مدخل إلى التشبيه والاستعارة
يعتبر كل من التشبيه والاستعارة من أهم الأدوات التعبيرية التي يعتمد عليها علم البيان في البلاغة العربية. كلاهما يهدف إلى إضفاء جمالية وقوة على الكلام، ولكنهما يختلفان في آليتهما وأسلوبهما.
الفروق الجوهرية بينهما
يكمن الاختلاف الرئيسي بين التشبيه والاستعارة في أن التشبيه يقوم على مقارنة صريحة بين شيئين يشتركان في صفة معينة، مع وجود أداة تشبيه ظاهرة أو مقدرة. بينما الاستعارة هي تشبيه ضمني أو مجازي، يتم فيه استعارة صفة من شيء لشيء آخر، مع حذف أحد أركان التشبيه الأساسية.
التشبيه هو علاقة مشابهة بين طرفين أو أكثر يشتركون بصفة أو أكثر باستخدام أداة ربط، وله أركان أربعة أساسية: المشبه، المشبه به، أداة التشبيه، ووجه الشبه. بينما الاستعارة علاقة ضمنية بين طرفين يحذف فيها أحد أركان التشبيه.
أقسام التشبيه
ينقسم التشبيه إلى عدة أنواع، تبعًا لوجود أو حذف أركانه المختلفة:
-
التشبيه المفرد: وينقسم إلى:
- التشبيه التام (المفصل): وهو ما ذكرت فيه جميع الأركان الأربعة، مثل قولنا: “الجندي كالأسد في شجاعته”.
- التشبيه المجمل: وهو ما حذف منه وجه الشبه، مثل: “الجندي كالأسد”.
- التشبيه المؤكد: وهو ما حذفت منه أداة التشبيه، مثل: “الجندي أسد في شجاعته”.
- التشبيه البليغ: وهو ما حذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه، مثل: “الجندي أسد”.
-
التشبيه التمثيلي: وهو تشبيه صورة كاملة بصورة أخرى، مع وجود وجه شبه مركب، ومثال ذلك قول الله تعالى: “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة.”[البقرة: 261]
في هذه الآية، يتم تشبيه حال المنفقين في سبيل الله بحال الحبة التي تنبت سبع سنابل مضاعفة الأجر والثواب. -
التشبيه الضمني: وهو تشبيه لا يأتي بصورة صريحة، بل يفهم من سياق الكلام، ويعبر عن فكرة أو حالة بطريقة غير مباشرة. مثال على ذلك قول الشاعر:
“من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام”
هنا الشاعر يصف حالة الشخص الذي اعتاد على الذل، بأنه كالميت الذي لا يشعر بالألم، فالشطر الثاني من البيت هو دليل على الشطر الأول.
أقسام الاستعارة
تتنوع الاستعارة إلى عدة أنواع رئيسية، أبرزها:
- الاستعارة التصريحية: وهي ما صرح فيها بالمشبه به وحذف المشبه، مثل قولنا: “رأيت بحراً يخطب على المنبر”، حيث استعير لفظ البحر للدلالة على العالم المتبحر في علمه.
- الاستعارة المكنية: وهي ما حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه، مثل قولنا: “ابتسم الدهر”، حيث شبه الدهر بالإنسان الذي يبتسم، وحذف الإنسان وأبقى على صفة من صفاته وهي الابتسام.
- الاستعارة التمثيلية: وهي استعارة تجري في الأمثال والحكم، حيث تستعار صورة كاملة لتمثيل موقف أو حالة معينة، مثل قولنا: “لكل جواد كبوة”.
نماذج من التشبيه والاستعارة
أمثلة توضيحية من القرآن الكريم والشعر العربي:
-
التشبيه:
-
قوله تعالى: “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص.”[الصف: 4]
هذا تشبيه مجمل، حيث يشبه الله تعالى المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله بالبنيان المرصوص القوي والمتماسك. -
قوله تعالى: “مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين.”[الجمعة: 5]
هذا تشبيه تمثيلي، حيث يشبه الله تعالى حال اليهود الذين لم يعملوا بالتوراة بحال الحمار الذي يحمل الكتب ولا يفهم ما فيها.
-
قوله تعالى: “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص.”[الصف: 4]
-
الاستعارة:
-
قوله تعالى: “والصبح إذا تنفس.”[التكوير: 18]
هذه استعارة مكنية، حيث شبه الصبح بالإنسان الذي يتنفس، وحذف الإنسان وأبقى على صفة التنفس. -
قوله تعالى: “وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا.”[النساء: 174]
هذه استعارة تصريحية، حيث شبه القرآن الكريم بالنور، وحذف القرآن وصرح بلفظ النور.
-
قوله تعالى: “والصبح إذا تنفس.”[التكوير: 18]
المصادر
- أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة.
- الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة.