تمييز الارتباط والوحدة في النصوص

استكشاف الفروقات بين الارتباط والوحدة في النصوص. نظرة على الاختلافات في المفهوم، الأساس، والخصائص. الارتباط. الوحدة. المراجع.

مقدمة

يهدف هذا المقال إلى توضيح الفرق بين مفهومين أساسيين في دراسة النصوص وتحليلها، وهما: الارتباط والوحدة. على الرغم من أن هذين المصطلحين قد يبدوان مترادفين للوهلة الأولى، إلا أنهما يحملان دلالات مختلفة ويشيران إلى جوانب متباينة من بنية النص وتركيبه. الارتباط يشير بشكل أساسي إلى الروابط اللغوية الظاهرة التي تربط بين أجزاء النص المختلفة، في حين أن الوحدة تتناول الجانب الدلالي والمعنوي الذي يمنح النص تماسكه وتجانسه.

التفريق من حيث الاصطلاح

عند تعريف الارتباط، يمكن القول بأنه يشير إلى العلاقة الوثيقة والتلاحم القوي بين مكونات النص أو الخطاب. يهتم الارتباط بالوسائل اللغوية الشكلية التي تعمل على وصل العناصر المختلفة للنص، سواء كان ذلك جزءًا صغيرًا أو خطابًا كاملاً. يعتبر الارتباط شرطًا أساسيًا وحاسمًا لتحديد ما إذا كان الكلام يمثل نصًا متكاملًا أم لا. بتعبير آخر، إذا غاب الارتباط، فقد لا يعتبر الكلام نصًا بالمعنى المتعارف عليه.

أما الوحدة، فتعني الطريقة التي تتصل بها الأفكار داخل النص. بينما يركز الارتباط على الجانب النحوي والشكل الظاهري، فإن الوحدة تهتم بالجانب الدلالي والمعنوي. بعبارة أخرى، الارتباط يعنى بالتركيب اللغوي، بينما الوحدة تعنى بتماسك المعنى.

الفروق الجوهرية

يكمن الاختلاف الأساسي بين الارتباط والوحدة في الطريقة التي يتم بها تحقيق كل منهما في النص. فيما يلي تفصيل لهذا الاختلاف:

الارتباط

يتحقق الارتباط أو السبك النحوي من خلال وسائل متعددة، بما في ذلك:

  • الإحالة النصية: وتتم باستخدام الضمائر، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وأدوات المقارنة. تنقسم الإحالة إلى أنواع مختلفة، منها الإحالة القبلية، حيث يشير العنصر المحيل إلى عنصر آخر متقدم عليه في النص، وهي الأكثر شيوعًا. وهناك أيضًا الإحالة البعدية، حيث يشير العنصر المحيل إلى عنصر آخر يلحقه في النص، والإحالة المقامية التي تكون خارج النص.
  • الاستبدال: ويشمل استبدال عنصر بآخر داخل النص. العنصر الأول يسمى “المستبدل منه”، والثاني يسمى “المستبدل به”. يمكن أن يكون الاستبدال اسميًا أو فعليًا أو قوليًا.
  • الحذف: العنصر المحذوف، مهما كان، يحفز ذهن المتلقي للبحث عنه؛ لأنه يترك أثرًا في النص.
  • الوصل: وهو ربط العناصر اللاحقة بالعناصر السابقة باستخدام حروف العطف.
  • السبك المعجمي: وأشهر أنواعه التكرار، الذي يتطلب إعادة عنصر معجمي أو ورود مرادف له أو شبه مرادف.
  • السبك الصوتي: مثل السجع والجناس والوزن والقافية.

الوحدة

الوحدة تقوم على الترابط المفهومي الذي تحققه البنية العميقة للخطاب. تظهر هنا عناصر منطقية، كالعلاقة السببية والعموم، وهي تعمل على تنظيم الأحداث والأعمال داخل بنية الخطاب.

تتعدد أدوات الوحدة النصية، ومن أهمها:

  • السياق: يلعب السياق دورًا حيويًا في تحديد المعاني والدلالات التي ينطوي عليها النص. لكل مقام مقال، وتحليل السياقات اللغوية يكشف عن مقاصد النص والمتكلم، والأثر الذي يتركه في المتلقي.
  • العلاقات الدلالية: تعمل على تنظيم الأحداث والأعمال داخل بنية النص أو الخطاب، ومنها الإجمال والتفصيل، والعموم والخصوص، والبيان والتفسير.

إذن، الارتباط يتعلق بالجانب النحوي المتمثل في الإحالة بأنواعها المختلفة، والاستبدال بأشكاله المتنوعة، والحذف، والتكرار. بينما تتحقق الوحدة من خلال العلاقات والروابط الدلالية المتعلقة بالنص، والتي تعمل على تنظيم وتماسك بنيته الداخلية، ومن ذلك التضاد والمقابلة، والتتابع، والتناسب، والسببية.

التباين في السمات

يتميز الارتباط والوحدة بخصائص مختلفة تميز كل واحد منهما عن الآخر. فيما يلي توضيح لهذه الخصائص:

سمات الارتباط

تتلخص خصائص الارتباط فيما يلي:

  • يتطلب متلقيًا متمكنًا في النحو والصرف؛ لمعرفة القضايا النحوية والصرفية التي توافرت في النص المدروس.
  • يوجه اهتمام المتلقي إلى بيان جماليات القضايا الرئيسية التي انطوى عليها النص.
  • يرتبط بالنص الذي يحقق نصيته، بحيث يجعله حدثًا لغويًا قابلاً للتواصل والفهم.

خصائص الوحدة

تتلخص خصائص الوحدة فيما يلي:

  • الوحدة أعم وأعمق من الارتباط؛ بحيث يتطلب بناء الوحدة من المتلقي صرف الاهتمام من حيث جهة العلاقات الخفية التي تنظم النص وتولده.
  • الوحدة تحتاج من المتلقي إلى الدربة والمهارة على رصد العلاقات الخفية بين الجمل النصية، ومن ثم في النص كاملاً.
  • الوحدة تعتمد على عمليات مضمرة يستخدمها القارئ لفهم النص، وبيان انسجامه، وذلك من خلال ما يلي:
    • السياق الذي يحصر مجالات التأويلات الممكنة ويدعم التأويل المقصود، ويشمل أركان الرسالة كافة: المخاطِب، والمُخَاطَب، والنص، والزمان، والمكان.
    • التشابه، أي إبراز التجارب السابقة التي اختمرت في ذهن منشئ الخطاب، وتأثيرها على النص اللاحق، فإدراك المتلقي لهذه التجارب يساعده في فهم واستيعاب وتفسير هذا النص.

المراجع

  • محمد خطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 5. بتصرف.
  • محمد خطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 5-6. بتصرف.
  • محمد خطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 17. بتصرف.
  • محمد خطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 21. بتصرف.
  • صفاء خلوصي (1977)، فن التقطيع الشعري والقافية (الطبعة 5)، بغداد: مكتبة المثنى، صفحة 220. بتصرف.
  • محمد الخطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 83. بتصرف.
  • جميل عبد المجيد (1998)، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية (الطبعة 1)، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 143-144. بتصرف.
  • أحمد مداس (2009)، لسانيات النص نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري (الطبعة 1)، إربد: عالم الكتب الحديث، صفحة 83. بتصرف.
  • محمد خطابي (1991)، لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب (الطبعة 1)، بيروت: المركز الثقافي العربي، صفحة 52-58. بتصرف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تمييز الاختبار الإلهي عن الجزاء

المقال التالي

الفوارق بين التواصل العام والتواصل السياسي

مقالات مشابهة