تمييز المودة والغرام في المنظور الإسلامي

استكشاف الفرق بين المودة والغرام في الإسلام. نظرة على طبيعة المودة، مفهوم الغرام، وتأثيراته النفسية. تحليل لأسباب الغرام ووجهات نظر مختلفة حوله.

المودة في الإسلام

المودة شعور إنساني فطري يتجلى في جوانب عديدة من الحياة، سواء تجاه الأشياء المادية أو المعنوية، أو حتى الأشخاص. إنها جزء لا يتجزأ من طبيعتنا، وتتجلى في كل ما يتفق مع الميل الفطري والحكمة. إن المودة إحساس رقيق يرتقي بالإنسان، يجعله أكثر لطفًا، ويبعده عن قسوة القلب والغلظة.

الغرام: نظرة في المفهوم

الغرام هو تجاوز الحد في المحبة والتعلق، حيث يسيطر المحبوب على قلب المحب بشكل كامل، بحيث لا يغيب عن ذهنه وذاكرته وتفكيره. ويُعرّف أيضًا بأنه فرط التعلق بالشخص المرغوب، مع السعي الحثيث للقرب منه والسيطرة عليه. وذكر أيضًا بأنه شدة الإعجاب بالمحبوب، سواء كان ذلك في إطار عفاف أم لا.

وقد قيل أيضًا أن الغرام يعني اللزوم والالتصاق بالشيء وعدم مفارقته، وقيل: “الغرام الإفراط في محبة النساء، بحيث لا يشارك أحد في هذا الحب”.

ويشير ابن القيم –رحمه الله- إلى أن الغرام هو المبالغة الشديدة في المودة، بحيث يستحوذ المعشوق على قلب العاشق تمامًا، فلا يغيب عن تفكيره وخياله. ونتيجة لذلك، تنشغل النفس بالتخيلات، مما يؤدي إلى ضعف العزم والخور، وبالتالي ظهور أمراض جسدية ونفسية يصعب علاجها.

الآثار النفسية والجسدية للغرام

لقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- آثار الغرام في النقاط التالية:

  • الاندفاع نحو المخاطر وإلحاق الأذى بالنفس.
  • التسبب في أمراض جسدية مثل الهزال والنحول.
  • تشتت الفكر والذهن.
  • الانعزال والاكتئاب.
  • الشعور بالقلق والأرق والاضطراب.

حقيقة الغرام

يتصور العاشق تفاصيل المعشوق بدقة، من لون البشرة والطول والجمال وغيرها من الصفات التي ترسخت في ذهنه. لهذا السبب، يرى بعض العلماء أن صفة الغرام لا تليق بجلال الله -تعالى-، وأنه لا ينبغي أن نعشق الله حتى لا نتخيل ذاته -تعالى- بتصورات لا تليق به. ولا يُحمد من تصور فيه تصوراً خاطئاً.

ويرفض جمهور العلماء إطلاق لفظ الغرام على الله -تعالى-؛ لأن الغرام هو المبالغة في المحبة وتجاوز الحد المشروع. ومحبة الله -تعالى- لا نهاية لها ولا يمكن تحديدها بحدود، ولا يجوز تجاوزها.

والغرام عمومًا غير محمود، سواء في حق الله -تعالى- أو في حق خلقه؛ لأنه محبة مبالغ فيها وتجاوز الحد المقبول.

ويستخدم لفظ الغرام عادةً للتعبير عن محبة الإنسان لامرأة أو العكس، ولا يستخدم في محبة الأنبياء أو الأهل أو المال أو الوطن أو الجاه وغير ذلك. وغالبًا ما يرتبط الغرام بأفعال محرمة، مثل النظر المحرم واللمس المحرم وغيرها من الأفعال المحرمة.

محفزات الغرام

بعد أن اتضحت لنا مخاطر الغرام وآثاره السلبية، يجدر بنا أن نتعرف على الأسباب التي تؤدي إليه. فالغرام يبدأ وينشط بوجود محفزاته ومهيجاته. ومن بين الأسباب التي تثير الغرام وتدفع إليه:

  • الإعراض عن الله -عز وجل-: ففي الله -جل في علاه- عوض عن كل شيء. ومن عرف الله -جل في علاه- حق المعرفة، قصر محبته عليه ولم يطلب محبة سواه.
  • الاستمرار في النظر إلى المعشوق وتكراره: إذا غاب المعشوق عن العين، طلبته النفس وتمنت لقياه، ثم ودت لو استمتعت به وهامت به، فيصبح خيالها منشغلاً به، فيتعمق بذلك غرامه، وكلما زادت الشهوة البدنية قوي الفكر في ذلك.
  • سماع الغزل والغناء: كثرة الاستماع إلى كلمات الغرام والغناء يوقظ شهوة التعلق ويثير الغرام في القلب.
  • الجهل بأضرار الغرام وآثاره: فالعلم بمخاطر الغرام وأضراره يحمي من هذا الداء الخطير.
  • الفراغ: يعد الفراغ من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الغرام. وللفراغ أضرار عديدة؛ فالنفس إن لم تُشغل بخيرٍ ستُشغل بِشرٍّ لا محالة.

أقوال مأثورة في الغرام

للعلماء والفلاسفة أقوال عديدة في الغرام، منها:

  • قال ابن عبد البر -رحمه الله-: “سئل بعض الحكماء عن الغرام فقال: شغل قلب فارغ”.
  • قال ابن القيم -رحمه الله-: “وغرام الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله -تعالى- المعرضة عنه”.
  • قال ابن القيم -رحمه الله-: “وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله -تعالى- المعرضة عنه”.
  • قال ابن عقيل -رحمه الله-: “وما كان العشق إلا لأرعن بطّال، وقَلّ أن يكون في مشغول ولو بصناعة أو تجارة؛ فكيف بعلوم شرعية، أو حكمية”.
  • قال أفلاطون: “الغرام حركة النفس الفارغة”.
  • قال أرسطو: “الغرام جهل عارض، صادف قلباً خالياً لا شغل له من تجارة، ولا صناعة”.
  • قيل: “هو سوء اختيار صادف نفساً فارغة، ومن الفراغ أيضاً فراغ القلب من محبة الله -عز وجل-“.

المراجع

  1. أبو هلال العسكري، كتاب الفروق اللغوية للعسكري، صفحة 122. بتصرّف.
  2. مجموعة مؤلفين، كتاب مجلة جامعة أم القرى، صفحة 372-374. بتصرّف.
  3. محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 194-195. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز مفهومي المحبة والهيام

المقال التالي

تمييز المشاعر: الإعجاب، الحب، والعشق

مقالات مشابهة