تمييز الحديث الصحيح عن الحديث الحسن

استكشف الفروقات الجوهرية بين الحديث الصحيح والحديث الحسن من حيث الشروط والأركان، بالإضافة إلى حجية كل منهما في الأحكام الشرعية.

يُعدّ الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. وقد اهتم علماء الحديث بتصنيف الأحاديث وتمييزها بناءً على درجة ثبوتها، ومن أبرز هذه التصنيفات التمييز بين الحديث الصحيح والحديث الحسن.

المعيار المعتمد في تصنيف الحديث: الشروط

عند النظر إلى تعريف كل من الحديث الصحيح والحديث الحسن، نجد أن هناك معايير دقيقة تفرق بينهما، وتتجلى هذه المعايير في الشروط الواجب توافرها في كل نوع. فيما يلي تفصيل لهذه الشروط:

مقومات الحديث الصحيح

يعرف علماء الحديث الحديث الصحيح بأنه: “ما اتَّصَلَ سَنَدُهُ بنقل العدل الضبط عن العدل الضبط، من أوَّل السَّند إلى آخره، من غير شُذوذٍ ولا علَّةٍ”. وبناءً على هذا التعريف، فإن الحديث الصحيح يجب أن يستوفي الشروط التالية:

  1. الاتصال في السند: يجب أن يكون كل راوٍ في السند قد تلقى الحديث مباشرةً ممن فوقه، وصولاً إلى الصحابي الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. ويخرج بهذا الشرط الحديث المرسل، والمعضل، والمعلق، والمنقطع، لأنها تفتقد إلى أحد الرواة في السند.
  2. العدالة في جميع الرواة: يجب أن يكون جميع الرواة متصفين بالتقوى والابتعاد عن الفسق وما يخل بالمروءة. والعدالة تعني استقامة الراوي في دينه وخلقه، امتثالاً لقوله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ). فخبر الفاسق لا يقبل حتى يتم التثبت منه، بينما خبر العدل مقبول.
  3. الضبط في جميع الرواة: يجب أن يكون الراوي حافظاً للحديث، سواء كان ذلك في صدره أو مكتوباً في كتابه، وأن يكون قادراً على استحضاره عند نقله.
  4. عدم الشذوذ: يجب ألا يكون الراوي مخالفاً لمن هو أوثق منه، لأنه في هذه الحالة يقدم الأوثق على الثقة. وقد اعتبر بعض علماء الحديث هذا الشرط جزءاً من شرط السلامة من العلل. قد يكون الشذوذ ناتجاً عن حديث آخر يخالف ما هو أصح منه. مثال ذلك: النهي عن الصيام بعد منتصف شهر شعبان، والذي يخالف الحديث الصحيح: (لَا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بصَوْمِ يَومٍ أوْ يَومَيْنِ، إلَّا أنْ يَكونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليَومَ). وقد أخذ الإمام أحمد بالحديث الصحيح واعتبر الحديث الأول شاذاً لمخالفته ما هو أصح منه.
  5. عدم وجود علة قادحة في الحديث: يجب أن يكون الحديث سليماً من العلل التي قد تؤثر في صحته، ويخرج بذلك الحديث المعلل.

مثال على الحديث الصحيح: ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ). فجميع رواة هذا الحديث ثقات وسمعوا من بعضهم، ولا يوجد في الحديث ما يقدح فيه من العلل.

مقومات الحديث الحسن

تعددت آراء المحدثين في تعريف الحديث الحسن، فمنهم من عرفه بأنه الحسن لذاته، ومنهم من عرفه بأنه الحسن لغيره. والحديث الحسن لذاته هو: “الحديث متصل السند الذي نقله العدل الذي خف ضبطه من غير شذوذ ولا علة”. ويختلف عن الحديث الصحيح في شرط الضبط، فالصحيح جميع رواته تامو الضبط، بينما الحسن رواته أخف ضبطاً.

ومثاله: ما أخرجه الإمام أحمد: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ من أبَرُّ؟ قالَ: أمَّكَ قالَ: قلتُ: ثمَّ مَن؟ قالَ: أمَّكَ قالَ: قلتُ: ثمَّ مَن؟ قالَ: أمَّكَ قالَ: قلتُ: ثمَّ مَن؟ قالَ: ثمَّ أباكَ ثمَّ الأقربَ فالأقربَ). وهذا الحديث متصل السند، ولا يوجد فيه شذوذ ولا علة، ولكن فيه بهز بن حكيم الذي قال عنه بعض العلماء أنه خفيف الضبط.

