مقدمة
تعتبر خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الفترات الهامة في تاريخ الإسلام، إذ شهدت العديد من التحديات والفتن، ولكنها تميزت أيضاً بالعدل والسعي لإقامة الحق. في هذا المقال، سنتناول جوانب مختلفة من خلافة الإمام علي، بدءًا بنسبه وبيعته، ووصولاً إلى أهم الملامح التي اتسمت بها فترة حكمه وإنجازاته البارزة. كما سنسلط الضوء على عدله رضي الله عنه الذي كان نموذجاً يحتذى به.
أصل ونسب الإمام علي
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن لؤي بن غلب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ويكنى بأبي الحسن، وهو ابن عم الرسول -عليه السلام-.[١]
كيف تمت البيعة للإمام علي؟
بويع عليٌّ -رضي الله عنه- بالخلافة يوم مَقتَل عثمان -رضي الله عنه- إذ اجتمع الصحابة ومنهم طلحة والزبير فطلبوا منه أن يبايعوه، إلّا أنّه رفض، فعادوا إليه مراراً يسألونه ذلك؛ فهو أقربهم من رسول الله، وأحقّهم بها فوافق على ذلك، وكانت مُبايعته في المسجد، وقِيل بايعوه في بيته،[٢] وكان ذلك في العام الخامس والثلاثين للهجرة في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة،[٣]ويُشار إلى أنّ عليّاً -رضي الله عنه- نقل مَقرّ الخلافة إلى الكوفة؛ لأنّها مُستَقرّ أعلام العرب في نظره.[٤]
السمات البارزة لخلافة علي بن أبي طالب
امتدت فترة خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حوالي أربع سنوات وتسعة أشهر وسبعة أيام.[٥] وقد اتسمت هذه الفترة بعدة سمات أساسية، منها:
-
القرآن والسنة كمرجعية عليا:
كان الإمام علي رضي الله عنه يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كمصدرين أساسيين في إدارة الدولة. فقد كان يرى أن القرآن الكريم يشتمل على جميع الأحكام الشرعية التي يحتاجها المسلمون لبناء دولتهم، وأن السنة النبوية توضح ما ورد في القرآن من أحكام. كما كان يقتدي بالخلفاء الراشدين الذين سبقوه في اتباع نهجهم. [٦] -
تطبيق مبدأ الشورى:
كان عليّ -رضي الله عنه- مُلتزماً بمنهج الشورى في تصرُّفاته جميعها؛ عملاً بقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[٧]؛ إذ كان على دراية تامّة بأنّ التشاور مع المسلمين، واتِّخاذ مُستَشارين له من أهل الوَرَع، والعلم، والسياسة هو السبيل لمعرفة كلّ ما يتعلّق بمحاسن الدولة، وعيوبها، وكان يَحثّ وُلاته على اتِّباع نَهجه. -
العدل والمساواة:
كان الإمام علي رضي الله عنه حريصًا على تطبيق العدل والمساواة بين الناس، حيث كان يرى أن العدل هو أساس الحكم، وأن الحكم لا يستقيم إلا به. وقد كان مثالاً يحتذى به في إقامة العدل، وهذا ما تجلى عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا إلى اليمن، حيث أظهر صفات حميدة وعلمًا بالفقه ساعداه على تحقيق العدل الشامل.
أهم الإنجازات في عهد علي بن أبي طالب
بالرغم من قصر فترة خلافته، إلا أن الإمام علي رضي الله عنه قدم إنجازات كبيرة، منها:
-
تحقيق فائض مالي:
حققت المالية العامة للدولة الإسلامية في عهده فائضًا ماليًا، حيث ازدادت إيرادات الدولة مقارنة بنفقاتها. وقد تم توزيع هذا الفائض بالعدل بما يضمن تحقيق التكافل الاجتماعي. [٨] -
تخصيص يوم للنظر في المظالم:
كان -رضي الله عنه- أوّل من خصّص يوماً للنظر في المظالم، وهو من وضع علم النحو على المشهور من أقوال العلماء.[٩] -
تقديم النصح والإرشاد:
كان -رضي الله عنه- حريصاً على تقديم النصح والإرشاد لرعيّته؛ من خلال الاحتكاك اليومي بهم، خاصّة يوم الجمعة، فخُطَب الجمعة تُعَدّ منبراً مهمّاً في توجيه الأمّة، وقد عُرِفَت خُطَبه بتأثيرها البالغ في نفوس الرعية؛ وذلك لاتِّصافها بالآتي:[١٠]- الاقتباس من القرآن الكريم، والتأثّر بكلام رسول الله.
