مقدمة
إن بداية رحلة العناية بالصغير وتعليمه في عمر الثامنة عشر شهرًا تعتبر خطوة عظيمة. في هذا العمر، يمتلك الأطفال طاقة كبيرة وحيوية ملحوظة، وينمو لديهم حب الاستكشاف والتعرف على العالم من حولهم. إنهم يحتاجون إلى إرشاد بسيط من الوالدين، وخاصة الأم، لتعليمهم السلوك الحسن وتجنب الأخطاء المحتملة. لذلك، يُفضل اتباع بعض الإرشادات البسيطة للتعامل مع الأطفال في هذه المرحلة العمرية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية.
أساليب فعالة في تربية الطفل
-
المراقبة والتوجيه:
بإمكان الأم توجيه طفلها نحو تحسين سلوكه من خلال مراقبة تصرفاته ورصد ما يثير غضبه أو سعادته. هذا لا يعني إصدار الأوامر باستمرار، بل توجيهه بطريقة تساهم في بناء شخصيته وتقويمها. على سبيل المثال، توجيهه لاحترام الدور وانتظار دوره في اللعب.
-
المدح والثناء:
على الرغم من سعي الأطفال في هذا العمر إلى الاستقلالية، إلا أن إرضاء الوالدين يبقى هدفًا أساسيًا. يمكن للوالدين استغلال هذه الرغبة كأداة لتربية الطفل وتعزيز العلاقة بينهما، وذلك عن طريق الإشادة بأفعال الطفل الجيدة وإظهار الرضا عنه لتشجيعه على تكرار هذه التصرفات الإيجابية.
-
استخدام لغة مبسطة:
على الرغم من تطور المفردات اللغوية لدى الأطفال في هذا العمر، إلا أن قدرتهم على فهم العبارات المعقدة والطويلة لا تزال محدودة. لذا، يجب على الوالدين استخدام جمل قصيرة وسهلة الفهم وتكرارها لتعزيز فهم الطفل. يمكن أيضًا استخدام نبرة صوت مختلفة حسب الموقف، مع التركيز على الكلمات المهمة، والاستعانة بتعبيرات الوجه لتوضيح المعنى.
-
الحفاظ على روتين ثابت:
العالم من منظور الطفل مكان غير مؤكد. لذا، فإن الالتزام بروتين معين والتصرف بنفس الطريقة يوميًا، مثل الالتزام بموعد القيلولة أو وقت اللعب، يمنح الطفل شعورًا بالأمان ويقلل من عدوانيته وتقلب مزاجه؛ لأنه يعرف ما هو متوقع. في حالة حدوث تغيير في المواعيد المحددة، يجب إعلام الطفل مسبقًا لتجنب أي رد فعل سلبي. وينطبق الأمر نفسه على التربية، حيث يجب تكرار التوجيه نفسه عند تكرار الموقف. على سبيل المثال، تكرار عبارة “لا تضرب” في كل مرة يضرب فيها طفلًا آخر.
-
تشتيت الانتباه وإعادة التوجيه:
في هذا العمر، لا يدرك الطفل أهمية النظام واتباع السلوك الجيد. بدلًا من محاولة ذلك، يمكن للوالدين استخدام بعض الحيل لتشتيت انتباه الطفل عن السلوك غير المرغوب فيه وإرضائه في الوقت نفسه.
-
مكافأة السلوك الحسن:
يجد الأطفال صعوبة في الحكم على أفعالهم وتحديد ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. هنا يأتي دور الوالدين في تعليمهم كيفية التفاعل مع العالم من حولهم. على سبيل المثال، قد يعبر الطفل عن حماسه عند رؤية الحيوانات الأليفة بطريقة عدوانية غير مقصودة، لذا يجب على الوالدين توجيهه ليصبح أكثر حذرًا.
-
تجاهل السلوك السيئ:
يشعر الأطفال بالثقة عندما يلفتون انتباه من حولهم، ولكن هذا لا يقتصر على السلوكيات الجيدة. رد الفعل السلبي من أحد الوالدين تجاه سلوك سلبي يمكن أن يكون سببًا للفت الانتباه، مما يشجع الطفل على تكرار ذلك السلوك. لذا، قد يكون التجاهل هو الحل الأمثل، طالما أن سلوك الطفل لا يعرضه أو الآخرين للخطر.
