تقرير مصيرهم.
- تشجيع الجهود الذاتية للأفراد.
- الحيادية والموضوعية في التعامل مع الأفراد.
- تقييم الأداء بشكل دوري لمراجعة الإنجازات والتحديات.
وتسعى المؤسسات المجتمعية إلى الالتزام بهذه المبادئ في جميع أنشطتها وبرامجها، وذلك لضمان تقديم خدمات عالية الجودة تلبي احتياجات المستفيدين.
نطاقات عمل الخدمات المجتمعية
تتنوع مجالات عمل الخدمات المجتمعية وتشمل:
- الأسرة: معالجة المشاكل الأسرية والتفكك الأسري.
- التعليم: المساهمة في تحقيق رسالة المدرسة التربوية والتعليمية.
- الطب: المساهمة في تحقيق الصحة النفسية والجسدية للأفراد.
- الأحداث: رعاية الأحداث في السجون وبعد الإفراج عنهم ليكونوا أفرادًا صالحين في المجتمع.
- المساعدات العامة: تقديم المساعدات المالية للمحتاجين، مثل المرضى وكبار السن والأطفال واليتامى.
- التأمين الاجتماعي: توفير الحماية الاجتماعية للأفراد في حالات الطوارئ والأزمات.
وتهدف هذه المجالات إلى تغطية جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات، وذلك لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للجميع.