تمييز المنهجية عن الجغرافيا الإستراتيجية

توضيح الفروقات الجوهرية بين المنهجية العامة والجغرافيا الإستراتيجية وتطبيقاتها المختلفة.

مقدمة

في عالم يشهد تحولات متسارعة وتعقيدات متزايدة، يصبح التمييز بين المفاهيم المختلفة أمراً بالغ الأهمية. ومن بين هذه المفاهيم، تبرز المنهجية والجغرافيا الإستراتيجية كمصطلحين يستخدمان في مجالات متنوعة، بدءاً من التخطيط المؤسسي وصولاً إلى السياسات الدولية. يهدف هذا النص إلى إلقاء الضوء على الفروقات الجوهرية بين هذين المفهومين، مع التركيز على تطبيقاتهما وأهميتهما في السياقات المختلفة.

التباينات الأساسية بين المنهجية والجغرافيا الإستراتيجية

يكمن الاختلاف الجوهري بين المنهجية والجغرافيا الإستراتيجية في طبيعة ونطاق كل منهما. فالمنهجية تمثل نسقاً منظماً لاستخدام الموارد والإمكانيات المتاحة لتحقيق أهداف محددة. أما الجغرافيا الإستراتيجية، فهي تتجاوز هذا النطاق لتشمل دراسة تأثير العوامل الجغرافية على القرارات الإستراتيجية للدول. بمعنى آخر، هي علم يدرس كيفية استغلال الدولة لموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية لتعزيز قوتها ونفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

مصطلح المنهجية شائع الاستخدام في الحياة اليومية، وتتعدى تطبيقاته لتشمل القطاعات العملية والسياسية والاقتصادية. وفي المقابل، ترتبط الجغرافيا الإستراتيجية ارتباطاً وثيقاً بتطور علم المنهجية وتطبيقاته في مختلف المجالات، ما يجعل المصطلحين متلازمين في كثير من الأحيان.

مفهوم المنهجية

كلمة “منهجية” مشتقة من الكلمة اليونانية (stratego)، والتي تعني التعبئة أو الحشد. ومنها اشتقت كلمة (stratagem)، التي تشير إلى فن القيادة. في البداية، ارتبطت كلمة منهجية بالجانب العسكري فقط، لكنها سرعان ما اتسعت لتشمل مجالات أخرى. يعرفها ليدل هارت بأنها “فن استخدام الوسائل العسكرية لتحقيق هدف سياسي”، بينما يرى أحد الباحثين أنها “فن المواءمة بين الهدف والوسيلة”.

كما يعرفها بوفر على أنها تنسيق استخدام القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعسكرية ضمن مخطط منظم وهادف يسعى إلى تحقيق المصلحة القومية. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام المنهجية لم يعد مقتصراً على الأمور العسكرية، ويعود الفضل في ذلك إلى تطور الدولة الحديثة، حيث لم تعد قوة الدول تقتصر على القوة العسكرية، بل امتدت إلى التكنولوجيا والاقتصاد. وبذلك، أصبح فن المنهجية هو تحديد مكامن القوة والضعف لدى الخصم.

مفهوم المنهجية في الدول

تعتبر المنهجية هرمية في مكوناتها، حيث تبدأ بالمنهجية الوطنية، والتي تتفرع منها منهجيات فرعية مثل المنهجية السياسية والاقتصادية والعسكرية، وغيرها. وتتفرع هذه المنهجيات بدورها إلى أفرع أخرى. على سبيل المثال، تتفرع المنهجية الأمنية إلى منهجية الأمن الفكري. ولكي تكون الخطة المنهجية ناجحة، يجب أن تتسم بعدة صفات، منها:

  • الوضوح.
  • التناسق فيما بينها.
  • التوافق فيما بينها.
  • شموليتها للأهداف الموضوعة.
  • سهولة الاستدلال على طبيعة الطرق والوسائل والغايات.

الخطط المنهجية

يتم رسم الخطط المنهجية وفقاً للخطوات التالية:

  1. تحديد الأهداف (جمع المعلومات والوضوح وتكافؤ المعلومات مع الهدف).
  2. ترتيب الأهداف.
  3. تحديد المعوقات.
  4. تحديد البدائل (المرونة).
  5. تنفيذ الخطة.
  6. التحليل والتقييم.
  7. الاستمرارية.

