مقدمة
في مسيرة الإنسان نحو الكمال والسمو الروحي، يواجه العديد من التحديات والعقبات التي تعيق تقدمه. من بين هذه التحديات، تبرز صفتا البخل والشح كآفتين تهددان نقاء النفس وسلامة المجتمع. غالباً ما يتم الخلط بين هذين المصطلحين، مع أنهما يحملان معاني مختلفة ويتطلبان استراتيجيات علاجية متباينة. تهدف هذه المقالة إلى توضيح الفروق الجوهرية بين البخل والشح، مع تقديم نظرة شاملة حول كيفية التعامل معهما والتغلب عليهما.
تحديد مفهومي البخل والشح
لفهم طبيعة كل من البخل والشح، يجب أولاً تحديد معناهما اللغوي والاصطلاحي. الشح هو الحرص الزائد والتصميم القوي على الحصول على الشيء، مع الإلحاح في طلبه والطمع فيه. إنه حالة نفسية تتسم بالرغبة الشديدة في التملك والاستحواذ. أما البخل، فهو الامتناع عن الإنفاق بعد الحصول على المال أو الشيء المرغوب، مع التمسك به وحبه الشديد.
بمعنى آخر، الشح يسبق عملية الحصول على المال أو الشيء، بينما البخل يأتي بعده. يمكن اعتبار البخل ثمرة من ثمار الشح، فالشخص الشحيح غالباً ما ينتهي به الأمر بالبخل. فالشح كامن في النفس، ومن استطاع التغلب عليه فقد فاز. كما قال تعالى: ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر: 9].
صور وأوجه البخل والشح
تتجسد صفتا البخل والشح في صور متعددة ومختلفة، منها:
- الشح في المال: وهو الإفراط في الحرص على جمع المال وتكديسه، وعدم الرغبة في إنفاقه حتى في الضروريات.
- الشح في المشاعر: يظهر في عدم القدرة على التعبير عن المودة والمحبة للآخرين. يقال “شحيح بالمودة”، ولا يقال “بخيل بالمودة”.
- البخل في الإنفاق: يتعلق بالمال بشكل خاص، ويتمثل في الامتناع عن إخراج الزكاة والصدقات، وعدم الإنفاق على الأهل والأقارب المحتاجين.
من الجدير بالذكر أن الشح يعتبر غريزة فطرية موجودة في الإنسان، وهو ملازم له كالطبع. وغالباً ما يكون مصدره القلب، وعندما يستولي الشح على القلب، يضعف الإيمان. فالشح في طاعة الله يقود إلى التقصير في العبادات والواجبات الدينية.
سبل التغلب على البخل والشح
يمكن التغلب على صفتي البخل والشح من خلال اتباع الطرق التالية:
- التفكر في العواقب: التأمل في الآثار السلبية المترتبة على البخل والشح في الدنيا والآخرة، وكيف أنهما يجلبان الهم والغم ويحرمان صاحبهما من السعادة الحقيقية.
- الإيمان بالجزاء: اليقين بأن الله تعالى يجزي المتصدقين والمنفقين خيراً، وأن الإنفاق في سبيل الله لا ينقص المال بل يزيده بركة ونماء.
- التدبر في القرآن: قراءة آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن فضل الإنفاق والكرم، وعن عاقبة البخلاء والشحيحين.
- الاقتداء بالنبي ﷺ: اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس وأكرمهم. فقد ورد في السنة النبوية: ((كانَ رسولُ اللَّهِ أجودَ النَّاسِ وَكانَ أجودَ ما يَكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ وَكانَ جبريلُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ من شَهرِ رمضانَ فيدارسُهُ القرآنَ قالَ كانَ رسولُ اللَّهِ حينَ يلقاهُ جبريلُ عليْهِ السَّلامُ أجودَ بالخيرِ منَ الرِّيحِ المرسلَةِ)) [رواه الألباني في صحيح النسائي].
- تجنب الأسباب: الابتعاد عن الأسباب التي تؤدي إلى البخل والشح، مثل مجالسة البخلاء والتركيز على جمع المال.
- الدعاء والتضرع: الإلحاح في الدعاء إلى الله تعالى بأن يرزقنا الكرم والجود، وأن يطهر قلوبنا من البخل والشح.
- محاسبة النفس: مراقبة النفس ومحاسبتها على كل تصرف يتعلق بالمال، والحرص على الإنفاق في وجوه الخير.
- الأعمال الصالحة: الإكثار من الأعمال الصالحة التي تدعو إلى الإنفاق والكرم، مثل التصدق وزيارة المرضى وإعانة المحتاجين.
- الأخلاق الفاضلة: التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تدعو إلى الكرم والجود، والابتعاد عن الأخلاق الذميمة التي تدعو إلى البخل والشح.
المصادر
- مطلب في بيان الفرق بين الشح والبخل
- أبو هلال العسكري. (1412هـ). معجم الفروق اللغوية = الفروق اللغوية بترتيب وزيادة (الطبعة الأولى). قم: مؤسسة النشر الإسلامي.
- الشح والبخل