خراسان في الحقبة الأموية: نظرة شاملة

بداية دخول الإسلام إلى خراسان وانعكاساته

بدأت حملات الفتح في خراسان في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستمرت خلال العصر الأموي.1 اعتنق أغلب سكان خراسان الإسلام عن طيب خاطر، بعد أن كانت خراسان جزءًا من مدن فارس. تولى الأمويون وولاة الأمور التابعين لهم مسؤولية حماية خراسان من الهجمات الشرقية، مما ساهم في تعزيز مكانة الإسلام فيها وانتشار اللغة العربية والقرآن الكريم.

حدث تمازج بين سكان خراسان والقبائل العربية التي استوطنت المنطقة، مما أدى إلى مصاهرات وظهور جيل جديد برز منه علماء نبهاء. حرص الخلفاء على تنشيط الحياة الاقتصادية في خراسان من خلال إصلاح الأراضي وبناء الخانات وتشجيع التجارة. وهكذا، انضمت ولاية جديدة إلى حظيرة الإسلام، شهدت تحسنًا في مستوى المعيشة، وكانت الأموال الفائضة عن حاجة الولاية تُرسل إلى بيت مال المسلمين في دمشق.2

قال الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ” (سورة آل عمران، الآية 19).

توزع القبائل العربية في خراسان

شكلت القبائل العربية العمود الفقري لجيوش الفتح، حيث كان المشاركون في هذه الفتوحات ينتمون إلى قبائل عربية مختلفة خرجت للجهاد. بعد الفتح، استقرت هذه القبائل في مناطق متفرقة من خراسان، وكانت من قبائل عربية مضرية وقحطانية. انتشرت هذه القبائل في مختلف التضاريس وساهمت في نشر اللغة العربية والشريعة الإسلامية في المنطقة.

غالبية القبائل العربية التي شاركت في الفتح كانت من سكان البصرة. بعد دخولهم خراسان، اتبعوا التقسيم الإداري الذي كان معمولًا به في البصرة والذي وضعه زياد بن أبيه، حيث قسم القبائل العربية إلى أخماس، يتكون كل خمس من قبيلة أو عدة قبائل، يرأسهم شخص من أشرافهم تعينه الدولة ويتمتع بصلاحيات واسعة بناءً على مكانته السياسية والاجتماعية.

ومع ذلك، كانت أخماس خراسان ذات طابع عسكري أكثر من كونه سكنيًا، وكانت تتمركز في أماكن متفرقة ولا تخضع لأوامر قائدها، ولا تلتزم بطاعته، مما ساهم في عودة النزعات القبلية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي، بل وازدادت حدتها. والجيش الذي قضى على الدولة الأموية انطلق من خراسان نتيجة لذلك.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” (صحيح مسلم).

ظهور النزعات القبلية في خراسان

تسللت النزعات القبلية إلى خراسان منذ اللحظات الأولى، حيث كانت القبائل ترى أن الأمراء الفاتحين يفضلون أقوامهم بالعطايا، مما أدى إلى نشوب معارك حامية لم تهدأ حدتها، وعادت فيها العصبية الجاهلية منذ وفاة يزيد. دارت هذه المعارك بين المضرية واليمنية، وتمكن عبد الله بن خازم السلمي القيسي من توحيد الكلمة، ثم دخل بعد ذلك تحت حكم الزبير.

بعد وفاته، عادت خراسان إلى طاعة بني أمية، وعندما تولى الحجاج الولاية، عين المهلب بن أبي صفرة، وهو من قبائل الأزد اليمنية، مما أعاد النفوذ إلى القبائل اليمنية. ثم ولى بعد ذلك قتيبة بن مسلم الباهلي، فعاد النفوذ إلى القبائل المضرية، التي ثارت على الحجاج، ولكن مضر تخلت عنه وكذلك تخلت عنه قيس، إلا قلة من قبيلته، فتمكن الحجاج من القضاء عليه.

وهكذا، تعاقب الأمراء على خراسان، منهم من كانت عصبيته أزدية يمنية، ومنهم من كانت عصبيته قيسية مضرية. استمرت الحروب بينهم، لا تهدأ إلا في لحظات الفتح ثم تعود لتظهر من جديد، حتى خرج أبو مسلم الخراساني الذي قاد جيشه للقضاء على دولة بني أمية من خراسان.

المصادر

  1. محي هلال السرحان، خراسان التاريخية، صفحة 8-10. بتصرف.
  2. أبناهد حسين، خراسان في العصر الأموي، صفحة 165-169. بتصرف.
  3. أبتناهد حسين، خراسان في العصر الأموي، صفحة 171-173. بتصرف.
  4. أبتشوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 2-161-164. بتصرف.
Exit mobile version