مدخل إلى عالم العشق
العشق هو منزلة سامية من منازل المحبة، يمثل قمة التعلق بالمحبوب، وهو شعور جارف يدفع المرء إلى التفاني والإخلاص. لطالما ألهم العشق الشعراء والأدباء على مر العصور، فسطروا أروع الكلمات والعبارات في وصف هذا الشعور العميق.
تبادل الأفكار بين قلبين مُتيمين
في ليلةٍ هادئة، بينما كانت العاشقة تتأمل نور القمر، تلقت اتصالاً هاتفياً من حبيبها، فبادرت بالقول:
العاشقة: يا مرحباً بجمال هذه الأمسية، ويا جسراً يربطني بأحبابي وعالمي الآخر.
العاشق: أهلاً بمن تضيء سحر هذا المساء وكل مساء.
العاشقة: مرحباً يا صديق الليل، يا صوت القلب، يا عطر الروح، يا عبق الريح المحملة بأغلى الناس.
العاشق: متى يأتي الليل الذي يجمعنا لقاء؟
العاشقة: لذلك نحن والليل على ميعاد، وأنت قدري المرسوم.
العاشق: ما أروع هذا الكلام!
العاشقة: إنها لغة القلب وصدى الحب في أعماقنا.
العاشق: إنه حيٌ دائماً بداخلنا.
العاشقة: أجل، ولكنه يشعر بالضياع أحياناً بسبب البعد.
العاشق: أخشى أن يجف قلبي، فضميني إليكِ لأرتوي يا سيدة الغيم.
العاشقة: ليتني أستطيع، فالغيوم لا تستقر، وأخاف أن أسافر بك بعيداً ولا أستطيع إعادتك إلى حيث بدأنا.
العاشق: إذاً خذيني معك أينما ذهبتِ، فالبداية والنهاية أنتِ، ومعكِ لن أندم أبداً.
العاشقة: أنت معي في أحلامي دائماً، ولكن الوعود هي كل ما أملك لأضمد بها جراح قلبك وقلبي، وإلا سأفنى بداخلك، لأنك إن لمست خيالي ستحترق، وأنا أخشى عليك مني.
العاشق: فليحرقني حبك يا سيدة النار.
العاشقة: أحبك كثيراً.
العاشق: وأنا أحبك أكثر، وسأحبك نيابة عن كل المخلوقات والبشر.
العاشقة: ليتني أكون ريحاً تأخذني معك حيث تذهب، أو قطرة مطر تلتصق بك أينما كنت.
العاشق: أنتِ وهمي وحقيقتي.
العاشقة: أنا كحورية البحر، أختفي مع بداية النهار، قبل أن يكشف الصباح أسطورتي.
العاشق: لو تعلمين كم أحبكِ، ألم يحن الوقت لنسقي عطش الشوق؟
العاشقة: الحياة بطيئة دائماً.
العاشق: ألا نستطيع تسريع عجلة الحياة قليلاً؟
العاشقة: أبقيك دائماً في خيالي، أتعلم لماذا؟ لأحافظ على حلمنا نقياً.
العاشق: أنتِ تسكنينني دائماً، وتسكنين أحلامي التي تكبر داخلي كل يوم، أنتِ الجسور التي أنتظرها لتفتح أبوابها لي كلما حل الظلام لتصلني بكِ، الحلم، ولا شيء غير الحلم أستطيع أن أمتلككِ من خلاله.
العاشقة: فلنحلم إذاً قدر ما استطعنا.
العاشق: ما زال أمامنا الكثير لنعيشه.
العاشقة: كيف ونحن نحلم فقط ونسعى وراء وهم؟
العاشق: أنتِ جوهرة ثمينة أريد الاحتفاظ بها في السماء بصورتها الأولى، وأظل أنظر إليها وأراقب نورها.
العاشقة: آه يا فارسي الذي يصهل بجواده في أرجاء روحي، ويوقظ كل أشواقي، سأبقى في انتظارك.
قصيدة في لقاء الأحبة
قصيدة “ولما تلاقينا” للشاعر قيس بن الملوح تعبر عن حوار دار بينه وبين حبيبته حين التقى بها بعد عودته من سفر، وكان من عادة الفتيات أن يخضبن -يُحنّين- أكفّهن حين يُخطبن، فسألها عن اللون الأحمر في يديها، وردّت عليه بأنّ هذا لون الدّم الذي سال من أصابعها إثر بكائها عليه وكثرة مسح دموعها بأصابعها، وكتب الشاعر الحوار بينهما على شكل قصيدة كالآتي:
ولما تلاقينا على سفح رامة
وجدتُ بنان العامرية أحمرا
فقلت خضبت الكف بعد فراقنا؟
فقالت معاذ الله ذلك ما جرى
ولكنني لما رأيتك راحلاً
بكيت دماً حتى بللت به الثرى
مسحت بأطراف البنان مدامعي
فصار خضاباً بالأكف كما ترى
انعكاسات حول جوهر العشق
كتب الرافعي كتاباً بعنوان “أوراق الورد رسائله ورسائلها” ليعبر فيه عن مشاعره تجاه معشوقته، وفيما يلي بعض هذه التأملات:
قد يكون في الدّنيا ما يغني الواحد من النّاس عن أهل الأرض كافّة، ولكنّ الدنيا بما وسعت لا يمكن أبداً أن تغني مُحباً عن الواحد الذي أحبّه! هذا الواحد له حسابٌ عجيبٌ غير حساب العقل، فإنّ الواحد في الحساب العقليّ هو أوّل العدد، وأمّا في الحساب القلبيّ فهو أوّل العدد وآخره.
فإن كل لذة الحُب وإن أروع ما في سحره أنه لا يدعنا نحيا فيما حولنا من العالم، بل في شخص جميل ليس فيه إلا معاني أنفسنا الجميلة وحدها، ثم يصلنا العشق من جمال الحبيب بجمال الكون، وينشئ لنا في هذا العمر الإنساني المحدود ساعات إلهية خالدة، تشعر المحب أن في نفسه القوة المالئة هذا الكون على سعته.
أنت لم تكن تهتم بي وأنا لم أكن أهتم بك، ولكن علام تشلّ أوصال روحي للدنوّ من مكان حللته؟ وعلام اضطرابك وارتعاش يديك إذ تلمح خيالي عن بعد؟ أنت لم تكن تنظر إليّ، وأنا لم أكن أنظر إليك، ولكن لماذا كانت تتبلبل خواطري، وأهرب عند قدومك؟ وأنت إن لم تستطع السكوت فلماذا يخرج صوتك متقطعاً متهدّجاً كأنك تجاهد لتقهر تأثراً ما؟ أنت لم تكن تفكر فيّ، وأنا لم أكن أفكر فيك، ولكن لماذا كنتُ أحيد عن طريقك لئلا ألتقي بك، وأنا التي أودّ أن أبحث عنك في كل مكان؟ ولماذا كنتَ تتقن خطواتك إذ تعلم أني أراقبها؟ وتنغّم نبرات صوتك وتنوّعها إذ تعلم أنها واصلة إليّ؟ أنت لم تكن لي شيئاً، وأنا لم أكن لك شيئًا ولكن وجوه القائمين حولك كنت أراها متألقة بنورك، وأنتَ كانت تدهشك كل حركة مني كأنها لم يأتها قبلي إنسان!