جوهر الحديث في الإيجاز والإفادة

استكشاف قيمة الإيجاز في الكلام، والعوامل التي تؤثر على تطبيق هذه الحكمة، وقصة توضيحية، بالإضافة إلى أقوال مأثورة مشابهة.

مقدمة

قيمة الكلام تكمن في معناه العميق وتأثيره البالغ، لا في طوله وامتداده. فـ”خير الكلام ما قل ودل” هي حكمة خالدة، تعكس أهمية الإيجاز والاختصار في التعبير عن الأفكار والمفاهيم. هذه القاعدة الذهبية تشبه إلى حد كبير المثل القائل “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، حيث أن كلا المثلين يشيران إلى أن الإسهاب والإطالة في الحديث قد يكونان غير مجديين، وأن الكلمات القليلة المعبرة قد تكون أكثر قيمة وأعمق أثراً.

لطالما استخدمت هذه الحكمة في توجيه النصائح للأبناء وتعليمهم فنون الحديث والإلقاء، وكيفية اختيار الكلمات المناسبة التي تعبر عن المقصود بأقل عدد ممكن من العبارات.

ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الحكمة في واقعنا المعاصر قد يواجه بعض التحديات، حيث نجد أن الكثيرين يميلون إلى الإسهاب في الحديث والتعبير عن آرائهم ومشاعرهم بشكل مطول، دون مراعاة لأهمية الإيجاز والاختصار.

كيفية تطبيق قاعدة الإيجاز في الحديث

لكي نتمكن من تطبيق قاعدة “خير الكلام ما قل ودل” في حياتنا اليومية، يجب علينا أن ندرك أهمية اختيار الكلمات المناسبة التي تعبر عن المقصود بأقل عدد ممكن من العبارات. يجب علينا أيضاً أن نتدرب على فن الاستماع والإنصات للآخرين، وأن نتعلم كيف نفهم مقاصدهم وأفكارهم دون الحاجة إلى الإسهاب في الحديث.

بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نكون على دراية بحدودنا وحدود الآخرين، وأن نحترم خصوصياتهم ومشاعرهم، وأن نتجنب الخوض في التفاصيل غير الضرورية التي قد تزعجهم أو تضايقهم. فالإيجاز في الكلام لا يعني بالضرورة الاختصار المخل بالمعنى، بل يعني التعبير عن المقصود بوضوح ودقة، دون الإسهاب في التفاصيل غير الضرورية.

العوائق التي تحول دون تطبيق الإيجاز في الكلام

هناك العديد من العوامل التي قد تحد من قدرتنا على تطبيق قاعدة “خير الكلام ما قل ودل” في حياتنا اليومية. من بين هذه العوامل:

  • انتشار التكنولوجيا الحديثة: فقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني ومواقع الدردشة إلى زيادة التواصل بين الناس، ولكنها في الوقت نفسه قد ساهمت في الإسهاب في الحديث والخوض في التفاصيل غير الضرورية.
  • تراجع الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية المباشرة: فقد أدى الانشغال بالتكنولوجيا الحديثة إلى تراجع الاهتمام بلقاءات الأصدقاء والأحباب والجيران، مما أثر سلباً على قدرتنا على التواصل والتعبير عن أنفسنا بشكل فعال وموجز.

حكاية قصيرة تجسد قيمة الإيجاز

تحكي جدتي، رحمها الله، قصة قصيرة توضح قيمة الإيجاز في الكلام، فتقول: “إذا أردتِ أن تتحدثي، فلتزني كلامكِ بميزان، فإن كان ثقيلاً ذا قيمة فتحدثي به، وإن كان ركيكاً لا معنى له، فاتركيه فإنه لا فائدة منه”.

هذه القصة تعكس أهمية التفكير قبل التحدث، وأن نختار الكلمات المناسبة التي تعبر عن المقصود بوضوح ودقة، دون الإسهاب في التفاصيل غير الضرورية. فالكلام يعبر عن رزانة العقل ورجاحته، ويجب علينا أن نوظف الكلام الطيب في الجمل المنتقاة، لأن “الكلمة الطيبة صدقة”، وتؤثر على صاحبها وعلى الآخرين.

أقوال مأثورة ذات صلة

هناك العديد من الأقوال والحكم والأمثال التي تحمل في طياتها معاني ومفاهيم مماثلة لقاعدة “خير الكلام ما قل ودل”، ومن بينها:

  • لا توجه عينك على الناس دائمًا فإن سقطت عيونهم عليك فلن تحميك.
  • صمتك حجر بناء فهمك، ومن لا يفهمك بصمتك لا يستحق كلامك، والعيون تتحدث بلغة أخرى.
  • أفكارك هي مستقبلك، إن حسنت حسن مستقبلك، وإن ساءت خسرت مستقبلك.
  • حياتك ملكك أنت وليست ملك الناس ليتحكمون بها.
  • لا تتكلم بظهور الناس فهناك رب كفيل بهم.
  • الدنيا فانية والآخرة باقية.
  • أعطني تجاربك أعطيك حكمتي.
  • لن يصنع أحد لك ابتسامتك قبل أن تصنعها لنفسك.
  • انظر لنفسك بمرآتك قبل أن ينظرون الناس له.
  • التفاؤل شباك للحياة والتشاؤم شباك للهلاك.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الكلمة الطيبة صدقة”

قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].

Total
0
Shares
المقال السابق

التقوى: أسمى الغايات وأفضل الذخائر

المقال التالي

أفضل الحديث أوجزه وأبانه

مقالات مشابهة