- قوة الألفاظ، وقِصَر العبارات، ووضوحها.
- استخدام أسلوب الطباق الذي يزيد المعنى وضوحاً، وتأثيراً.
- الصدق في النصح النابع من حبّه -رضي الله عنه- لرعيّته، فكان كلامه يدقّ باب القلب مباشرة.
مظاهر العدل في خلافة الإمام علي
كان عليّ -رضي الله عنه- مثلاً يُحتذى به في إقامة العدل؛ فقد كان مُتَّبِعاً لسياسةرسول الله في تطبيق العدل الشامل بين الرعيّة؛ فالعدل دعوة عمليّة للإسلام تُؤَلَّف به القلوب؛ ولذا فهو من أهمّ الركائز التي نشأت عليها الخلافة الراشدة،[١١] ومن الأمثلة على عدله -رضي الله عنه- ما يلي:[١٢]
- طلب جماعة من أصحابه أن يتقرّب إلى الأشراف؛ من خلال إغداقهم بالمال؛ حتى تستقرَّ الأمور بيده، فإن تحقّق ما يريد، عاد إلى العدل في القسمة بين الرعيّة، إلّا أنّه رفض ذلك، وقال: “أَتَأْمُرُوْنِيْ أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالجَوْرِ فِيْمَنْ وَلّيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الاسْلاَمِ وَاللهِ لاَ أَفْعَلُ ذَلكَ لَوْ كَانَ هَذَا المالُ لِيْ لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُم فِيْهِ كَيْفَ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُهُم”.
- سأله أخوه عقيل أن يعطيه شيئاً من بيت مال المسلمين، فطلب إليه عليّ -رضي الله عنه- أن يلتقيا في المسجد يوم الجمعة، وعندما اجتمع الناس، وامتلأ المسجد بهم، قال -رضي الله عنه-: “مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ خَانَ هَؤُلاءِ، فَقَالَ أَقُوْلُ إِنَّهُ رَجُلُ سُوْءٍ، فَقَالَ إنَّكَ سَأَلْتَنِيْ أَنْ أَخُونَهم”.
- واعتمد عليّ -رضي الله عنه- على مبدأ المساواة في دولته؛ فهو أحد المبادئ العامّة التي حثّ الإسلام عليها، إذ قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ)[١٣]، فكان -رضي الله عنه- يُقسّم المال الوارد إلى خزينة الدولة مباشرة بالتساوي بين الناس؛ فلا يأخذ منه شيئا لنفسه إلّا مثلما أخذه غيره من الناس، وورد عنه أنّه أعطى امرأتَين الطعام والدراهم بالتساوي بينهما دون النظر إلى أصليهما، فاحتجّت إحداهما على ذلك؛ كونها من العرب، والثانية من العجم، فقال: “إنّي والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق”.[١٤]
المراجع
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 498، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “خلافة علي بن ابي طالب”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2020. بتصرّف.
- ↑ أ.د. محمد طقوش (17-9-2017)، “تولي علي بن أبي طالب الخلافة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-6-2020. بتصرّف.
- ↑ محمد طقوش (1432ه – 2011م)، تاريخ الخلفاء الراشدين (الطبعة الثانية)، بيروت: دار النفائس، صفحة 442-443. بتصرّف.
- ↑ “علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين”، <www.islamweb.net، 2-1-2012، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2020. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي (1425ه – 2004م)، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الشارقة: دار مكتبة الصحابة، صفحة 298-303، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية: 38.
- ↑ فاطمة عبد القادر (2017م)، السياسة المالية للإمام علي بن أبي طالب، صفحة 14. بتصرّف.
- ↑ محمد المبارك، “الإنجازات التنموية الرائدة في عصر الخلافة الراشدة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2020. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي (1425ه – 2004م)، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الشارقة: دار مكتبة الصحابة، صفحة 331-332، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي (1425ه – 2004م)، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الشارقة: دار مكتبة الصحابة، صفحة 303، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز السلمان (1424ه)، موارد الظمآن لدروس الزمان (الطبعة الثلاثون)، صفحة 35-36، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 13.
- ↑ علي الصلابي (1425ه – 2004م)، أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الشارقة: دار مكتبة الصحابة ، صفحة 305-306، جزء 1. بتصرّف.