في دراسة علوم البلاغة العربية، يظهر مصطلحان هامان هما الاقتباس والتضمين. قد يختلط الأمر على البعض في التفريق بينهما، لذا سنسعى في هذا المقال إلى توضيح الفروق الجوهرية بين هذين الأسلوبين البلاغيين، مع تقديم أمثلة عملية لكل منهما.
الاقتباس
مفهوم الاقتباس لغةً واصطلاحاً
في اللغة، كلمة “قَبَس” تعني شعلة من النار. كما ورد في القرآن الكريم:
{إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا سَـَٔاتِیكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِیكُم بِشِهَابࣲ قَبَسࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} [النمل: 7]
فالاقتباس في اللغة هو أخذ شعلة من النار للاستضاءة بها.
أما اصطلاحاً، فهو أن يدمج المتحدث أو الكاتب في كلامه جزءاً من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف، سواء كان هذا الدمج باللفظ والمعنى، أو بالمعنى فقط.
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي واضحة، فكما أن القبس هو أخذ نور من نار، فإن الاقتباس هو أخذ نور وهداية من القرآن والسنة، واستخدامه لتقوية الفكرة أو تزيين الأسلوب.
تكمن أهمية الاقتباس في قدرته على إضفاء قوة على الكلام، حيث يستند المتحدث أو الكاتب إلى كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يزيد من تأثيره ومصداقيته.
أمثلة توضيحية للاقتباس
يقول ابن سناء الملك:
رحلوا فلستُ مسائِلاً عن دَارِهمْ
أَنا باخِعٌ نَفْسِي على آثارِهم
الشطر الثاني من البيت هو اقتباس من قوله تعالى:
{فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]
ومثال آخر، قول الخطيب عبد الرحيم بن نباتة:
“فيا أيها الغفلة المطرقون، أما أنتم بهذا الحديث مصدقون، ما لكم لا تشفقون {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}”
هنا، نجد اقتباساً من القرآن الكريم، سواء بالمعنى مثل قوله “ما لكم لا تشفقون”، أو باللفظ كما في قوله:
{فَوَرَبِّ السَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23]
التضمين
مفهوم التضمين لغةً واصطلاحاً
لغةً، التضمين مشتق من “الضمن”، ويعني إيداع شيء في شيء آخر لحفظه وصيانته.
أما في الاصطلاح البلاغي، فالتضمين هو أن يضمن الشاعر في شعره بيتاً أو جزءاً من بيت لشاعر آخر، دون الإشارة إلى اسم الشاعر الأصلي، إذا كان البيت مشهوراً، أو مع الإشارة إليه إذا لم يكن مشهوراً.
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي تتجلى في فكرة إيداع شيء داخل شيء آخر، فالشاعر يودع جزءاً من شعر غيره في شعره الخاص.
أمثلة توضيحية للتضمين
يقول الصاحب ابن عباد:
وَباعَ صَفوَ ودادٍ كنت أَقصره
عَلَيهِ مُجتَهِداً في السِرِّ وَالعَلَنِ
وَكانَ غالي بِهِ حيناً فَأَرخَصه
يا من رَأى صَفو ودٍ بيع بِالثَمَنِ
كَأَنَّهُ كانَ مَطوِيّاً عَلى احنٍ
وَلم يَكُن من قَديم الدَهرِ أَنشَدَني
إِنَّ الكِرام اِذا ما أَسهَلوا ذَكَروا
مَن كانَ يَألَفَهُم بِالمَنزِلِ الخَشِنِ
البيت الأخير هو تضمين لبيت مشهور لأبي تمام.
ومثال آخر، قول الحريري:
على أني سأنشد عند بيعي
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
الشطر الثاني من هذا البيت يُنسب إلى أمية بن أبي الصلت، وقيل أيضاً أنه للعرجي.
المراجع
- مجموعة من المؤلفين،أرشيف منتدى الفصيح. بتصرّف.
- الجوهري،الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، صفحة 3- 960. بتصرّف.
- محمد أحمد قاسم،علوم البلاغة الديع والبيان والمعاني، صفحة 127. بتصرّف.
- ابن سناء الملك،”رحلوا فلست مسائلاً عن دارهم”،الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2022.
- ضياء الدين ابن الأثير،الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور، صفحة 233.
- ابن منظور،لسان العرب، صفحة 3- 275 -278. بتصرّف.
- محمد أحمد قاسم،علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني، صفحة 133. بتصرّف.
- الصاحب ابن عباد،”أشكو إليك زمانا ظل يعركني”،الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2022.
- محمد أحمد قاسم،كتاب علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني، صفحة 135. بتصرّف.