مقدمة عامة
تتنوع الأساليب المستخدمة في البحوث العلمية، ومن أبرزها المناهج الكمية والنوعية والمختلطة. كل منهج له أدواته وتقنياته الخاصة في جمع وتحليل البيانات. عند الشروع في أي بحث، يجب اتخاذ قرارين حاسمين: الأول يتعلق بكيفية جمع المعلومات وتحديد طبيعتها، والثاني يركز على طريقة تحليل هذه البيانات. تختلف أساليب التحليل بشكل كبير بين هذه المنهجيات البحثية المتنوعة. لفهم أعمق للاختلافات الجوهرية بين هذه المناهج، يمكننا استعراض تعريفات موجزة لكل منها.
المنهج الكمي: نظرة مفصلة
البحث الكمي هو دراسة الظواهر من خلال جمع البيانات القابلة للقياس، مما يسمح للباحث باستخدام التقنيات الإحصائية والحسابية. يعتمد الباحث في هذا المنهج على جمع البيانات من خلال استطلاعات الرأي والاستبيانات المغلقة التي يتم توزيعها على عينة كبيرة من الأفراد. في النهاية، يتم تحويل هذه البيانات إلى أرقام يمكن تحليلها واستخلاص النتائج منها لاتخاذ إجراءات بناءً على فهم هذه الأرقام.
على سبيل المثال، إذا أراد باحث دراسة الوقت الذي يستغرقه الطبيب في علاج مريض داخل المستشفى، يمكنه توزيع استبيانات على المرضى لقياس مدى رضاهم عن الوقت الذي يقضيه الطبيب معهم، وعدد مرات زيارة الطبيب للمريض، وغيرها من الأسئلة التي تعتمد على البيانات الرقمية.
تتميز نماذج البحث الكمي بأنها موضوعية ودقيقة، وتكون النتائج غير متحيزة ومنطقية وإحصائية. هذا يسمح بتعميم النتائج واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتحسين الأداء.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات: 6). هذا يدل على أهمية التثبت من المعلومات قبل اتخاذ أي قرار.
المنهج النوعي: استكشاف معمق
البحث النوعي هو النقيض للبحث الكمي، حيث يركز على جمع البيانات غير الرقمية مثل النصوص ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية. يستخدم هذا النوع من البحوث لفهم المفاهيم والآراء والتجارب، وتكوين رؤية معمقة حول مشكلة معينة، أو لإنشاء أفكار جديدة للأبحاث.
يستخدم البحث النوعي بشكل شائع في دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل التعليم والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والصحة والتاريخ وغيرها. يتم جمع المعلومات في البحث النوعي بعدة طرق، بما في ذلك:
- الملاحظة: يتم جمع البيانات من خلال تسجيل ما يراه ويسمعه أو يصادفه الباحث بطريقة مفصلة.
- المقابلة: يمكن أن تكون المقابلات فردية وشخصية، حيث يتم طرح أسئلة مفتوحة، أو جماعية، وتسمى أيضًا مجموعات التركيز، حيث يتم طرح أسئلة قابلة للنقاش.
- المسوح والاستبيانات: يتم توزيع استبيانات على العينة، وتتميز أسئلتها بأنها مفتوحة تتيح للمشاركين التعبير عن آرائهم بحرية.
يتم تحليل البيانات في البحث النوعي عن طريق تصنيفها وتحديدها وتفسير الأنماط. من خلال هذا التحليل، يتوصل الباحث إلى فهم عميق لمشكلة ما أو يربط بين متغيرين لتحديد العلاقة بينهما. ومع ذلك، من بين سلبيات هذه الطريقة أنها ذاتية وغير قابلة للتعميم في الغالب، بالإضافة إلى أن حجم البيانات التي يتم جمعها كبير ويصعب إدارتها وتحليلها.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». هذا الحديث يحث على التدقيق في الكلام والتفكير قبل النطق به، وهو ما يتوافق مع أهمية التحليل الدقيق في البحث النوعي.
المنهج المختلط: تكامل الأساليب
البحث المختلط هو استخدام أساليب تجمع بين عناصر البحث الكمي والبحث النوعي. يساعد هذا النوع من البحوث على تقديم صورة أكثر اكتمالاً للدراسة لأنه يجمع بين مزايا الطريقتين. يمكن استخدام هذه الطريقة إذا كان يتضمن بيانات كمية ونوعية يجب قياسهما معًا. يتميز هذا النوع من البحوث بقابليته للتعميم ومصداقيته.
خلاصة واستنتاجات
في الختام، تتنوع المناهج البحثية بين الكمية والنوعية والمختلطة، ولكل منها أدواته وميزاته الخاصة. يعتمد اختيار المنهج المناسب على طبيعة البحث والأهداف المرجوة. الفهم العميق لهذه المناهج يساعد الباحثين على إجراء دراسات علمية دقيقة وموثوقة.