مفهوم الجغرافيا الإستراتيجية

تشير الجغرافيا الإستراتيجية إلى دمج الاعتبارات المنهجية للدولة مع العناصر الجغرافية لتحديد شكل سياستها الخارجية. أي أنها العلم الذي يسعى لجمع وتحليل ودراسة المعلومات الجغرافية للدولة لإعداد خطط منهجية مناسبة لإدارة الحرب والشؤون الخارجية. تاريخياً، لعب الموقع الجغرافي للدول دوراً كبيراً في سياساتها الخارجية، وقد يكون بمثابة أداة عسكرية، مثل استخدام الجبال ضد محاولات الغزو.

نظراً للعلاقة الوثيقة بين الجغرافيا والسياسة، لعب المؤرخون دوراً كبيراً في تأطير هذه العلاقة ضمن أطروحات حول مكامن قوة الدول من حيث مواردها الطبيعية والتضاريس وتوزيع السكان على مساحة الدولة وعدد السكان. ومن هنا نشأ علم الجيوبوليتيكا، الذي برز كـ “حجة” لتبرير احتلال الدول للأراضي المحيطة وتوسيع أراضيها. ويقصد به دراسة السياسة الخارجية للدولة في ضوء موقعها الإقليمي.

غايات الجغرافيا الإستراتيجية

تهدف الجغرافيا الإستراتيجية إلى تحقيق العديد من الغايات، منها:

  • مساعدة الدولة على فهم الأبعاد الجغرافية لرسم سياستها الخارجية وتوجيهها.
  • الخروج بمفهوم متكامل للمصلحة القومية للدولة من منظورها الجغرافي الاستراتيجي، مع مراعاة الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية والبشرية للدولة، وتحديد المناطق الإستراتيجية وفقاً للاعتبارات الجغرافية.
  • وضع الخطط المنهجية للدولة عند حدوث صراعات وحروب.

العناصر العلمية للجغرافيا الإستراتيجية

تتكون الجغرافيا الإستراتيجية من عدة عناصر علمية، وهي:

  • الجيوسياسي: تأثير الموارد الطبيعية للدولة على الحياة السياسية فيها.
  • الجيو اقتصادي: الظروف الاقتصادية وتأثيرها بشكل مباشر أو غير مباشر.
  • الجيو عسكري: الأماكن والمسارات الأفضل والبيئة وأهميتها للعمليات العسكرية.
  • الجيو معلوماتية: أنظمة المعلومات في ظل الإعلام الآلي المحوسب.

المراجع

  1. أبتجليل هاشم نوار كاظم عباس المعيني محمد،ما بين الجيوبوليتيك والجيوستراتيجية: دراسة في اختلاف المفاهيم، صفحة 1. بتصرّف.
  2. أبت”الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين”،ستراتيجكس، 23/6/2021، اطّلع عليه بتاريخ 28/1/2022. بتصرّف.
  3. (25/3/2010)،”الفرق بين الإستراتيجية والجيوستراتيجية”،جريدة الرياض، العدد 15249. بتصرّف.
  4. د. سعود عابـد (25/3/2015)،”الفرق بين الإستراتيجية والجيوستراتيجية”،الرياض، العدد 15249. بتصرّف.
  5. جليل هاشم نوار كاظم عباس المعيني محمد،ما بين الجيوبوليتيك والجيوستراتيجية: دراسة في اختلاف المفاهيم، صفحة 2. بتصرّف.
  6. “ما معنى الجيوستراتيجية”،مفهرس، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
  7. محمد سليمان علي،تأثي البعد الجيوستراتيجي في صناعة السياسة التركية، صفحة 17. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز علم الاجتماع الثابت عن علم الاجتماع المتحرك

المقال التالي

تمييز الاستعارة الضمنية عن التشبيه الواضح

مقالات مشابهة

الغابات المدارية المطيرة: بيئة غنية بالتنوع

استكشف الغابات المدارية المطيرة: مواقعها الجغرافية، أنواعها المتميزة، خصائصها الفريدة، والتحديات التي تواجهها. تعرف على هذه البيئة الحيوية وأهميتها لكوكبنا.
إقرأ المزيد