جواهر الفكر: أقوال الشاعر محمود درويش
المحتويات | |
---|---|
تأملات درويش في الحياة | |
خواطر الحب عند درويش | |
قهوة درويش: رمزية الصباح | |
الوطن في قلب درويش | |
المرأة في شعر درويش | |
الحنين عند درويش: شاعر المنفى | |
ليل درويش: أسرار الظلام |
تأملات درويش في الحياة
في رحلته الشعرية، رسم درويش لوحةً فريدةً عن الحياة، ممزوجةً بالحكمة والفلسفة. فقد عبر عن فهمه العميق لمعاني الوجود، قائلاً: “كل الذين ماتوا، نجوا من الحياة بأعجوبة”. كلمات تحمل في طياتها دلالةً على غموض الحياة وقيمة كل لحظة فيها. كما عبّر عن تجربته الشخصية قائلاً: “الحياة تعلمك الحب، التجارب تعلمك من تحب، المواقف تعلمك من يحبك”.
يُظهر درويش قوة الحياة وتغلّبها على الموت، معتبراً أن رغبتنا في العيش أقوى من الحب والموت نفسه: “قوي هو الحب كالموت، قلت: ولكن شهوتنا للحياة ولو خذلتنا البراهين أقوى من الحب والموت، فلننهِ طقس جنازتنا كي نشارك جيراننا في الغناء، الحياة بديهية وحقيقية كالهباء”. إنه يُقدّم نظرةً متفائلةً تُبرز جمال الوجود حتى في أشد ظروفه قسوةً. فهو يرى الحياة بغموضها وجمالها كـ”طائر الدوري”، مُشيداً بقدرتها على التجديد والتغيير. “وها أنا أستطيع الحياة إلى آخر الشهر .. أبذل جهدي لأكتب ما يقنع القلب بالنّبض عندي .. وما يقنع الروح بالعيش بعدي .. وفي وسع غاردينيا أن تُجدّد عمري .. وفي وسع امرأة أن تُحدد لحدي”.
خواطر الحب عند درويش
يُعرف درويش بشعره العاطفي المليء بالمشاعر الجياشة. فقد وصف الحب بأروع الكلمات، مُعبّراً عن قوّته وتأثيره في نفسه، قائلاً: “صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب حبي، يسافر في الريح، يهبط، يفرط رمانة، ثم يسقط في تيه عينين لوزيتين، ويصعد في الفجر غمازتين، وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه، صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب”. يُظهر هنا تضارب المشاعر والعواطف التي تسيطر عليه. ويُضيف درويش بصراحة أن الشاعر قد يُبالغ في وصف مشاعره في الحب، لكن هذا لا يُعدّ كذباً: “ليس على الشاعر من حرج إن كذب، وهو لا يكذب إلّا في الحب”.
يُبرز درويش غموض الحب وعدم قدرة الإنسان على التحكم فيه: “الحب يأتي دون سبب، ليس هناك قيود له، لا يأتي بمال؛ ولا يؤخذ بجمال؛ ولا يُقاس بِعُمر هو قدر”. كما يُضيف أن الحب قوة فوضوية تُسيطر على الجميع: “هو الحب، هو الفوضوي، الأناني، والسيد الواحد المتعدد .. نؤمن حينا ونكفر حينا، ولكنّه لا يبالي بنا حين يصطادنا واحدا واحدة ثم يصرعنا بيد باردة إنه قاتل وبريء”. وختاماً، يصف الحب بأنه “كذبتنا الصادقة”. “هذا هو الحب.. أني أحبك حين أموت وحين أحبك أشعر أني أموت”.
قهوة درويش: رمزية الصباح
لم تكن القهوة عند درويش مجرد مشروب، بل رمزاً للتفكر والهدوء، مُعبّراً عن ارتباطه بها بكلماتٍ رائعة: “أريد رائحة القهوة، لا أريد غير رائحة القهوة، ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة، رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدميّ، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه، لنمضي معًا، أنا وهذا النهار، إلى الشارع بحثًا عن مكانٍ آخر”. فهو يرى فيها طقساً يُجدد فيه نشاطه ويُعيد فيه اتصاله بنفسه والعالم من حولها. كما يرى في تحضير القهوة عمليةً فنيةً تُعبّر عن شخصية صاحبها: “لأنّ القهوة؛ فنجان القهوة الأول، هي مرآة اليد، واليد التي تصنع القهوة تُشيع نوعية النفس التي تحركها، وهكذا، فالقهوة هي القراءةُ العلنية لكتاب النفس المفتوح.. والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار”.
يُشدّد درويش على أهمية التأني في شرب القهوة واستمتاع بكل لحظة منها: “القهوة لا تُشرَب على عجل، القهوة أُختُ الوقت، تُحتَسى على مهل على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة”. فهي عنده فرصة للتأمل والغوص في الذكريات والأفكار. “القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات، والقهوة عادة تلازمها بعد السيجارة عادة أخرى هي الجريدة”.
الوطن في قلب درويش
يمثل الوطن محورًا أساسياً في شعر درويش، فهو لا يرى فيه مجرد أرض، بل قضية حياة ووجود. لقد عبّر عن فهمه العميق للوطن بأسلوبه الخاص، مُحدّداً مفهومه الخاص قائلاً: “تعرف ما هو الوطن ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي إنّه حياتك وقضيتك معاً”. كما أكد على الرابط بين الأرض والحق في تشكيل مفهوم الوطن، مُعبّراً عن استعداده للتضحية من أجله: “تعرف ما هو الوطن هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض”. فهو يرى أن الوطن ليس مجرد أرض بل هو الأرض والحق معاً.. الحق معك، والأرض معهم”.
على الرغم من معاناته مع قضيته الوطنية، يبقى درويش وفيّاً لوطنه، حتى ولو لم يكن دائماً على حق: “ليس وطني دائماً على حق ولكني لا أستطيع أن أمارس حقاً حقيقياً إلّا في وطني”. عبارة تُظهر عمق انتمائه وتمسّكه بأرضه وقضيته. “عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوء يا وطني”.
المرأة في شعر درويش
يُبرز درويش في شعره صورةً مُلهمةً للمرأة، لا كتجسيد جمالي فقط، بل كشريكة حياة وصاحبة دورٍ مؤثر. فهو يُنظر إليها بإعجاب واحترام، مُعبّراً عن مشاعره بأسلوبٍ رومانسيّ عميق: “لستِ حبيبتي أنتِ مشروع حبي للزمن القادم، أنت مشروع قصّتي القادمة وفرحي القادم، أنتِ مشاريع عمري”. وهو يُحدّد مفهوم الحب عنده بأنه لا يعني العزلة عن العالم، بل قبول الآخر بكل تفاصيله: “الحب هو أن لا أعزلك عن العالم الحب هو أن أتركك بالزحام وأعلم تماماً أن قلبك لي”.
يُظهر درويش تأثير المرأة في حياته، حتى في غيابها: “هي لا هي إنْ حَضرت وإن غابت، فكأن حضورها غيابي فيها وكأن غيابها حضورُ التفاصيل”. كلمات تُبرز تأثيرها العميق في نفسه وعلى حياته.
الحنين عند درويش: شاعر المنفى
شاعر المنفى، درويش، عبّر عن حنينه للوطن بأسلوبٍ فريد، مُجسّداً معاناته وأحاسيسه بصورةٍ إبداعية. فهو يُعرّف الحنين بأكثر من طريقة، مُظهراً عمق مشاعره: “الحنين مسامرة الغائب للغائب والتفات البعيد إلى البعيد”. كما يرى الحنين كـ”عطش النبع إلى حاملات الجرار، والعكس أيضاً صحيح”. وهو يُقارنه بالأمل والمغامرة: “الحنين يجر المسافة وراء، كأن التطلع إلى أمام، وقد سمي أملاً، خاطرة شعرية ومغامرة”.
يُجسّد درويش الحنين كـ”صوت الريح”، مُظهراً قوته وتأثيره على الإنسان: “الحنين هو صوت الريح: وكلما توغلت في وحدتك، كتلك الشجرة، أخذك الحنين برفق أمومي إلى بلده المصنوع من مواد شفافة هشة”. و يُضيف بأنه “يكذب ولا يتعب من الكذب لأنّه يكذب بصدق، فكذب الحنين مهنة”. ويُشبهه بـ”شاعر محبط يعيد كتابة القصيدة الواحدة مئات المرات”. “الحنين هو اختصاص الذاكرة في تجميل ما احتجب من المشهد، وترميم شباك سقط دون أن يصل سقوطه إلى الشارع”.
ليل درويش: أسرار الظلام
يُجسّد درويش الليل بأسلوبٍ شاعريّ فريد، مُظهراً أسراره وغموضه. فقد عبّر عن ارتباطه بالليل وبجماله الخاص، مُعبّراً عن تأثيره في نفسيته: “قليل من الليل قربك يكفي”. كما يُشبه حديث العشاق في الليل بحديث الناي والوتر: “تحدّث إليها كما يتحدّث نايٌ إلى وَتَرٍ خائفٍ في الكمانِ، كأنكما شاهدانِ على ما يُعِدُّ غَدٌ لكما وانتظرها، ولَمِّع لها لَيْلَها خاتماً خاتماً، وانتظرها إلى أَن يقولَ لَكَ الليلُ: لم يَبْقَ غيركُما في الوجودِ، فخُذْها، بِرِفْقٍ، إلى موتكَ المُشْتَهى وانتظرها”.
يُعبّر درويش عن شعوره بالوحدة والحنين في الليل، مُظهراً صراعاً داخلياً: “قلتُ: هل ما زلتُ موجوداً هنا؟ أَأَنا طليقٌ أَو سجينٌ دون أن أدري، وهذا البحرُ خلف السور بحري؟ قال لي: أَنتَ السجينُ، سجينُ نفسِكَ والحنينِ، ومَنْ تراهُ الآن ليس أَنا، أَنا شَبَحي فقلتُ مُحَدِّثاً نفسي: أَنا حيٌّ وقلتُ: إذا التقى شَبَحانِ في الصحراء، هل يتقاسمانِ الرملَ، أَم يتنافسان على احتكار الليل؟”. وفي ختام حديثه عن الليل، يُؤكّد على جماله وقدرته على إلهام الشعراء: “فإذا اشتد سوادُ الحُزن في إحدى الليالي أتعزَّى بجمالِ الليلِ، في شَعر حبيبي”. “الليلُ ليليٌّ وهذا القلبُ لَكْ”.