-
العواقب الطبيعية والمنطقية:
العواقب الطبيعية هي النتائج المباشرة لأفعال الطفل. على سبيل المثال، إذا رمى الطفل لعبته عمدًا خلف الأريكة، يجب على الأم تحذيره من تكرار هذا التصرف. وإذا تكرر الأمر، فمن الطبيعي أن يفقد الطفل اللعبة حتى تقوم الأم بتنظيف المنطقة خلف الأريكة. أما العواقب المنطقية، فتعتمد على رد فعل الأم تجاه تصرفات الطفل. على سبيل المثال، إذا أخطأ الطفل وألقى كوب الماء على مائدة الطعام عمدًا، يجب على الأم تحذيره من تكرار ذلك. وإذا كرر الأمر، فمن المنطقي أن تعاقبه بحرمانه من الكوب.
-
إعطاء الطفل وقتًا مستقطعًا:
بطبيعة الحال، لا يحب الطفل في هذا العمر قضاء الوقت بمفرده دون القيام بأي نشاط. لذا، فإن استخدام هذا الأسلوب ومعاقبة الطفل بحرمانه مما يستمتع به يجعله يتراجع عن سلوكه لتجنب إطالة فترة الحرمان. ينصح الخبراء باتباع هذا الأسلوب لمدة لا تزيد عن دقيقة واحدة. يمكن للأم حمل الطفل ووضعه على الكرسي أو مواجهته دون توبيخه، والسماح له بالعودة إلى اللعب بعد انتهاء المدة المحددة.
-
قضاء وقت ممتع مع الطفل:
يرى بعض الخبراء أن إعطاء الطفل وقتًا مستقطعًا لمراجعة سلوكه والعدول عن الخطأ قد لا يكون فعالًا. بدلًا من ذلك، ينصحون الوالدين بتخصيص وقت للجلوس مع طفلهم عند سوء التصرف، وتهدئته، وفهم أسباب قيامه بذلك، ونصحه بعدم تكرار ذلك، ثم العودة إلى اللعب.
جوانب هامة في حياة الطفل
هناك جوانب أساسية في حياة الطفل تستحق التركيز عليها، ومنها:
كيفية التعامل مع نوبات الغضب
عادة ما تنتاب الطفل في هذا العمر نوبات غضب شديدة، مصحوبة بالصراخ والبكاء. هذا يسبب إزعاجًا وحرجًا للأم، خاصة عند الخروج من المنزل للتسوق أو زيارة الطبيب. يجب على الأم أن تكون على دراية بالمواقف التي تثير غضب طفلها ومحاولة تجنبها قدر الإمكان لتفادي الإحراجات المحتملة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يشعر بالذعر أو الانزعاج عند الاستيقاظ، يمكن للأم إيقاظه قبل الخروج بوقت كافٍ لتجنب البكاء والصراخ. كما يمكن للأم أن تحمل معها لعبة الطفل المفضلة عند زيارة الطبيب لتمضية الوقت وتجنب الملل، والتأكد من راحته وتناوله الطعام الكافي عند الخروج للتسوق.
تنظيم أوقات النوم
قد يعاني الأطفال في هذا العمر من بعض المشاكل في النوم، مما قد يسبب إرباكًا للوالدين. للتعامل مع هذه المشاكل، يمكن للأهل الحرص على وضع روتين يومي ثابت للنوم، مثل الاستحمام، أو قراءة قصة قبل النوم، أو احتضان اللعبة المفضلة. عندها سيشعر الطفل تلقائيًا بقرب موعد النوم وما عليه القيام به. يجب أيضًا الحفاظ على وقت النوم ثابتًا وعدم تغييره من يوم إلى آخر لمحاولة تنظيم نوم الطفل قدر الإمكان، ومن المهم تجنب وجود أجهزة التلفاز في غرف نوم الأطفال.
