تمييز السجع من الجناس: دراسة تحليلية

استكشاف الفروق الجوهرية بين السجع والجناس في اللغة العربية. تحليل للجناس التام والناقص، وأوجه الاختلاف في الاستخدام. تمارين لتوضيح التمييز بينهما.

مقدمة

تزخر اللغة العربية بجماليات فريدة تضفي على النصوص رونقًا وبهاءً. من بين هذه الجماليات، يبرز السجع والجناس كتقنيتين بلاغيتين تهدفان إلى إحداث تأثير صوتي ومعنوي في المتلقي. يهدف هذا المقال إلى توضيح الفروق الأساسية بين هذين الفنين البلاغيين، مع تقديم أمثلة وتدريبات تساعد على التمييز بينهما.

تعريفات أساسية: السجع والجناس

السجع: هو توافق نهايات الجمل (الفاصلة في النثر، وهي كالقافية في الشعر) في الحرف الأخير. يعتبر السجع من المحسنات البديعية اللفظية التي تعتمد على الجرس الموسيقي.

الجناس: هو تشابه كلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى. يهدف الجناس إلى خلق مفارقة لغوية تثير الانتباه وتعمق المعنى. يُعرف الجناس أيضًا بالتجنيس، والتجانس، والمجانسة، ويكون مستحسنًا عندما يخدم المعنى ويبرزه.

أنواع الجناس: نظرة مفصلة

ينقسم الجناس إلى نوعين رئيسيين:

الجناس المطابق (التام)

هو ما اتفقت فيه الكلمتان المتجانستان في أربعة أمور: نوع الحروف، وعددها، وشكلها (حركاتها)، وترتيبها، مع اختلاف المعنى بينهما. مثال على ذلك قول الله تعالى:

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55]

في هذه الآية، تتفق كلمة “الساعة” (بمعنى يوم القيامة) مع كلمة “ساعة” (بمعنى جزء من الزمن) في كل شيء عدا المعنى.

الجناس غير المطابق (الناقص)

هو ما اختلفت فيه الكلمتان في واحد أو أكثر من الأمور الأربعة المذكورة في الجناس التام (نوع الحروف، وعددها، وشكلها، وترتيبها). قد يكون الاختلاف بزيادة حرف في بداية الكلمة أو وسطها أو نهايتها. مثال على ذلك قول الشاعر:

هَلّانَهاكَ نُهاكَ
عن لَومِ امرئ
لم يُلفَ غَيرَ مُنَعَّمٍ بِشَقَاءِ

اختلافات الاستخدام بين السجع والجناس

يظهر السجع في الحرف الأخير من النثر، حيث تتوافق أواخر الكلمات في الفواصل. يعتبر النثر المجال الرئيسي للسجع، بينما يندر وجوده في الشعر. مثال على السجع في النثر:

يروى أن الزبراء كاهنة بني رئام أنذرتهم غارة عليهم فقالت: “واللوحالخافق، والليلالغاسق، والصباحالشارق…

أما الجناس، فيظهر في كلمتين تختلفان في المعنى. يمكن أن يظهر الجناس في الشعر والنثر، ولكنه يعتبر زينة للشعر بشكل خاص. أمثلة على الجناس في النثر: “ارعَ الجارَ ولو جارَ“، و “دوامُ الحالِ من المُحال“.

مثال على الجناس في الشعر:

ما مات من كرمِ الزمان فإنه
يحيى لدى يحيى بن عبد الله
بيض الصفائح لا سود الصحائف
في متونهن جلاء الشك والريب

تمارين تطبيقية: تحديد السجع والجناس

المثالالنوعالتبرير
يرى العَالِمُ العَالَمَ مختلفًا.جناس ناقصجاءت الكلمة الأولى (العَالِم) بمعنى صاحب العلم، أما الكلمة الثانية (العَالَم) فهي بمعنى الخلق كله. اختلفت اللفظتان في هيئة الحروف (الحركات)، واختلفتا في المعنى، واتفقتا في نوع الحروف وعددها وترتيبها.
قالت أمل: إنّ الأمل يبث في المرء الحياة.جناس تامجاءت الكلمة الأولى (أمل) بمعنى اسم لأنثى، أما الكلمة الثانية (الأمل) فكانت بمعنى الرجاء والتفاؤل. اتفقت الكلمتان في عدد الحروف، ونوعها، وترتيبها، وهيئتها، ولكنهما اختلفتا في المعنى.
رأيت في الصمت راحةً، وفي التجاهل سكينةً، وفي العفو رفعةً، وكل ذلك ما يزيد في المرء إلا سموًا وعزةً.سجعتوافقت الفواصل في الحرف الأخير من كل جملة.

السجع والفاصلة القرآنية: مقارنة

من الشائع الخطأ القول بأن القرآن مسجوع، ولكن قضية الفواصل القرآنية حظيت بعناية واهتمام كبيرين منذ بداية عصر التأليف في الدراسات القرآنية والبلاغية. يمكن تعريف الفاصلة القرآنية بأنها الكلام المنفصل عما بعده، وقد تكون رأس آية أو غيرها، وكل رأس آية فاصلة، ولكن ليس كل فاصلة رأس آية.

فالفاصلة أعم، وتقع عند الاستراحة من الخطاب لتحسين الكلام، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام. سُميت بالفواصل لأنه ينفصل فيها الكلام، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها، ولم يسموها أسجاعًا. الفواصل القرآنية أيضًا حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني.

وقد عرفنا السجع سابقًا بأنه توافق الفاصلتين في الحرف الأخير من النثر. ومع الفرق في التعريف بينهما، فالسجع شيء يقصد في ذاته ثم يحيل المعنى عليه، أي أن المعاني تابعة له، وقد اعتبره البعض عيبًا لما فيه من التكلف. أما الفواصل القرآنية، فتتبع المعنى ولا تكون مقصودة بذاتها، وهي من البلاغة.

والخلاصة الفواصل القرآنية مقصودة للمعنى العام للآية أما السجع فيقصد لذاته و يتبع المعنى.

المراجع

  • أبو السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 325. بتصرّف.
  • سورة الروم، آية:55
  • “لائمي في حب مَن مِن أجله”، الديوان.
  • شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 421. بتصرّف.
  • أبتكمال الدين مرسي، فواصل الآيات القرآنية، صفحة 9. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مقارنة بين الأسد والضبع: نظرة متعمقة

المقال التالي

تمييز بين السحب والغيوم

مقالات مشابهة