المحتويات
نظرة الإسلام في إعانة الوالدين غير المسلمين
حثّ الدين الإسلامي الحنيف على الإحسان للوالدين وبرّهما وطاعتهما في كل ما لا يخالف أوامر الله تعالى. وقد ورد في القرآن الكريم:
“(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)” [لقمان: 15].
ولكي تكون النفقة واجبة على الأبناء تجاه آبائهم، يجب توافر الشروط التالية:
- أن يكون الوالدان فقيرين، لا يملكان مالًا ولا مصدر رزق يكفيهم.
- أن يكون الابن ممتلكًا مالًا زائدًا عن حاجته وحاجة من يعول، سواء كان هذا المال مكتسبًا أو موروثًا.
اختلف العلماء في حكم الإنفاق على الوالدين اللذين لا يدينان بالإسلام. ويمكن تلخيص هذه الآراء في الآتي:
- الرأي الأول: ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية، وقول للإمام أحمد وابن القيم إلى وجوب الإنفاق على الوالدين غير المسلمين. واستدلوا على ذلك بما يلي:
- عموم الأدلة التي تأمر بصلة الأرحام، مثل قوله تعالى: “(وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)” [النساء: 1].
- تأكيد ابن القيم على أهمية صلة الرحم، حتى وإن كان الطرف الآخر غير مسلم، حيث قال: “وليس من صلة الرحم ترك القرابة تهلك جوعاً وعطشاً وعرياً، وقريبه من أعظم الناس مالاً، وصلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر، فله دينه وللواصل دينه”.
- أولوية الوالدين في القرابة على غيرهم.
- الرأي الثاني: ورد عن الإمام أحمد رأي آخر يفيد بعدم وجوب النفقة على الوالدين المشركين. واستدلوا على ذلك بما يلي:
- قوله تعالى: “(وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك)” [البقرة: 233]، حيث أن الله خصّ نفقة الولد على الوارث، ولا ميراث بين المسلم والكافر.
- عدم وجود صلة بين المسلمين والكفار. ولكن تم الرد على هذا بأن الصلة المنفية هي النصرة والموالاة، وليست الصلة المتعلقة بالإحسان والمعاملة الطيبة.
الفروقات الجوهرية بين الإعالة والإرث
أشار بعض الفقهاء إلى أن اشتراط اتحاد الدين في الميراث بين الابن وأبيه لا يستلزم اشتراطه في النفقة، وذلك بسبب الاختلاف في الهدف من كل منهما. ويوضح ابن القيم هذا الأمر قائلًا: “وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد فإن الميراث مبناه على النصرة، والموالاة بخلاف النفقة فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة، وقد جعل الله للقرابة حقاً -وإن كانت كافرة- فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا”.
وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الإحسان إلى آبائهم غير المسلمين، ومن ذلك قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، حيث سألت النبي صلى الله عليه وسلم:
“قدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي مُشركةٌ في عهدِ قُرَيشٍ إذ عاهدوا، فأتيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمِّي قَدِمَتْ وهي راغبةٌ، أفأَصِلُها؟ قال: نعم، صِلِي أمَّكِ” [رواه البخاري].
حكم السماح بالوصية للأقارب من غير المسلمين
أباح الإسلام الوصية بجزء من المال للوالدين غير المسلمين، لأنهما لا يرثان الابن المسلم عند وفاته. واستدل العلماء على ذلك بما روي عن عكرمة:
“أنَّ صفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ باعتْ حُجْرتَها مِن مُعاويةَ بمئةِ ألفٍ، وكان لها أخٌ يَهوديٌّ، فعرَضَت عليه أنْ يُسلِمَ فيَرِثَ، فأبى، فأوصَتْ له بثلُثِ المئةِ”.
فإذا جازت الوصية للأخ غير المسلم، فالأولى أن تجوز للوالدين. والله أعلم.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ابن ضويان، منار السبيل، صفحة 2-305.
- هو شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، صفحة 5-183.
- ابن القيم، أحكام أهل الذمة، صفحة 2-791.
- رواه البخاري، في الجامع الصحيح المسند، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:2620.
- اللجنة العلمية، “الوصية للذمي”، الدرر السنية.