خواطر حول البعد عن الديار

استكشاف مشاعر البعد عن الوطن والأهل والأصدقاء، وكيف يمكن أن تؤثر على الفرد، بغض النظر عن مستوى الرفاهية الذي يعيشه في الخارج.

مدخل إلى البعد عن الوطن

البعد عن الوطن، أو ما يعرف بالهجرة، هو تجربة إنسانية قديمة قدم التاريخ. إنه الابتعاد عن الأرض التي نشأنا عليها، عن العائلة والأصدقاء، وعن كل ما هو مألوف ومحبب إلى قلوبنا. هذا الابتعاد يحمل في طياته مشاعر متضاربة، من الحنين والشوق إلى الأمل في مستقبل أفضل.

مشاعر ترافق الابتعاد عن الديار

إنّ الشعور بالوحدة والبعد عن الأهل والأحباب هو من أصعب ما يواجهه المغترب. مهما بلغت الرفاهية التي يحظى بها في بلاد الغربة، يبقى هناك فراغ لا يملؤه شيء سوى القرب من الوطن والأهل. هذا الشعور يمكن أن يكون مدمراً، ويؤثر على الصحة النفسية والجسدية للمغترب.

غالباً ما يشعر الشخص بعدم الانتماء، وكأنه ضيف دائم، مهما طالت إقامته في البلد الجديد. يبقى القلب معلقاً بالوطن، والذكريات تدفعه للعودة. وقد قال الشاعر:

بك يا زمان أشكو غربتي
إن كانت الشكوى تداوي مهجتي
قلبي تساوره الهموم توجعاً
ويزيد همي إن خلوت بظلمتي

عبارات مؤثرة حول البعد عن الوطن

لقد ترك لنا الحكماء والشعراء العديد من الأقوال المأثورة التي تعبر عن تجربة البعد عن الوطن، ومنها:

  • “بعضهم كالوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالبعد.”
  • “لا يسكن المرء بلاداً، بل يسكن لغة، ذلك هو الوطن ولا شيء غيره.”
  • “في الغربة لا تدعينَ امتلاككِ لشيء، في الغربة لا تملكينَ إلا حلمك.”

هذه الأقوال تعكس مدى ارتباط الإنسان بوطنه ولغته، وكيف يمكن أن يشعر بالغربة حتى لو كان يعيش في رغد من العيش.

حكايات من التراث عن الغربة

وردت في التراث الإسلامي العديد من القصص التي تتناول تجربة الغربة، وتوضح كيف كان السلف الصالح ينظرون إلى هذه التجربة. منها ما روي عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال:

“إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفاً حلالاً: لأهل بيت غرباء.”

وعن حزم بن أبي حزم قال:

“مر بنا يونس على حمار، ونحن قعود على باب لا حق، فوقف؛ فقال: أصبح من إذا عرف السنة عرفها غريباً، وأغرب منه: الذي يعرفها.”

هذه القصص تبين أن الغربة ليست فقط الابتعاد عن المكان، بل أيضاً قد تكون غربة في الزمان، حيث يشعر الإنسان بأنه غريب بين أهله وعشيرته بسبب اختلاف القيم والمبادئ.

كما روي عن إبراهيم الحربي قوله:

“من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه، وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه، وقال كل واحد منهم شيئاً، فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن المنكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه.”

هذه الرواية تبرز مفهوماً أعمق للغربة، وهو غربة الصالحين في مجتمع غلب عليه الفساد.

أبيات من الشعر تعبر عن الشوق للوطن

لطالما كانت الأبيات الشعرية وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس، وقد ترك لنا الشعراء العديد من القصائد التي تصف تجربة البعد عن الوطن والشوق إليه. ومن هذه الأبيات:

يا قلب إني قد أتيتك ناصحاً
فاربأ بنفسك أن تقودك محنتي
إن الغريب سقته أيام الأسى
كأس المرارة في سنين غربتي

وقد قال الشاعر:

قد كان نومي هانئاً فوق الثرى
من غير شكوى أو عذول شامتِ
من غير هم بالزمان وكربه
من غير تسهادٍ يشتت راحتي

هذه الأبيات تعكس مدى الحنين إلى الماضي، وإلى البساطة والراحة التي كان ينعم بها الإنسان في وطنه.

وقال آخر يصف حاله في الغربة:

جسمي معي غير أن الروح عندكم
فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدناً
لا روح فيه ولي روح بلا بدن

هذا الوصف البليغ يصور حالة الانفصال الروحي التي يعيشها المغترب.

في الختام

إنّ تجربة البعد عن الوطن هي تجربة صعبة ومؤلمة، ولكنها أيضاً فرصة للنمو والتطور. يمكن للإنسان أن يتعلم الكثير عن نفسه وعن العالم من حوله، وأن يكتسب مهارات جديدة تساعده على التأقلم والتكيف مع الظروف المختلفة. ومع ذلك، يبقى الشوق إلى الوطن والأهل شعوراً ملازماً للمغترب، ويدفعه دائماً إلى التفكير في العودة.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أقوال مأثورة حول نقض العهد والخيانة في العلاقة

المقال التالي

دروس وعبر حول العُجب والثناء على النفس

مقالات مشابهة