مقدمة
خشية الله – سبحانه وتعالى – هي أساس الدين، وهي المحرك الأساسي لفعل الخيرات واجتناب الشرور. إنها ليست مجرد شعور عابر، بل هي حالة قلبية راسخة تؤثر على سلوك الإنسان وأقواله وأفعاله، سواء كان ذلك في الخفاء أو العلن. هذه المقالة تسعى إلى توضيح مفهوم خشية الله في السر والعلن، وكيفية تحقيقها، وما هي الثمرات التي يجنيها المؤمن من خلالها.
فهم خشية الله الظاهرة والباطنة
تعني خشية الله – عز وجل – أن يلتزم العبد بأوامر الله ويجتنب نواهيه، بدافع الخوف من عقابه والطمع في رحمته ورضوانه. إنها ليست مجرد طاعة شكلية، بل هي استشعار دائم لعظمة الله وقدرته، وإخلاص النية له في كل عمل. يجب أن تكون خشية الله متساوية في السر والعلن، فلا يرتكب العبد المعاصي في الخفاء معتقداً أنها ستمر دون حساب، بل يجب أن يعلم أن الله يراه في كل مكان وزمان.
إن الفرق بين خشية الله في العلن والخشية في السر هو مقياس حقيقي لإيمان العبد. فالكثيرون قد يظهرون التدين والورع أمام الناس، ولكنهم في الخفاء يرتكبون ما حرم الله. أما المؤمن الحقيقي فهو الذي يخشى الله في كل حال، سواء كان وحده أو بين الناس.
طرق تحقيق خشية الله في السر والعلن
تحقيق خشية الله في السر والعلن يتطلب جهداً مستمراً ومراقبة دقيقة للنفس. هناك العديد من الطرق التي يمكن للمسلم اتباعها لتعزيز هذه الخشية في قلبه وسلوكه، ومن أهمها:
- الإكثار من ذكر الله والدعاء: إن ذكر الله والدعاء يقويان الإيمان في القلب، ويذكران العبد بعظمة الله وقدرته.
- الإحسان في العبادات والمعاملات: الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. والإحسان في المعاملات هو أن تعامل الناس بالعدل والإنصاف والرحمة.
- الدعوة إلى الله والتواصي بالحق: الدعوة إلى الله هي من أعظم الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه. والتواصي بالحق هو تذكير الناس بأوامر الله ونواهيه.
- الابتعاد عن المعاصي والفتن: المعاصي تضعف الإيمان وتقسي القلب. والفتن تضل العبد عن طريق الحق.
- الخلوة بالله وتلاوة القرآن: الخلوة بالله هي فرصة للتفكر في عظمة الله وقدرته. وتلاوة القرآن هي غذاء للروح ودواء للقلب.
-
الصيام: يعتبر الصيام من الوسائل التي تساعد على تحقيق التقوى في القلب، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
جزاءات خشية الله في الخفاء والعلن
خشية الله في السر والعلن لها ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة. فالمؤمن الذي يخشى الله في كل حال يحظى برضا الله وتوفيقه، وينال السعادة والنجاح في الدنيا، والفوز بالجنة والنعيم المقيم في الآخرة. ومن أهم هذه الثمرات:
-
الانتفاع بالقرآن الكريم: القرآن هو نور وهدى للمتقين، ومن يخشى الله ينتفع به ويهتدي بهديه، كما قال -تعالى-:
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2].
-
معية الله: الله مع المتقين يؤيدهم وينصرهم ويسددهم، كما قال -تعالى-:
(وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 194].
-
المنزلة الرفيعة يوم القيامة: المتقون هم أعلى الناس منزلة يوم القيامة، كما قال -تعالى-:
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة: 212].
-
التوفيق للعلم النافع: الله يعلم المتقين العلم النافع ويرفعهم به درجات، كما قال -تعالى-:
(وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 282].
-
الفوز بالجنة: الجنة هي ميراث المتقين، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، كما قال -تعالى-:
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ) [النحل: 31].
المراجع
- أبعمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (2012)،التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها(الطبعة 1)، الأردن:دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 10، جزء 1.
- سعيد بن على بن وهف القحطاني،عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة، الرياض:مطبعة سفير، صفحة 206 – 207، جزء 1.
- خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي،الصوم جنة، صفحة 111، جزء 1.
- سعيد بن علي بن وهف القحطاني،نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 20 – 22.