مقدمة حول الفكر الفلسفي لأفلاطون
تعتبر دراسة الفكر الفلسفي لأفلاطون مدخلاً هاماً لفهم تطور الفلسفة الغربية. يمكن تتبع جذور اهتمام أفلاطون بالطبيعة إلى فلسفة معلمه سقراط. كان أفلاطون شخصية محورية في المدرسة السقراطية، حيث رأى أن الطبيعة البشرية في جوهرها غير مادية. بالنسبة لسقراط، كان التركيز على المادة عائقاً أمام الفهم الفلسفي الحقيقي، واعتبر أن النفس هي بمثابة سجن للحقيقة. لذلك، يمثل سقراط نقطة تحول في تاريخ الفلسفة، إذ تحول التركيز من دراسة أصل الأشياء المادية إلى استكشاف مفاهيم أكثر تجريداً.
لقد انصب اهتمام الفلاسفة قبل سقراط على الأنطولوجيا، باحثين عن الأصل المادي للكون. فمنهم من اعتبر الماء هو الأصل، ومنهم من رأى أن الهواء هو المكون الأساسي، بينما ذهب آخرون إلى القول بالعناصر الأربعة. إلا أن أفلاطون تأثر بشكل كبير بسقراط، ويمكن ملاحظة الجذور السقراطية في نظريات أفلاطون المتعلقة بالطبيعة.
إحدى الصعوبات في دراسة فلسفة سقراط تكمن في أن أفلاطون هو المصدر الرئيسي لمحاوراته. من المعروف أن سقراط لم يترك كتابات بنفسه، وأن محاوراته نُقلت لاحقًا تحت اسم “محاورات أفلاطون”. هذا يجعل من الصعب الفصل بين أفكار سقراط وأفكار أفلاطون.
استعراض نظرية المُثل
من خلال دراسة أعماله، توصل أفلاطون إلى استنتاج مفاده أن الطبيعة الحقيقية للأشياء ليست مادية، بل هي موجودة في عالم آخر، وهو عالم المثل. هذا العالم مثالي ولا يتأثر بالتجسيد المادي. في هذا العالم يوجد مثال لكل شيء، وكل ما نراه في العالم المادي ليس سوى انعكاس باهت لهذا المثال. لا يمكن الوصول إلى هذه الحقيقة إلا من خلال التعقل والفهم العميق للأشياء والعالم، وهي صفات تميز الفيلسوف. ويقول أفلاطون في هذا السياق: “لا إمكانية للمعرفة الحقة إلا بالمعقول”.
والمقصود بالمعقول هو الماهيات. العالم المادي يشوه الحقائق، ولا يمكن من خلاله فهم طبائع الأشياء. بل يتم التعرف على هذه الطبائع من خلال عالم المثل.
تُعرف الماهيات أيضًا بالصور، وتتميز بالثبات والوحدة. فهي لا تتغير بتغير الظروف، على عكس ما يحدث في العالم المادي. لذلك، يمكن تعريف فلسفة المثل عند أفلاطون بأنها البحث عن الثابت الذي لا يتغير. ويعتبر أفلاطون أن العلم الحقيقي هو العلم بالماهيات، والتي تتميز بكونها كلية وليست جزئية. فالماهيات هي تعريف جامع لما هو جزئي. تنقسم الكليات إلى قسمين رئيسيين:
- الكليات الحملية: وهي الخواص والعلاقات التي تشكل معاني الحدود العامة أو المحمولات. يمكن ملاحظة هذه الكليات في كلام الإنسان وفكره، فلا يستطيع الإنسان التفكير دون وجودها. على سبيل المثال، عندما نقول “السماء صافية”، فإننا نعبر عن حد الصفاء، وهذا ينطبق على حدود أخرى مثل الخير والجمال.
- الكليات الصورية: وهي الكليات المجردة التي لا توجد إلا في الرياضيات. العمليات الحسابية لا يمكن الإحساس بها أو لمسها، فالأعداد مجردة وصدقها ذاتي، ولا يحتاج إلى الرجوع إلى العالم المادي للتحقق منه.
تحليل لنظرية النفس في حوارية فايدون
عند البحث في طبيعة النفس، نلاحظ أن آراء الفلاسفة قبل سقراط لم تتطرق إلى فكرة خلود النفس أو الاعتقاد بالحياة الآخرة. ذكر سقراط في حوارية الدفاع، وهي إحدى الحوارات التي أجراها قبل إعدامه، أنه غير متأكد مما يحدث للنفس بعد الموت.
أثار هذا الأمر تساؤلات وشكوكًا لدى الفلاسفة حول وجود الإنسان. هل هو مجرد عارض لن يكون له أي أثر بعد موته، أم أن هناك خلودًا لنفسه؟
بعد الجدل الذي دار بين الفلاسفة والذين نقلوا محاورات سقراط، يمكن القول أن سقراط حسم الأمر بالإيمان بخلود النفس. وأضاف أن النفس ليست خالدة فحسب، بل إنها تتأمل الحقائق. تأثر أفلاطون بهذه المثالية السقراطية، وبنى فلسفته السياسية والاجتماعية بناءً عليها.
أثر المثالية الأفلاطونية في الفلسفة السياسية والاجتماعية
تبنى أفلاطون فكرة أن الطبيعة الإنسانية تختلف من شخص لآخر، ويعزو ذلك إلى الاستعدادات الفردية، والبيئة التربوية، وعوامل أخرى. استنادًا إلى نظريته في طبيعة النفس، وضع أفلاطون تصوره للمجتمع المثالي، والذي عُرف لاحقًا باسم الجمهورية. قام الفلاسفة المسلمون، مثل الفارابي في مدينته الفاضلة، بتطوير هذا التصور. يرى أفلاطون أن الأفراد يختلفون في سلوكهم وتصرفاتهم.
ويؤكد على ذلك بقوله: “إذا أردت أن تعرف حقيقة شخص ما امنحه سلطة، وانظر كيف سيتصرف”. يمكن توضيح النموذج الأفلاطوني في طبيعة النفس وانعكاساته السياسية من خلال النقاط التالية:
- النفس العاقلة: وهي أسمى النفوس، وتختص بفضيلة الحكمة. يمثلها في الدولة القادة والحكام ورجال السياسة.
- النفس الغضبية: وتختص بفضيلة الشجاعة. يمثلها في الدولة العسكر والجند.
- النفس الشهوانية: وتختص بفضيلة العفة. يمثلها في الدولة الحرفيون وعامة الشعب.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤكد على أهمية تزكية النفس والارتقاء بها:
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10].
المراجع
- “أفلطون.. لم يعتبر ألمع كتاب الغرب على مر العصور؟”، حكمة.
- “الكُليَّات ومشكلاتها الفلسفية: في نظريَّة أفلاطون للمُثُل”، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات.
- “نظريات النفس في الفلسفة القديمة”، حكمة.
- آرمسترونغ، مدخل إلى الفلسفة القديمة، صفحة 83-90.