تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات

استكشاف الاختلافات الجوهرية بين الإنسان والحيوان. تفضيل الله للإنسان ومكانته كخليفة في الأرض، بالإضافة إلى العقل والإرادة الحرة وقدراته الفريدة.

تفضيل الله للإنسان على المخلوقات

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بميزات عظيمة، وخصّه بخصائص فريدة جعلته متميزًا عن جميع المخلوقات الأخرى. فالإنسان هو خليفة الله في الأرض، وقد وهبه الله العقل، والفطنة، والعلم، والقدرة على العمل والاختيار. كما أن الكون كله مسخر لخدمته، وهو مكلف بإعماره، وسيحاسب على أفعاله وأقواله.

تعتبر هيئة الإنسان وتكوينه الجسدي من أبرز الفروق بينه وبين الحيوان، حتى امتنَّ الله -تعالى- على الإنسان بذلك، فقال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم). وقد أوضح العلماء معاني هذه الآية الكريمة، مبينين أن الله خلق الإنسان في أبهى صورة وأجملها.

وقال بعضهم إن المقصود هو أن الله خلق الإنسان منتصب القامة، وقادرًا على تناول طعامه بيده. بينما الحيوانات الأخرى تمشي على أربع وتأكل بفمها مباشرة.

الإنسان: وظيفته كاستخلاف في الأرض

أحد أهم أوجه الاختلاف بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان يحمل صفة الاستخلاف في الأرض، وهي مهمة عظيمة أوكلها الله إليه. وقد تعددت تفسيرات العلماء لمعنى الاستخلاف، ومنها:

تفسير ابن كثير: يرى ابن كثير أن الاستخلاف يعني أن الأجيال البشرية تتعاقب، فجيل يمضي وجيل يأتي من بعده.

تفسير البغوي: يوضح البغوي أن البشر هم خلفاء الله في الأرض لتنفيذ أوامره وشرعه.

وتدل هذه التفسيرات على أن الله لو رأى أن الحيوان أقدر على القيام بمهام الاستخلاف لفضّله على الإنسان. ولكن الله اختار الإنسان لهذه المهمة لعلمه بقدرته وتفوقه على الحيوان في هذا المجال.

منحة العقل والتمييز للإنسان

يتجلى تكريم الله للإنسان بالعقل في الكثير من الآيات القرآنية التي تحث على استخدامه والتفكر فيه. ومن ذلك قول الله -تعالى-: (أَفَلاَ يَعْقِلُون). وقوله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون). وأيضاً قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ).

وقد وصف الله من يتعظ ويتدبر بـ “أولي النهى” كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى)، و “أولي الألباب” كما في قوله -تعالى-: (وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب)، وهي تعابير تدل على مكانة الإنسان الرفيعة عند الله.

إن العقل هو الأداة التي تميز الإنسان عن الحيوان. فالله وهب الإنسان القدرة على التعلم والتعليم، وعلى التحكم في نفسه وتصرفاته. ونتيجة لذلك، تمكن الإنسان من تطوير حياته في جوانب المأكل والمشرب والملبس والمسكن. بينما ظلت الحيوانات على حالها، على الرغم من أن بعضها قد يكون أقوى وأكثر تحملًا من الإنسان. إلا أن الحيوان يفتقر إلى العقل والتدبير، مما جعله مسخرًا لخدمة الإنسان.

الإرادة الحرة الممنوحة للإنسان

من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان هي الإرادة الحرة، التي تمكنه من ممارسة شؤونه المختلفة، وخاصة ما يتعلق بالدين والإيمان. وقد قال الله -تعالى-: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، مما يدل على أن الإيمان لا يكون بالإجبار، ولا يجوز إجبار أحد على الإيمان بالله.

لذلك، حرّم الإسلام كل ما يقيد إرادة الإنسان، مثل بيع الإنسان وشرائه كالسلع. فحارب الرق، وشرع تحرير الرقاب في الكفارات، مثل كفارة الظهار، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، وكذلك كفارة القتل الخطأ بتحرير رقبة مؤمنة، قال -تعالى-: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ).

قدرة الإنسان على معرفة الله وعبادته

لقد أكرم الله الإنسان وميزه عن الحيوان بمنحه الأدوات التي تمكنه من التفكر في الكون والوصول إلى الإيمان. قال -تعالى-: (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، أي أن الله أمر الإنسان بالتأمل في المخلوقات ليهتدي إلى خالقها.

يمتلك الإنسان قدرات فريدة لا توجد لدى المخلوقات الأخرى، خاصة في مجال التحليل والتفكير والتدبر. قال الله -تعالى-: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا).

تسخير الكون لخدمة الإنسان

يعتبر تسخير الكون للإنسان من مظاهر عدل الله ورحمته. فقد أمر الله الإنسان بالتأمل في الكون وسخر له كل شيء فيه. قال الله -تعالى-: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَار* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار). وقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ).

فقد سخر الله ما في السموات من شمس وقمر ونجوم، وما في الأرض من أحجار وتراب وزروع وحيوانات. إن هذا التسخير دليل واضح على تفضيل الله للإنسان على سائر المخلوقات.

مسؤولية الإنسان ومحاسبته

كما ذكرنا، الإنسان يتمتع بحرية الاختيار في شؤون حياته، ولكن هذه الحرية ليست مطلقة، بل هي تكليف من الله سيحاسبه عليه يوم القيامة.

فالحرية ميزة للإنسان، ولكنها حرية منضبطة بشرع الله. قال -تعالى-: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى). ويوضح الزحيلي في تفسيره: “هل يعتقد ويفكر الإنسانُ أَن يُتركَ بدون حسابٍ ولا عقابٍ ولا أوامر ولا نواهي؟”

وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان، فالإنسان حر ومسؤول عن أفعاله، بينما الحيوان ليس كذلك.

Total
0
Shares
المقال السابق

تمييز الإلهام عن الوحي

المقال التالي

تمييز بين الإنشاء الطلبي وغير الطلبي في اللغة العربية

مقالات مشابهة

دلالات رؤية الفأر والخوف منه في الأحلام

تفسيرات متنوعة لرؤية الفأر والخوف منه في الحلم. معاني رؤية الفأر في البيت، وقتل الفئران، وخروجها من المنزل. استكشف الدلالات المختلفة لهذه الأحلام وفقاً لتفاسير العلماء.
إقرأ المزيد