تمييز المفهومين: الثقافة والحضارة

استكشاف مفهومي الثقافة والحضارة، الفروقات الدقيقة بينهما، واستعراض الثقافة والحضارة الإسلامية وسماتها المميزة.

مقدمة

التنوع الثقافي سمة بارزة تميز المجتمعات عن بعضها البعض. عند استعراض مصطلح الثقافة، نجد أنه مشتق من الفعل “ثَقِفَ”، الذي يحمل معاني متعددة تشمل التعليم والمعرفة والفنون. هذا المقال سيوضح مفهوم الثقافة والحضارة والفروقات بينهما، ثم يعرج على الحضارة والثقافة الإسلامية.

تعريفات: الثقافة والحضارة

يُعتبر إدوارد تايلور من أوائل من وضعوا تعريفًا للثقافة، حيث يراها بأنها “الكل المعقد الذي يشتمل على المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وأية قدرات أو عادات أخرى يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في المجتمع”. وفي إعلان مكسيكو الصادر في 6 أغسطس 1982، تم اعتماد تعريف أوسع للثقافة يشمل “مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعًا أو مجموعة اجتماعية. وتشمل هذه السمات أساليب الحياة، وطرق العيش، والقيم، والنظم، والمعتقدات، والفنون، والتقاليد”.

أما الحضارة، فهي تعني الإقامة في الحضر، وتمثل مرحلة متقدمة من التطور الإنساني تتجاوز البداوة. وتُعرف الحضارة بأنها “مجموع الإنجازات العلمية والأدبية والفنية والاجتماعية التي يتميز بها مجتمع معين”. يمكن تعريفها أيضًا بأنها “كل ما يراكمه البشر عبر التاريخ من تراث مادي، كالمباني والفخار، ومعنوي، كالآداب والعلوم والفنون.”

الفروق الجوهرية بين الثقافة والحضارة

نشأت نقاشات كثيرة حول مفهومي الثقافة والحضارة والفروق بينهما. يعتبر البعض الثقافة مرادفة لحب المعرفة والاطلاع، وقد احتاجت ثقافة المجتمعات لأسباب عديدة للبقاء عبر العصور، فكان ذلك من دوافع نشأة الحضارة. يمكن النظر للعلاقة بين الحضارة والثقافة بمنظور الأصل والفرع. وفي هذا السياق، يمكن ذكر الاتجاهات الناتجة عن الدراسات الاجتماعية لمفهومي الحضارة والثقافة:

  • الاتجاه الأول: يرى أن الثقافة والحضارة وجهان لعملة واحدة، ويعتبر المصطلح (Civilization) معبرًا عنهما معًا دون تمييز، كما هو شائع لدى الفرنسيين.
  • الاتجاه الثاني: يقتصر مفهوم الحضارة على الجانب المادي للثقافة.
  • الاتجاه الثالث: يعتبر الثقافة جزءًا من الحضارة بشقيها المادي والمعنوي، وهو الاتجاه السائد في الغرب.

عند الحديث عن الفروق بين المفهومين، يجب الإشارة إلى أن الثقافة تمثل الجانب التطبيقي أو الشفهي من حياة الإنسان، وهو جانب متغير، بينما الحضارة تمثل الجانب الثابت. فالحضارة الإسلامية، على سبيل المثال، ثابتة وموحدة، بينما الثقافة الإسلامية متنوعة وتختلف من مجتمع لآخر.

يرى المفكرون والسياسيون علاقة مختلفة بين الثقافة والحضارة. يرى تزفيتيان تودوروف أن الثقافة والحضارة مستقلتان وغير متعارضتين، فوجود الثقافة شرط أساسي لتكون الحضارة. وقد ميز كل من فضل الله إسماعيل وعبد الرحمن خليفة بين المفهومين بأن الحضارة هي كل ما يصدر عن الإنسان من الناحية المادية، بينما الثقافة هي الجانب المعنوي والفكري فقط. بشكل عام، حدد العرب مفهوم الثقافة والحضارة؛ فالحضارة تعني علم العمران أي الإنجاز المادي للإنسان، بينما الثقافة هي الإنجاز المعنوي.

