جدول المحتويات:
تأثير الذنوب على الفرد المسلم
إن للذنوب والمعاصي آثاراً وخيمة على المسلم في حياته الدنيا والآخرة، بل وحتى على صحته وجسده. وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- أن للمعاصي تبعات عظيمة تعود على المرء، منها ضياع العلم والرزق. فالعلم نور يضعه الله في قلب عبده، والمعصية تطفئ هذا النور أينما حلت. أما بالنسبة لفقدان الرزق، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
“إنَّ الرَّجُلَ لَيُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ الَّذي يُصيبُه”
كذلك، من نتائج ارتكاب المعاصي أنها تخلق وحشةً بين العبد وربه، وتوسع الفجوة بينهما، حتى أنها تؤثر سلباً على علاقته بالناس من حوله. وقد قال أحد الصالحين: “إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي”. فالعاصي يعرض نفسه للصعوبات في أموره وقضاء حاجاته، فالله سبحانه وتعالى وعد المتقين باليسر وتيسير الأمور، وعلى النقيض من ذلك، يجد البعيد عن الله العسر في كل شؤونه.
من بين الآثار السلبية للذنوب على الإنسان أنها قد تحرمه من أداء الطاعات وتبعده عنها. فمع تكرار الذنوب وارتكاب المحرمات، يصبح المرء كسولاً عن أداء العبادات، فاقداً الحماس لها. والأخطر من ذلك، أن المعصية قد تجر معها أخوات لها، فتتوالى الذنوب على الشخص حتى تكاد تهلكه من كثرتها، ثم تضعف إرادته وييأس من التوبة والرجوع إلى الله بعد ذلك. فالقلب يقسو إذا تراكمت عليه الذنوب. فإذا غفل الإنسان عن ذكر الله واتبع هواه فترة من الزمن، فإنه يعرض نفسه لغشاوة القلب والصدأ عليه، حتى يصبح هذا الأمر عادة لديه. وحينئذ قد تغلبه الانتكاسة والتراجع حتى يسيطر عليه الشيطان ويسيره كيفما يشاء، وكل ذلك من شؤم أول معصية وإن استهان بها الإنسان.
خطر الاستخفاف بالذنوب
إن استهانة الشخص بالمعاصي والذنوب وتصغير شأنها هو من عمل الشيطان وتزيينه للعبد. فهو يظل يوسوس للإنسان بأن أعماله عظيمة، وأن قيامه بواجباته جيد، ويستحق أن يتقبل الله عمله وينجو من نار جهنم يوم القيامة. ويستمر الشيطان في تزيين أفعال العبد الحسنة، وتقليل شأن سيئاته مقارنة بأقرانه أو أصحابه ممن يتهاونون بالمحرمات، حتى يقتنع الإنسان ويطمئن إلى أن ما يفعله من ذنوب لا يكاد يذكر، وأنها صغيرة لا تستدعي التوبة ولا القلق من كثرتها أو زيادتها يوماً بعد يوم.
لقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشد التحذير من الاستهانة بالذنوب وتصغيرها، لما في ذلك من سوء العاقبة، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
“إياكمْ ومحقراتِ الذنوبِ، فإنَّما مثلُ محقراتِ الذنوبِ كمثلِ قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعودٍ، و جاءَ ذا بعودٍ، حتى حملوا ما أنضجُوا به خبزَهم، و إنَّ محقراتِ الذنوبِ متى يؤخذُ بها صاحبُها تهلكُه”
فالذنوب إذا أتاها الإنسان مستحقراً إياها ومتهاوناً بها، فجعل معصية في اليد وأخرى في اللسان، وثالثة في العين؛ فإن كل هذه المعاصي ستتراكم عليه، وحينئذ لن تبقى صغائر بل ستكون وبالاً عليه، وتهلكه كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المسلم الذي يحب الله تعالى ويسعى لرضاه، يدرك قيمة الذنب مهما صغر، ويعلم أنه عظيم في حق الله تعالى، فيخافه ويسعى للتوبة منه في أقرب فرصة، مع النية على عدم العودة إليه في أي حال. وقد وصف عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حال المؤمن الحق إن وقع في معصية بقوله:
“إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فقال به هكذا وجعل يده على أنفه”
وهذا يدل على أن المؤمن قد يرتكب الذنب لكنه يخافه ويستغفر منه ويتوب، ولا يكرره ويستحقره، بل يراه عظيماً سيئاً يخاف أن ينقلب عليه فيهلكه.
وسائل تساعد على اجتناب المعاصي
هناك العديد من الأمور التي إذا استوعبها المسلم كانت سبباً معيناً له على ترك المعاصي والآثام واستقباحها، ومن هذه الأمور:
- الحياء من الله تعالى: إذا استشعر المسلم أن الله تعالى يراه وهو ملازم له طوال وقته، فإنه يستحيي من تصرفاته ولا يحب أن يرى الله تعالى منه إلا خيراً، فيكون ذلك سبباً في ترك المعصية والابتعاد عنها.
- مراعاة نعم الله تعالى واستشعارها: فإذا أدرك المسلم حاله المتقلب بالنعم ليل نهار، فإنه سيفضل اجتناب المعاصي؛ لأنها سبب في حرمانه من هذه النعم، فالله تعالى جعل الشكر مفتاحاً لحفظ النعم، وكفرانها وكثرة جحودها سبب لزوالها.
- الخوف من الله تعالى وعقابه: إذا لم يكن الحياء محركاً للنفس لترك شهواتها فإنه قد يردعها عن الإثم الخوف من العقاب والعذاب، لذلك كان العلماء أعلى الناس درجات عند الله تعالى؛ لأنهم عرفوه فخافوا عذابه جل وعلا.
- محبة الله تعالى: وهي من أعظم الأمور الجالبة لطاعته والابتعاد عن نواهيه، فالمؤمن الحق محب لربه -عز وجل- وراغب في طاعته ورضوانه، منته عن أي إثم قد يوصله إلى سخط ربه تعالى.
- الإحساس الداخلي بعلو قدر النفس وشرفها: وحميتها وغيرتها عن الوقوع في الإثم، فإذا استشعر الإنسان غيرته على نفسه، وأنفته من أن يأتي العمل المستقبح، فإنه سينأى بنفسه عن الوقوع في الحرمات لأجل ذلك.
- يقين العبد بأن ما حرمه الله تعالى لم يحرمه إلا لقبحه وسوئه: فإنه إن أيقن بقبح المعصية وشناعتها، واستحيى أن يأتيها أمام الناس، فإنه سيقلع عنها ترفعاً وبغضاً لها.
المراجع
- رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن ثوبان، الصفحة أو الرقم: 872 ، صحيح.
- موقع إسلام سؤال وجواب: islamqa.info
- موقع الألوكة: alukah.net
- رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 2901 ، صحيح.
- موقع طريق الإسلام: ar.islamway.net