توفير التغذية الصحية
لم يعد الطفل في هذا العمر رضيعًا مدللًا يحتاج إلى الرضاعة الطبيعية أو تناول الحليب الصناعي. أغلب الأطفال عند بلوغ العام والنصف قادرون على الشرب من الكأس، وبعضهم يجيدون الشرب من القشة. يجب على الأم اتباع أسلوب التدريج عند الفطام، والبدء بتقليل عدد مرات الرضاعة تدريجيًا، لأن التوقف المفاجئ قد يؤثر في نفسية الطفل الذي اعتاد على وجوده بالقرب من أمه. يجب على الأطفال تناول بعض الأطعمة بكميات معينة، حوالي ¾-1 كوب من الفواكه والخضراوات، وربع كوب من الحبوب، وثلاث ملاعق طعام من البروتين يوميًا في أوقات متنوعة.
سمات الطفل في عمر السنة والنصف
تبدأ ملامح شخصية الطفل بالتشكل عند بلوغه العام والنصف، حيث تنمو لديه الحصيلة اللغوية، ويصبح أكثر قدرة على التعبير عن احتياجاته وتحديد ما يحب ويكره، بالإضافة إلى فرط النشاط الذي تلاحظه الأمهات في هذا العمر. تكون هذه الفترة صعبة بعض الشيء على الوالدين، حيث يشعر الطفل خلالها بحالة من التناقض، تتراوح بين رغبته في الاستقلال وحاجته لقرب والديه ليشعر بالطمأنينة. على الرغم من حنين الأم لطفلها المدلل بين ذراعيها، إلا أنها تشعر بالحماس لرؤيته يرسم لنفسه شخصيته المستقلة.
هناك مجموعة من السلوكيات التي يميل الطفل لممارستها خلال هذه المرحلة العمرية، منها:
-
المهارات اللغوية والتواصل:
يركز الطفل على الكلام، حيث يصبح بمقدوره نطق ما بين 10-20 كلمة، واستيعاب الأوامر البسيطة كقول (احمل اللعبة)، والإشارة إلى أجزاء جسمه المختلفة والتمييز بينها عند سؤاله (أين أنفك؟) مثلاً.
-
المهارات المعرفية:
يبدأ الطفل بممارسة التفكير والتعلم، واستيعاب المفاهيم البسيطة، كإدراك ما يحبه ويرغب به، كمعرفة اسم لعبته المفضلة. يستطيع ربط مسميات الأشياء بصورها المادية، كربط مسميات الأشياء بشكلها في دفتر الرسومات والإشارة إليها، وتمييز الأشكال المتشابهة. وقد تتطور مهاراته الإدراكية، فيبدأ بتقليد تصرفات من حوله، كتقليد الوالدين عند التحدث عبر الهاتف، أو ممارسة الطبخ.
-
العواطف والمهارات الاجتماعية:
يكون مزاج الطفل وعواطفه في هذا العمر مضطربة نوعًا ما، فتصيبه نوبات غضب، ويُعبِّر عن خوفه من الغرباء، وقد يتشبث بوالديه كتعبير عن الخوف. وفي المقابل، يبدأ بإظهار حبه تجاه الأشخاص المألوفين، كالإشارة إلى الأشياء التي يفضلها ليروها، وإعطائهم إحدى ألعابه كدعوة منه لمشاركته اللعب، والتظاهر بإطعام الدُمى. ويزيد حبه للاستكشاف خاصة وهو مطمئن لوجود والديه بقربه.
-
النمو الجسدي والحركي:
تبدأ أطراف الطفل بالنمو، وتزداد حركة جسده وتتغير تصرفاته، فيصبح باستطاعته المشي، والجري أحيانًا، وصعود السلم دون مساعدة أحد. ليس ذلك فحسب، بل يصبح قادرًا على حمل ألعابه وهو يمشي، وكذلك خلع ملابسه بنفسه، والاعتماد على نفسه في تناول الطعام بالملعقة والشرب من الكأس.
خاتمة
تربية الطفل في هذا العمر تتطلب صبراً وجهداً، ولكنها أيضاً فرصة ثمينة للمساهمة في بناء شخصيته المستقلة وتعزيز نموه السليم.