تمييز الظواهر الاجتماعية عن المعضلات الاجتماعية

استكشاف الفرق بين الظواهر الاجتماعية والمشاكل الاجتماعية وتأثير كل منهما على المجتمع. تحليل مفصل للعلاقة المعقدة بينهما وأمثلة واقعية.

تعريف المعضلة الاجتماعية

تُعرف المعضلة الاجتماعية بأنها حالة أو سلوك ينطوي على آثار سلبية تؤثر على شريحة واسعة من الناس. وعادةً ما يتم تحديدها على أنها سلوك يستدعي التدخل والمعالجة. بالتالي، فإن الشرطين الأساسيين لتصنيف سلوك ما على أنه معضلة مجتمعية هما: التأثير على شريحة كبيرة من المجتمع، والاعتقاد بضرورة تغيير هذا السلوك وتقويمه.

كما يشير مصطلح “المعضلة الاجتماعية” إلى الظروف الاجتماعية التي تضر بالمجتمع، مثل الجرائم والتمييز العنصري وغيرهما. وهي عبارة عن سلسلة من الحالات التي يعتبرها العديد من المراقبين بمثابة معضلة ذات تبعات وخيمة.

يتبنى علم الاجتماع منهجًا تحليليًا مختلفًا تمامًا لتعريف المعضلة الاجتماعية، ويتمثل في تحديد الآلية التي أدت إلى اعتبار سلوك معين معضلة مجتمعية. أي أنه يركز على كيف ولماذا يعتقد الناس أن بعض الظروف تستحق أن تُنظر إليها على أنها “معضلة”.

عادة ما تتبع معايير غير ثابتة نسبيًا لتحديد هذه المشاكل؛ أي أنها تتبع توجهات ورؤى فردية. فما أن تنتقد فئة مجتمعية بارزة أمرًا، وتطلق عليه لقب “المعضلة الاجتماعية” حتى يبدأ الآخرون برؤية الأمور من ذلك المنظور، ثم يشاركونهم ادعائهم، أي أنها تتفشى كالعدوى.

تفسير الظاهرة المجتمعية

تشمل الظواهر الاجتماعية جميع التصرفات التي يمكن أن تؤثر أو تتأثر بالكائنات الحية، بالقدر الذي يكفي لإحداث رد فعل من أحدهما تجاه الآخر. وهذا التعريف يشمل جميع التأثيرات من الأجيال السابقة وعبر السنوات اللاحقة.

تقدم الدراسات الاجتماعية أساسًا لهذا المفهوم. ومن التطورات التي تمت على هذه الدراسات: الاتجاه السلوكي، والتأكيد على الطبيعة الموضوعية للحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى دراسة المجموعات، والحياة الجماعية، والدراسة البيئية، والإيكولوجية.

لتحديد هذا المفهوم، يذهب الباحثون إلى الاعتقاد بأن الأساس البارز لهذا التمييز، أو التحديد هو أساس نفسي يسمى “الوعي”. بحيث لا يشترط وجود نشاط واعي من قبل الكائنات الحية لحدوث التأثيرات، والتفاعلات التي تشكل الظواهر المجتمعية.

وبمعنى آخر، فإنه يتم التشكيك في التفاعل الواعي المحتاج لعملية “التفكير”، أو النشاط المفاهيمي. فلا يمكننا الجزم بدقة فيما إذا رافق هذه التأثيرات وعي ما بها وبنتائجها. فالبشر غالبًا ما يمارسون عددًا كبيرًا من التأثيرات التي لا يدركونها، أي أنه لا تسبقها عمليات تفكير.

الفروقات الجوهرية بين المعضلة والظاهرة

بفهم التعريفات السابقة لكل من الظاهرة والمعضلة المجتمعية، يمكننا القول بأن مفهوميهما قريبان من بعضهما للغاية، ولا يمكن التمييز بينهما بأكثر من المفهوم. فالعلاقة التي تربطهما تعتبر معقدة حقًا، كما أن أحدهما يؤدي إلى الآخر بطريقة سببية وتبادلية في ذات الآن.

وتفسير ذلك أن المعضلات المجتمعية عبر تطورها، واستمرارها بمرور السنوات تؤدي إلى تكوين ظواهر اجتماعية منتشرة على مستويات أكبر وأشد خطورة. وفي نفس الوقت، فإن بإمكان هذه الظواهر الناتجة التسبب بمعضلات جديدة.

كما أنها تؤدي إلى مفاقمة المعضلات التي سببت وجودها في بادئ الأمر. أي أنهما يتفاعلان في حلقة مغلقة تؤدي كل نقطة منها إلى الأخرى، تمامًا كلغز الدجاجة والبيضة: من جاء أولًا؟.

إلا أن هناك مجموعة أخرى من المشاكل والظواهر المجتمعية التي تنتج بشكل مفاجئ نتيجة لتغيرات بيئية أو سياسية أو حكومية أو غيرها، وليست بتأثير مرور الوقت وتفاقم الأوضاع التي تركت بلا حل أو علاج ما.

وعلى سبيل المثال “فظاهرة الفساد” المتفشية في كل البلدان تتسبب في “معضلة الفقر” في قاع السلم الاقتصادي، ومعضلة “تجارة العبيد” أو “الاتجار بالأعضاء”. ولكننا لا نستطيع أن ننفي تدخل يد الفقر في ظهور نوعي التجارة سابقي الذكر! فمن بدأ أولًا؟ الفساد بجميع أشكاله الأخلاقي والاقتصادي وغيره، أم الفقر أم تجارة العبيد والأعضاء؟.

ويمكنك أن تأخذ أيضًا “ظاهرة عمالة الأطفال”. فمن الطبيعي أن تكون “معضلة الفقر” قد غذت جذور هذه الظاهرة، ولكن أليس من الطبيعي أيضًا الاعتقاد بأن “ظاهرة الفساد الأخلاقي” قد تسببت بنشوء ظاهرة عمالة الأطفال؟ فليس هناك طريقة راجحة للجزم بأن “المعضلة الاجتماعية” تسببت في “الظاهرة الاجتماعية” أم العكس.

وعند النظر إلى معضلة الفقر، فإن المسؤولين يفضلون إلقاء اللائمة على الفقراء الذين لا يرغبون بتغيير مصائرهم، ويفضلون تلقي المساعدات والمعونة الوطنية، الأمر الذي يشير إلى فهم خاطئ لأصل المعضلة وأبعادها.

ومع بقاء هذه المعضلة لسنوات فإنه سينشأ عنها بالضرورة ظواهر مجتمعية وخيمة كالسرقة والقتل وتجارة المخدرات وغيرها. ولهذا تعتبر المسألة شديدة التشابك، فجميع أطرافها تغذي بعضها البعض.

المصادر

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز الطيران المدني عن الطيران الحربي: تحليل شامل

المقال التالي

تمييز المفهومين: الظاهرة والإشكالية

مقالات مشابهة