مقدمة
مع إشراقة كل صباح، تتجدد الآمال والطموحات بأن يكون اليوم أفضل من الأمس، وأن نخطو خطوات ثابتة نحو تحقيق أهدافنا. لكن هذه التطلعات لا تتحقق تلقائيًا؛ إذ لا يوجد حلول سحرية. الكثير منا يجد نفسه ضائعًا بين مسؤوليات متعددة. فمثلاً، قد يبتعد شخص عن أسرته لقضاء معظم وقته في العمل، بينما تتصارع امرأة بين رعاية أطفالها الصغار ومتابعة طموحاتها المهنية.
إن هذا الصراع لتحقيق التوازن بين جوانب الحياة المختلفة أمر شائع في هذا العصر الذي يتميز بالسرعة والتغير المستمر. سنسعى في هذا المقال إلى إلقاء نظرة فاحصة على كيفية تنظيم هذه الجوانب المختلفة، وترتيب المهام بناءً على أهميتها وأولويتها.
طرق ترتيب الأولويات
إن التخطيط لحياتنا لا يقل أهمية عن التخطيط الذي يقوم به المديرون لشركاتهم أو المهندسون للمشاريع العمرانية. بل هو أكثر أهمية، لأن وضوح الرؤية والسعادة بتحقيق الذات يجعلان الإنسان أكثر فعالية في عمله ومجتمعه. انطلاقًا من هذه الفكرة، يجب أن ننظر إلى حياتنا على أنها رحلة طويلة تحتاج إلى تخطيط دقيق.
قبل البدء في هذه الرحلة، نحتاج إلى تحديد المبادئ والقواعد التي نتبعها، والرؤية التي نحملها لأنفسنا في هذا العالم، والمهام التي تحقق هذه الرؤية. بمعنى آخر، تحديد المنهج الذي يقودنا إلى الهدف الذي نسعى إليه. هذا المنهج، أو ما يسميه ستيفن كوفي في كتابه “إدارة الأولويات” بالبوصلة، يوفر علينا عناء الذهاب في اتجاه خاطئ، ويوجهنا في كيفية التصرف في يومنا، ولمن نعطي الأولوية في التنفيذ على المدى القصير والطويل. بعد ذلك، يصبح من السهل توزيع الوقت المتاح على مهامنا ووظائفنا، متبعين البوصلة التي حددناها لأنفسنا.
يرى ستيفن كوفي أن الصراع الذي يعيشه الناس في توزيع أوقاتهم يعود إلى وجود فجوة بين البوصلة (المنهج) والساعة (توزيع المهام على الوقت المتاح). نشعر بهذه الفجوة عندما ندرك أن ما نقوم به كل يوم لا يقدمنا خطوات كبيرة نحو ما نعتبره أولوية وضرورة في حياتنا.
الاحتياجات الأساسية لتحقيق التوازن
لتحقيق الرضا عن أنفسنا، يجب تلبية أربع حاجات إنسانية بصورة متوازنة، وهي:
- الحاجات المادية.
- الحاجات الروحية.
- الحاجات الاجتماعية.
- الحاجات العقلية.
إن أي نقص في إحدى هذه الحاجات، أو تفوق إحداها على الأخرى، سيؤثر بالضرورة على البقية. تحقيق التوازن بينها لا يعني توزيع الوقت بطريقة منفصلة، فهي متداخلة. على سبيل المثال، إذا أراد شخص تحسين دخله المادي بالانشغال بعمل لا يحبه، سيؤثر ذلك على حالته النفسية. الحل يكمن في العمل بما يحب لتحقيق التوازن بين حاجاته الروحية والمادية.
استكشاف الذات
إن تحديد ما تحتاجه النفس في كل من المجالات المذكورة يتم على أكمل وجه من خلال معرفة ملامح النفس، ويتحقق ذلك عبر قراءتها قراءة سليمة ومستمرة، بمعدل نصف ساعة إلى ساعة يوميًا مع مراعاة اختيار مكان هادئ لا يقاطعك فيه أحد. كما أن قراءة النفس تتناول جميع جوانب الحياة، وتكون بالإجابة عن الأسئلة التي تؤثر في حياتنا بالضرورة، وذلك من مثل:
على المستوى الروحي:
كيف أرى نفسي وأصفها؟ وما أكثر ما أحب وما أبغض فيها؟ ما هو الهدف من وجودي على الأرض؟ وما هي المميزات التي أملكها لأحقق ذاتي ودوري في الحياة؟
علاقتي الاجتماعية مع الآخرين:
علاقتي مع أسرتي وأقاربي وجيراني وأصدقائي، هل هي قوية أم ضعيفة؟ هل هناك مشاكل معينة في الإطار الاجتماعي تؤثر على نمط حياتي اليومي ويجب أن أحلها حتى أستطيع التقدم في حياتي؟
على المستوى الأكاديمي:
هل أنا راضٍ عن تخصصي الحالي في المدرسة؟ وهل هناك أي أثر سلبي من فشل أو غيره يؤثر على أدائي الأكاديمي وأحتاج لعلاجه؟
على المستوى المهني:
هل أنا سعيد في وظيفتي؟ ما الذي يدفعني أن أصر على البقاء فيها؟ هل يستنزف الكثير من وقتي على حساب أدواري ووظائفي الأخرى؟
على المستوى المادي:
هل يتناسب دخلي الحالي مع احتياجاتي؟ أم يجب عليّ أن أبحث عن عمل كلي جديد أو عمل إضافي بعد الدوام؟
تخطيط الوقت
إن من أشهر النماذج في توزيع المهام على الوقت هو نموذج إدارة الوقت حسب الطوارئ والأهمية، وهو يعتمد على تقسيم المهام لأربع مناطق كالتالي، مع التمثيل البسيط عليهم:
- عاجل ومهم: تحديد موعد مع طبيب الأسنان لعلاج الضرس الملتهب
- غير عاجل ومهم: التخطيط لنزهة عائلية الأسبوع المقبل
- عاجل وغير مهم: الرد على مكالمات هاتفية ليست ذات أهمية
- غير عاجل وغير مهم: تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعة مع عدم وجود حاجة حقيقية
المثال التالي يشرح هذا التقسيم عمليًا:
تعمل سلمى في إحدى الوظائف المعتبرة، من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، ومع أن زوجها متعاون جدًا إلا أن رغبتها في أن تشاهد طفلتها التي رزقت بها منذ بضعة أشهر وهي تكبر أمام عينيها تجادلها كل صباح عندما تهم بالذهاب للعمل، وبعد الجلوس مع نفسها قررت توزيع الوظيفتين كالتالي:
- مهم وعاجل: التركيز على وظيفة تربية ابنتها في السنتين المقبلتين؛ لأن هذا العمر لن يتكرر، ولأن الناتج منه عظيم، ولا يمكن لأحد أن يقوم به أفضل منها
- مهم وغير عاجل: التقديم بطلب إجازة بغير راتب لمدة سنتين، على أن تواظب على الاطلاع على كل جديد في هذا المجال، وتطور نفسها عبر الدورات القصيرة الفعالة بعيدًا عن الالتزام الدائم بدوام طويل، أو تتفق مع الشركة على عمل بعض المشاريع المناسبة من المنزل براتب أقل