دراسة تحليلية لقصيدة أحزان في الأندلس

تحليل معمق لقصيدة أحزان في الأندلس لنزار قباني، يشمل الألفاظ، البناء الشعري، الرمزية، الإيقاع الموسيقي، الصور البلاغية، والتناص مع أعمال أخرى.

معجم القصيدة

في قصيدته “أحزان في الأندلس”، يميل نزار قباني إلى استخدام لغة سلسة وواضحة، مما يجعل القصيدة قريبة من القارئ على الرغم من ثقل القضية التي تتناولها. يختار الشاعر كلماته بعناية فائقة، بحيث تعمل على بناء صورة متكاملة تأخذ القارئ في رحلة عبر الزمن، مستعرضًا تاريخ الأندلس بشكل مؤثر. يعتمد قباني على مفردات ذات طابع إيحائي قوي، تمزج بين الماضي والحاضر، كما في قوله:

كتبت لي يا غالية
كتبت تسألين عن إسبانية

هيكلة القصيدة

خرج نزار قباني في قصيدة “أحزان الأندلس” عن النهج التقليدي للقصيدة العمودية، الذي سار عليه الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي، والذي يعتمد على البحور الشعرية التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي. اتجه قباني نحو شكل أكثر حرية وانسيابية، وهو الشعر الحر، الذي يقوم على نظام الأسطر المتغيرة في عدد التفعيلات وفقًا للإيقاع الموسيقي للقصيدة، ومن أمثلة ذلك:

كتبت لي يا غالية
كتبت تسألين عن إسبانية
عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية
عن عقبة بن نافع
يزرع شتلة نخلة
في قلب كل رابية
سألت عن أمية
سألت عن أميرها معاوية
عن السرايا الزاهية
تحمل من دمشق في ركابها

دلالات الرمزية

يلعب الرمز دورًا هامًا في القصيدة، حيث يربط بين مشاعر الشاعر والأحداث التاريخية التي شهدتها الأندلس. يستوحي قباني رموزه من شخصيات تاريخية تركت بصمة واضحة في تاريخ الأندلس، مثل طارق بن زياد وعقبة بن نافع، اللذين يمثلان رموزًا للبطولة والإصرار على تحقيق الأهداف. كما يشير إلى أماكن تحمل دلالات تاريخية عميقة، كما في قوله:

لم يبق من قرطبة
سوى دموع المئذنان الباكية

الإيقاع الصوتي

تعتمد قصيدة “أحزان في الأندلس” على وحدة الإيقاع الموسيقي في بناء القصيدة. يعتبر السطر الشعري الوحدة الأساسية في القصيدة، وقد استخدم نزار قباني بحر الرجز، الذي يتميز بصفائه وقدرته على التعبير عن المشاعر، وتفعيلته الأساسية هي (مستفعلن)، مع التغيير فيها حسب متطلبات القصيدة.

الصور الشعرية واستخدام التشبيه

تتجاوز الصورة الشعرية في قصيدة “أحزان في الأندلس” مجرد الربط بين المشبه والمشبه به، لتصبح وسيلة لنقل المشاعر وتجسيد الأحداث. يرسم قباني صورة حية للأندلس، وكيف غلفها الحزن بعد تدهور أحوالها، معبرًا عن أسفه العميق لما آلت إليه حاضرة الحضارة الإسلامية، ويربط هذا الوضع بأحوال العالم العربي الراهنة.

مضت قرون خمسة
مذ رحل الخليفة الصغير
عن إسبانية
ولم تزل أحقادنا صغيرة
كما هيه
ولم تزل عقلية العشيرة
في دمنا كما هيه
حوارنا اليومي بالخناجر
أفكارنا أشبه بالأظافر
مضت قرون خمسة

يكثر استخدام التشبيهات في القصيدة، ربما بسبب طبيعة الموضوع، والرغبة في تقريب صورة الأحداث للقارئ، كما في قوله: “أفكارنا أشبه بالأظافر”، حيث يهدف الشاعر إلى تصوير حدة الخلافات بين العرب، وأنها لا تتعدى كونها خلافات بسيطة كالتي تحدث بالأظافر، ولا ترقى إلى مستوى المواجهات القوية.

التفاعل النصي والخيال

يدعو النص القارئ إلى البحث عن روابط بينه وبين نصوص أخرى، وهو ما يُعرف بالتناص. يمكن ملاحظة وجود صلة بين قصيدة “أحزان في الأندلس” وقصيدة ابن زيدون التي يقول فيها:

أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا

كما يظهر الخيال جليًا في القصيدة، من خلال الحوار بين الشاعر والسائلة عن إسبانيا، ليجيبها عن الأندلس، ويتخيل الفردوس المفقود للعرب، ويرسم صورًا جزئية للأحداث التي صاحبت خروجهم من الأندلس، والحزن الذي خيم على مشاعر الشاعر والعرب جميعًا.

المصادر

  1. نزار قباني، الأعمال الشعرية الكاملة، صفحة 563-565. بتصرّف.
  2. ابن زيدون، ديوان ابن زيدون، صفحة 11836.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في معلقة أبي تمام عن فتح عمورية

المقال التالي

قراءة في معلقة أغالب فيك الشوق للمتنبي

مقالات مشابهة