توبة بن الحمير: سيرة وشعر

دراسة لحياة وأشعار توبة بن الحمير، بما في ذلك نشأته، خصائصه الشخصية، علاقته بليلى الأخيلية، وملابسات وفاته، بالإضافة إلى مختارات من شعره.

مقدمة

توبة بن الحمير، شخصية بارزة في الأدب العربي، اشتهر بشعره الغزلي وقصته العاطفية مع ليلى الأخيلية. يعتبر من شعراء العصر الأموي، وقد ترك بصمة واضحة في الشعر العربي من خلال تعبيره الصادق عن مشاعره وتصويره لجمال الطبيعة وحياته البدوية. هذا المقال يستعرض جوانب مختلفة من حياة توبة بن الحمير وشعره.

الخلفية التاريخية لتوبة بن الحمير

هو توبة بن الحمير بن ربيعة بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل. شاعر عربي عاش في فترة مهمة من التاريخ الإسلامي، وهي فترة الخلفاء الراشدين وامتدت إلى العصر الأموي. اشتهر بقصائده الغزلية، خاصة تلك التي نظمها في محبوبته ليلى الأخيلية.

كانت أشعاره تتناول بشكل رئيسي موضوعات الحب والهيام، ويعبر فيها عن مشاعره تجاه ليلى، وما واجهه من صعوبات وعراقيل بسبب هذا الحب. يتميز شعره بالجزالة والجمال، ويعكس صدق العاطفة وقوة التعبير. يعتبر توبة بن الحمير من شعراء العذريين الذين اشتهروا بالعفة والطهارة في الحب. وقد تشابهت أشعاره مع أشعار شعراء آخرين مثل ابن الدمينة، وقيس بن ذريح، وجميل بثينة، ومجنون ليلى.

السمات الشخصية لتوبة بن الحمير

كما وصفته ليلى الأخيلية في مرثيتها، وكما ذكره المؤرخون القدماء، كان توبة بن الحمير يتمتع بصفات نبيلة وشخصية قوية. كان سخيًا كريمًا، يتميز بالشجاعة والإقدام، وذو لسان فصيح وبليغ. كان يحمل الهمّ والحزن في قلبه، ولكنه كان أيضًا كريم المخبر وعفيف المئزر وجميل المنظر.

ذكر أبو عبيدة أن توبة كان كثير الغارات على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان، وربما وصلت إغاراته إلى بلاد مهرة. كان يحمل الماء معه في الصحراء ويخبئه في أماكن مختلفة ليتمكن من العودة إليه في حال المطاردة. كان يفضل الغارات في أوقات الحر الشديد، حيث يعلم أن ذلك سيصعب على أعدائه اللحاق به. ويقال أيضًا بأنه كان يشن غارات على قبيلة قضاعة والمناطق المجاورة لها في زمن معاوية بن أبي سفيان.

قصة حبه مع ليلى الأخيلية

بدأت قصة حب توبة بن الحمير وليلى الأخيلية عندما نزل قوم توبة مع قوم ليلى في مكان واحد. عندما عادوا من الغزو، رأى توبة ليلى مع النساء اللاتي خرجن لاستقبال العائدين، فافتتن بجمالها وبادلته هي نفس المشاعر.

عندما تقدم توبة لخطبة ليلى من والدها، رفض الوالد بسبب شهرة قصة حبهما، وزوجها لشخص آخر. على الرغم من زواجها، استمر توبة في زيارتها واللقاء بها، حتى اشتكى أهل الزوج إلى الخليفة، فأهدر دمه.

تقول الروايات إن توبة كان لا يرى ليلى إلا وهي متخفية، حتى جاء يوم خرجت سافرة في طريقه. عندما رآها، علم أنهم قد أعدوا له كمينًا، فهرع بفرسه ونجا. وقد عبر عن ذلك بقوله:

وكنت إذا زُرت ليلى تبرقعت          فقد رابني منها الغداة سفورها

ظروف وفاة توبة بن الحمير

تعكس وفاة توبة الصراعات القبلية التي كانت سائدة في ذلك العصر. قتله أفراد من بني عوف بن عامر، وهم من بني عقيل. كان السبب في ذلك أن توبة كان كثير الغارات، كما ذكرنا سابقًا.

خرج توبة ذات يوم ومعه أخوه عبد الله وابن عمه، فكمن لهم الأعداء. انصرف توبة خالي الوفاض، فمر بجيران لبني عوف بن عامر، فأغار عليهم وأخذ إبلهم وقتل رجلًا منهم. عندما وصل الخبر إلى بني عوف، تتبعوه وقتلوه، وضربوا رجل أخيه فقطعوها. تركوا عند عبد الله قربة ماء حتى لا يموت عطشًا. زحف عبد الله حتى وصل إلى بني خفاجة، فلاموه وقالوا له: “فررت عن أخيك؟”. فقال:

يلوم على القتال بنو عُقيل          وكيف قتال أعرج لا يقوم

نماذج شعرية من ديوان توبة بن الحمير

ترك توبة بن الحمير العديد من القصائد والأبيات الشعرية الجميلة، نذكر بعضًا منها:

يقول توبة:

وبي من هوى ليلى هوى لو أبثهُ          ولو كان أعدى الناسِ لي كان ينصحُ
هوىً لو تغيرهُ الحروبُ ولم يزل          على عهد ليلى أو يزيد فيربحُ

وقال توبة أيضًا:

ألا هل فؤادي عن صبا اليوم صافحُ          وهل ما وأت ليلى به لك ناجحُ
وهل في غدٍ إن كان في اليوم علة          سراح لما تلوي النفوس الشحائحُ
سقتني بشرب المُستضاف نصردتكما          صرّد اللوح النطاف الضحاضحُ
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت          علي ودوني جندل وصفائحُ
لسلمتُ تسليم البشاشة أوزقا          إليها صدىً من جانب القبر صائحُ
ولو أن ليلى في السماء لا صعدت          بطرفي إلى ليلى العيون الكواشحُ

ويقول:

تذكرت من ليلاكَ ما لست ناسيًا          يد الدهر، إلا ريث ما أنتَ ذاكرهُ
ولوعٌ أتيحت للفؤاد ولم تكن          تنالُ على عفوٍ كذاك سرائرهُ

المصادر

  1. ديوان توبة بن الحمير، صفحة 7. (بتصرّف)
  2. ديوان ليلى الأخيلية، صفحة 21. (بتصرّف)
  3. كريم مرزة الأسدي (11/1/2018)، “شعراء الواحدة: توبة بن الحمير خطفًا”، ديوان العرب. (بتصرّف)
  4. “وبي من هوى ليلى هوى لو أبثه”، الديوان.
  5. “ألا هل فؤادي عن صبا اليوم صافح”، الديوان.
  6. “تذكرت من ليلاك ما لست ناسيا”، الديوان.
Total
0
Shares
المقال السابق

سمات التواضع عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه

المقال التالي

توبي ألدرفيريلد (لاعب كرة قدم بلجيكي)

مقالات مشابهة