افتتاحية الخطبة
الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونطلب هدايته، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه. صاحب الخلق العظيم الذي وصفه ربنا بقوله:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). [القلم: 4]
التذكير بتقوى الله
أوصيكم إخوة الإيمان ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي خير زاد ليوم المعاد. وأذكركم بلزوم طاعته واجتناب نواهيه، وأحثكم على الإخلاص له في السر والعلن. قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). [آل عمران: 102]
القسم الأول من الخطبة
يا عباد الله، إن الأخلاق هي الركيزة الأساسية في بناء الأمم وازدهارها، وهي صمام الأمان الذي يحفظ المجتمعات من السقوط والهلاك. التاريخ يشهد على أن الأمم التي تخلت عن أخلاقها وقيمها، انتهت إلى زوال واندثار. وقد جاء الإسلام ليرسي دعائم مجتمع فاضل متماسك، ينعم بالاستقرار والتقدم.
هذا الهدف السامي لا يتحقق إلا بالتزام الأفراد والجماعات بالأخلاق الحميدة، ولهذا كان من أهم مقاصد بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إتمام مكارم الأخلاق، وإكمال ما كان عند العرب من محاسن وفضائل. قال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ). [رواه البخاري في الأدب المفرد]
أيها المسلمون، إن مجتمعاتنا اليوم تعاني من آفة خطيرة، تهدد كيانها وتدفع بها نحو الهاوية، ألا وهي التدهور القيمي والانحراف الأخلاقي الذي استشرى بيننا نتيجة للإعراض عن تعاليم الإسلام، والإبتعاد عن الفطرة السليمة، واتباع الشهوات والأهواء التي سيطرت على النفوس.
فانتشر الظلم والكذب والغش والخداع والنميمة وغيرها من الصفات المذمومة. والسبب الرئيسي وراء هذا التدهور هو البعد عن الله تعالى، وعدم تطبيق شرعه الذي هو أساس كل خلق حسن. فبالتخلي عنه تنتشر الصفات السيئة. لهذا قال -عليه الصلاة والسلام-:(إنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا). [رواه الترمذي]
إن بداية الانحراف غالباً ما تكون من داخل الأسرة. فإذا لم يحسن الزوجان اختيار بعضهما على أساس الدين والخلق، وإذا لم يكن الهدف من الزواج بناء أسرة صالحة وتربية جيل واعٍ ملتزم بالأخلاق الفاضلة، فإن ذلك يؤدي إلى انحراف الأبناء عن الطريق المستقيم.
كما أن غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة القدوة الحسنة، كلها عوامل تساهم في تفشي التدهور الأخلاقي. والأصل أن الأخلاق الحسنة هي جزء لا يتجزأ من هوية المسلم. فالعبادات نفسها جاءت لتعزيز القيم والأخلاق في نفس المسلم، كما قال تعالى عن الصلاة:
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ). [العنكبوت: 45]
إن الحفاظ على الأخلاق يعود بالخير على الفرد والمجتمع، فبالالتزام بها يعيش المجتمع في تعاون وتراحم، وتتوثق العلاقات بين أفراده. فالأخلاق تحفظ النظام الاجتماعي للمجتمع، وفي المقابل فإن التدهور الأخلاقي ينذر بفساد المجتمع وإشاعة المشاكل بين أفراده، مما يقلق سلم المجتمع ونظامه.
أوصيكم ونفسي بالحرص على التحلي بالأخلاق الحسنة في جميع معاملاتنا، داخل بيوتنا وخارجها، وأحثكم على الاهتمام بأبنائكم ومن تعولون، وغرس القيم النبيلة في نفوسهم، وتقديم النصح والإرشاد لهم، وحمايتهم من كل ما يفسد أخلاقهم وقيمهم.
القسم الثاني من الخطبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المؤمنون، إن النصوص الشرعية التي تحث على الأخلاق الكريمة أكثر من أن تحصى. فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالتمسك بالصفات الحميدة، وتنهى عن الصفات الذميمة، من ذلك قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ). [الحجرات: 11-12]
وامتلأت السنة النبوية الشريفة بالأحاديث التي تحث على محاسن الأخلاق، وتبين فضلها وثوابها العظيم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ). [رواه أبو داود]
وهذا يدل على مكانة الأخلاق في حياة المسلم وفي المجتمعات بأكملها. نسأل الله أن يجعلنا من أصحاب الأخلاق الحسنة.
الدعاء
إخوتي في الله، أرفع يديّ بالدعاء، فأمّنوا:
اللهم حسّن أخلاقنا، وهذّب سلوكنا، وجمّلنا بالتقوى. اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها. اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار. اللهم احفظ المسلمين والمسلمات من الزلّات، وجنّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله، (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ). [النحل: 90]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- كتب الحديث الشريف (البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود)