محتويات |
---|
بدايات المراسلات |
مدّ وجزر المشاعر |
نقاط الالتقاء والاختلاف |
ختام الرسائل |
بدايات المراسلات: قصة علاقة فنية فريدة
امتدت علاقة جبران خليل جبران ومي زيادة العاطفية والفكرية نحو عقدين من الزمن، دون لقاء مباشر، لكنها اتسمت بقوة الشغف والحنين، كما يتجلى في رسائلهم المتبادلة. [١] وقد انطلقت هذه المراسلات بعد أن قرأّت مي رواية جبران “الأجنحة المتكسرة” عام 1912م. أرسلت له رسالةً معبرةً عن إعجابها بأسلوبه وأفكاره، مُبديةً في الوقت نفسه بعض ملاحظاتها على آرائه في الحب والزواج، مُشيرةً إلى اختلاف في الرؤى قائلةً: “إننا لا نَتفق في موضوع الزواج يا جبران، أنا أحترم أفكارك وأجل مبادئك، لأنني أعرفك صادقًا في تعزيزها، مخلصًا في الدفاع عنها، وكلها ترمي إلى مقاصد شريفة”.[١]
مدّ وجزر المشاعر: بين الحبّ العميق والفتور
لم تكن علاقة جبران ومَيّ سلسةً دائمةً. بل تأرجحت بين قمة الحبّ والشوق، وبين فترات من البرود والبعد. تظهر هذه التقلبات بوضوح في رسائلهما. ففي بعض رسائله يعبّر جبران عن حبه العميق لميّ بقوله: “ما أجمل رسائلك يا ميّ وما أشهاها، فهي كَنهر من الرحيق يتدفق من العالي ويسير مترنمًا في وادي أحلمي، بل هي كقيثارة أورفيوس -شاعر وموسيقي في الأساطير اليونانية- تقرّب البعيد وتبعد القريب وتحول بارتعاشاتها السحرية الحجارة إلى شعلات متقدة والأغصان اليابسة إلى أجنحة مضطربة، إن يومًا يجيئني منك برسالة واحدة لهو من الأيام بمقام القمة من الجبل، فما عسى أن أقول في يوم يجيئني بثلاث رسائل؟ ذلك يوم انتحى فيه عن سبل الزمن لأصرفه متجولًا في إرم ذات العماد”.[٣] وفي رسائل أخرى، يعكس جبران شعوره بالفتور والحيرة، قائلاً: “لم يكن سكوتي في الآونة الأخيرة سوى الحيرة والالتباس، ولقد جلست مرات بين حيرتي والتباسي في هذا الوادي لأحدثك وأعاتبك ولكنني لم أجد ما أقوله لك، لم أجد ما أقوله يا مي لأنني كنت أشعر بأنك لم تتركي سبيلًا للكلام، ولأنني أحسست بأنك تريدين قطع تلك الأسلاك الخفية التي تغزلها يد الغيب وتمدها بين فكرة وفكرة وروح وروح”.[٤]
نقاط الالتقاء والاختلاف: توافق وتباين في الرؤى
اتفق جبران ومي في عديد من القضايا، مثل حقّ المرأة في اختيار شريك حياتها بحرية، والمساواة بين الجنسين، وتقديس الزواج القائم على الحبّ. [٥] لكنّهما اختلفا أيضاً في وجهات نظر أخرى. يظهر التفاهم في بعض رسائل جبران، حيث يقول: “ما أحسن قولكِ: إنّ كربة الوحدة وتباريحها تشتد وسط الجماهير، هذه حقيقة أولية، فكم مرة يجلس الواحد منا بين أترابه ومريديه فيحدثهم ويجادلهم ويشاركهم بالأقوال والأعمال، يفعل كل ذلك بإخلاص ومسرة، ولكن فعله لا يتعدى حدود الذات المقتبسة من عالم المظهر، أما ذاته الأخرى، ذاته الخفية، فتبقى ساكنة مستوحدة في عالم المصدر”.[٦] بينما تبرز رسائل أخرى مدى اختلاف الرأي بينهما، فمثلاً يقول جبران: “الله يسامحكِ، لقد سلبتني راحة قلبي، ولولا تصلبي وعنادي لسلبتني إيماني، من الغريب أن يكون أحبّ الناس إلينا أقدرهم على تشويش حياتنا”.[٧]
ختام الرسائل: رحلة حبّ وانكسار
شهدت علاقة جبران وميّ تقلباتٍ كبيرة بين الحبّ والاختلاف، والتفاهم والقطيعة. لكنّهما كانا يتصالحان دائماً، مدفوعين بحبٍّ قويّ. في سنواته الأخيرة، ميل حبّ جبران إلى الحبّ الأبويّ الحنون. [٨] وانتهت مراسلة الحبّ بوفاة جبران في 10 أبريل 1931م بسبب تليف الكبد.[٩]