نظرة في الحضارة والثقافة الإسلامية

عند الحديث عن الثقافة والحضارة، لا بد من ذكر الحضارة والثقافة الإسلامية لما تتميزان به من خصائص فريدة. فقد أنتجت الثقافة الإسلامية تراثًا ضخمًا في جميع مجالات الحياة. أما الحضارة الإسلامية، فقد جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بمبادئ إصلاحية نظمت العالم ووجهته نحو الطريق الصحيح.

السمات المميزة للثقافة الإسلامية

تتميز الثقافة الإسلامية بعدة خصائص تجعلها مختلفة عن غيرها، منها:

  • ربانية المصدر: تستمد الثقافة الإسلامية أصولها من الوحي، مما يجعلها ثقافة انتماء لعقيدة التوحيد. فالله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وهو من استخلف الإنسان في الأرض.
  • التوازن: تحقق الثقافة الإسلامية توازنًا بين ما يتلقاه الإنسان من الوحي وما يدركه بعقله، وكذلك بين مشيئة الله المطلقة ومشيئة الإنسان المحدودة.
  • إنسانية: لا تفرق الثقافة الإسلامية بين الناس على أساس العرق أو اللون أو اللغة أو النسب، فميزان التفاضل فيها هو التقوى. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].
  • التوحيد: تقوم الثقافة الإسلامية على عبادة الله وحده لا شريك له، فهو من وهب لنا الحياة.
  • الشمولية: تتسم الثقافة الإسلامية بالشمولية والاتساق، فهي ثقافة متكاملة ومتصلة ببعضها البعض بقانون واحد.
  • الإيجابية: تأمر الثقافة الإسلامية بالمعروف وتنهى عن المنكر، مما يجعلها قادرة على درء المفاسد وبناء المجتمع.
  • التطور والثبات: تتميز الثقافة الإسلامية بالثبات في الأصول والمبادئ، والتطور في التطبيقات بما يتناسب مع الزمان والمكان.

المراجع

  1. غنى القريشي (23-5-2-11)،”مفهوم الثقافة وخصائصها”،www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-20182. بتصرّف.
  2. أحمد عاشور (28-5-2016)،”تعريف الثقافة لغة واصطلاحا”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-3-2018. بتصرّف.
  3. “تعريف ومعنى حضارة في معجم المعاني الجامع”،www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018.
  4. عبد الحميد حمودة،الحضارة العربية الإسلامية و تأثيرها العالمى، مصر: الدار الثقافية للنشر، صفحة 10. بتصرّف.
  5. ياسر تاج الدين (26-8-2015)،”تعريف الحضارة وأسسها في الإسلام”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-3-2018. بتصرّف.
  6. مصعب البوعليان (15-10-2011)،”نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018. بتصرّف.
  7. غازي دحمان،”الثقافة والحضارة مقاربة بين الفكرين الغربي والإسلامي”،www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-2-2018. بتصرّف.
  8. يحيى قاعود،أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد : دراسة تحليلية مقارنة، عمان – الأردن: دار المنهل، صفحة 45. بتصرّف.
  9. حسن منصور،ماتحت الرماد(الطبعة الثانية)، عمان – الأردن: أمواج للنشر والتوزيع، صفحة 132-135. بتصرّف.
  10. يحيى قاعود،أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد : دراسة تحليلية مقارنة، عمان -الاردن: دار المنهل، صفحة 46-47. بتصرّف.
  11. أحمد المومني،الثقافة الإسلامية: دراسات ومفاهيم حديثة، عمان – الأردن: دار المنهل، صفحة 19. بتصرّف.
  12. ياسر تاج الدين (26-8-2015)،”تعريف الحضارة وأسسها في الإسلام”،www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-2-2018. بتصرّف.
  13. أحمد المومني،الثقافة الإسلامية: دراسات ومفاهيم حديثة، عمان – الأردن: دار المنهل، صفحة 26-29. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

تمييز الثقافة المادية عن اللامادية

المقال التالي

التمييز بين الاعتزاز بالنفس والتعالي

مقالات مشابهة

أهمية الانقسام الخلوي: أساس الحياة والتكاثر

استكشف أهمية الانقسام الخلوي، سواء المتساوي أو المنصف، ودوره في النمو، التكاثر، وإصلاح الخلايا. تعرف على آليات هذه العملية الحيوية وكيف تساهم في استمرار الحياة على الأرض.
إقرأ المزيد