مقدمة
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده بفيض من النعم، ومن بين هذه النعم أمور خارقة للعادة. بعض هذه الخوارق خص بها الأنبياء والرسل وتُعرف بالمعجزات، في حين أن البعض الآخر يختص بعباد الله الصالحين ويُطلق عليه اسم الكرامة. سنقوم بتوضيح كل من هذين المفهومين بشكل مفصل.
تعريف المعجزة والكرامة
المعجزة: هي أمر استثنائي، يتجاوز المألوف من العادات والسنن الطبيعية، ويقع خارج قدرة البشر. يجريها الله تعالى على يد نبي مرسل، لتكون دليلًا قاطعًا على صدق نبوته ورسالته.
الكرامة: هي فضل من الله يكرم به عباده الصالحين، المتقين المقربين إليه. لا تتجاوز الكرامة المألوف بشكل كبير، والأصل فيها الإخفاء والتستر، ولا يُقصد بها التحدي.
بمعنى آخر، المعجزة هي حدث خارق يظهر بشكل علني وواسع النطاق ليثبت صدق النبي ورسالته، وتكون بمثابة حجة قوية على أقواله. أما الكرامة، فتحدث لأهل الصلاح والتقوى في الخفاء، وغالبًا ما يكون ظهورها فتنة للناس. إذا تكررت الكرامة وانتشرت بين الناس، فقد تصبح أمرًا عاديًا في حق الولي، وبالتالي تفقد قيمتها ككرامة. وفي حال ظهور نبي في ذلك الزمن، قد تصرف هذه الكرامات الناس عن النظر إلى معجزة النبي الجديد.
الاختلافات الرئيسية بينهما
تتعدد الجوانب التي تُميز المعجزة عن الكرامة، ومن أبرز هذه الجوانب:
- الدعوة: المعجزة تكون مرتبطة بدعوة النبوة، وتظهر بشكل عام، بينما الكرامة تحدث نتيجة اتباع النبي والاستقامة على شريعته، وصاحبها لا يدعي النبوة، وهي ليست عامة. ومع ذلك، يتفقان في كونهما من الأمور الخارقة للعادة.
- العصمة: معجزات الأنبياء تعتبر معجزات كبرى، حيث يختارهم الله ويصطفيهم بالعصمة في أعمالهم وعباداتهم. أما كرامة الولي فهي من آثار معجزات الرسول الذي يعبد الله بشرعه، وتعتبر معجزة صغرى. لأن كرامة الولي تدل على صدق النبي الذي آمن به الولي واتبع شريعته، والولي غير معصوم، وقد يخطئ في بعض أعماله وعباداته.
- الحاجة: تحدث المعجزات لحاجة الناس وهدايتهم لشرع الله، بينما تحدث الكرامة بحسب حاجة الولي، حيث يأتيه منها ما يكفيه لتقوية إيمانه، أو لتفريج ضيق عنه أو عن من يدعو له، أو لتنفيس كربته. الكرامة تدل على ولاية الله للعبد، وأن العبد مجتهد في طاعة الله، لكنه لم يُصطفَ من الله لهذا الغرض المحدد.
نماذج للمعجزات
هناك العديد من المعجزات التي ذكرت في القرآن الكريم، ومنها:
- معجزة عيسى عليه السلام: كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 110].
- معجزة موسى عليه السلام: كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وقوله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ [الأعراف: 107]، بالإضافة إلى شق البحر، والطوفان، والسنين، ونقص الثمرات.
- معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: مثل القرآن الكريم الذي هو المعجزة الكبرى، والإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ومخاطبته لقتلى بدر، وحنين جذع النخلة. قال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88]. وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]. وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]. فالقرآن الكريم هو أعظم معجزة أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتحدى بها البشر جميعًا.
أمثلة للكرامات
ثبت عند أهل السنة والجماعة حصول العديد من الكرامات لبعض أولياء الله الصالحين، والأتقياء المقربين من الله تعالى، ومن ذلك:
- كرامات أهل القبور من أولياء الله من نزول الأنوار والملائكة، وحصول السكينة عندهم، واندفاع النار عن قبورهم، وشفاعة بعضهم كالشهداء. وهذه وإن كانت حقًا، لكن لا يستحسن ممارسة أي عبادة من نُسك معين أو دعاء عند قبورهم لما يترتب عليها من مفاسد.
- ذكر أن الإمام البخاري عندما دُفن فاح من تراب قبره رائحة أطيب من المسك، فبقي ذلك أيامًا، ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره، فتعجب الناس من ذلك.