وقد اعتبر بعض العلماء الحديث الحسن نوعاً من أنواع الحديث الصحيح، وليس نوعاً مستقلاً عنه، ولكن العمل عند أهل الحديث على أنه نوع مستقل؛ لأنه في مرتبة أقل من الحديث الصحيح من حيث الاحتجاج به.

أما تعريف الحديث الحسن عند المتقدمين فهو:

  1. الحديث الذي يكون أقل درجة من الصحيح من حيث الإتقان والضبط في الرواة؛ كوجود الغلط والوهم، ولكن هذا الضبط لا يسقط الراوي من اعتبار روايته.
  2. الحديث الذي فيه نقص من حيث الاتصال أو الضبط عند حد يقبل عند ورود حديث آخر يؤيد معناه، ولا يقبل به منفرداً، وهو ما يسمى عند بعض المحدثين بالحديث الحسن لغيره، أو الضعيف المنجبر.

فالحديث الحسن يكون رجاله أخف ضبطاً من رجال الحديث الصحيح، وهو ما يفرق به بين الصحيح والحسن، لكن كلاهما يكونان سالمين من العلل والشذوذ.

مكانة الحديث الصحيح والحسن في التشريع

اتفق علماء الحديث والفقه والأصول على أن الحديث الصحيح حجة يجب العمل به، بغض النظر عن عدد رواته حتى وإن كان واحداً، أو ما يسمى بحديث الآحاد، فيؤخذ به في الأحكام الفقهية. وتعددت آراء العلماء في إثباته في العقائد، ولكن ذهب علماء السنة إلى إثبات خبر الآحاد في العقائد؛ لأنه يفيد العلم القطعي. ويمكن تقسيم الحديث الصحيح إلى قسمين:

  1. الحديث الصحيح الذي لم يأت ما يقويه، وهذا يفيد الرجحان، وهذا يجب العمل به، والأخذ به في الأحكام، وأما في العقيدة فلا يجب؛ لاحتمالية تطرق الخطأ إلى الراوي.
  2. الحديث الصحيح الذي توافرت فيه جميع شروط الصحة؛ فهذا يجب العمل به حتى في العقائد، ويفيد العلم اليقيني؛ لكون النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرسل الواحد والاثنين من الصحابة إلى بعض البلاد لتعليمهم أحكام الإسلام والإيمان وغير ذلك من الأحكام.

كما أن الأحكام تثبت بالأحاديث الصحيحة والحسنة، ويصح الاحتجاج بهما؛ لأنه قد توافر فيهما شروط قبول الحديث، ولكن الحديث الحسن يكون أقل درجة من الصحيح بحيث يجب النظر في الرواية ابتداءً؛ للتأكد من عدم تطرق الخطأ إليه. وذهب بعض علماء العقيدة إلى عدم قبول الحديث الحسن أو خبر الآحاد في بعض فروع العقيدة، ولكن الأصل عند أكثر أهل العلم الأخذ بهما في العقيدة؛ لتأييدها لأصل معلوم من الدين.

وممن ذهب إلى عدم الأخذ بخبر الآحاد في العقيدة؛ الرافضة والمعتزلة، ولكن الأخذ به هو مذهب العلماء في القديم والحديث؛ لإجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن بعدهم من التابعين على اعتباره، فقد تحول الصحابة عن القبلة أثناء صلاتهم عندما أخبرهم بذلك شخص واحد.

أما بالنسبة للحديث الحسن فهو معتبر في الأحكام عند الفقهاء، ويحتج به، وذهب إلى ذلك معظم المحدثين والأصوليين؛ لأن خفة ضبط الراوي فيه لا تخرجه عن أهلية الأداء كما سمع، ولكنه يكون في مرتبة أقل من الصحيح.

خلاصة

في الختام، يظهر أن الفروق بين الحديث الصحيح والحسن دقيقة وتتعلق بمدى ضبط الرواة، ولكن كلاهما يعتبر حجة في الأحكام الشرعية مع الأخذ بعين الاعتبار درجة كل منهما عند الاستدلال.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز الحديث المقبول عن الحديث المردود: دراسة مقارنة

المقال التالي

تمييز الحديث القدسي عن القرآن الكريم: دراسة مقارنة

مقالات مشابهة