مكانة الرجل والمرأة في الإسلام
لقد أبدع الله الكون وخلقه بنظام يقوم على الازدواجية، ويشمل ذلك خلق الإنسان، حيث خلقه ذكراً وأنثى. إنّ سنة الله في خلقهما تقتضي وجود جنسين مختلفين ينتميان إلى أصل واحد وهو البشرية. وقد وهب الله كل جنس خصائص مميزة ووظائف وأدوارًا خاصة في الحياة. هذا الاختلاف هو اختلاف تكاملي وتنوع، وليس اختلاف تضاد وتنافر. فالرجل يكمل المرأة، والمرأة تكمل الرجل، ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر. ولا يجوز لأي من الجنسين أن يحل محل الآخر أو يتقمص أدواره في الحياة، فالفطرة السليمة ترفض ذلك، إلا في حدود الوظائف الشرعية المشتركة بين بني البشر ذكوراً وإناثاً. إنّ التشبّه بين الجنسين قد يكون بتقليد النساء للرجال أو العكس.
تعريف تقليد النساء للرجال
يُقصد بمصطلح تقليد النساء للرجال: أن تقوم المرأة بفعل خاص بالرجال، أو أن تشاركهم في صفة من صفاتهم المميزة، أو أن تفعل ما يغلب على الرجال فعله، سواء كانت المشابهة على مستوى الصفات المادية أو المعنوية.
الحكم الشرعي لتقليد النساء للرجال
إنّ مسألة تقليد النساء للرجال، وتقليد الرجال للنساء، هي من الأمور التي حرّمها الإسلام صراحةً، وجاءت النصوص الشرعية لتلعن فاعلها، وهي من كبائر الذنوب التي تهلك صاحبها. ذلك أنّ هذا التشبّه ليس في مكانه الصحيح، ويحمل تناقضاً كبيراً مع الفطرة السليمة التي فطر الله عز وجل الناس عليها. ثم إنّ في تشبّه الجنسين ببعضهما مفاسد دينية ودنيوية كبيرة وخطيرة. وفي الحديث ما رواه عبد الله بن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال:
“لعَن رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُتَشَبِّهينَ من الرّجالِ بالنّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ من النّساءِ بالرّجالِ.”
ولكن، يجب التنبيه إلى أن تقليد النساء للرجال المنهي عنه له ثلاثة شروط:
- أن تقوم به الأنثى قاصدة له، أما التشبّه الذي لم تتوفر فيه النيّة والقصد فهو معفو عنه.
- أن يكون تشبّهها اختياراً لا إكراهاً؛ لِما جاء عن ابن عبّاس-رضي الله عنهما- فيما رواه عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال:
“إنَّ اللهَ تجاوَز عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه.” - أن يكون التشبّه فيما يتميّز به الرجال عادة وطبعاً فيهم، أو على هيئتهم، أو جاء النص بتخصيصه لأحدهما.
الأسباب وراء تقليد النساء للرجال
إنّ معرفة الأسباب التي تدفع النساء إلى تقليد الرجال تساعدنا في إيجاد طرق للوقاية من هذه التصرفات المحرّمة في الشريعة. يرى الباحثون أن أهم هذه الأسباب هي:
- ضعف الوازع الديني: فالدين هو الذي يصوغ الثقافة التي تشكل أنماط الحياة المجتمعية وفقاً لتعاليم الإسلام ويصبغها بآدابه وقيمه. وعلى الرغم من أهمية هذا السبب، يجب ألا نغفل المسببات الأخرى التي قد تكون وراء ضعف الوازع الديني، مثل التنشئة الأسرية التي تعتبر الحضن الرئيسي للفتاة.
- خلل البناء الثقافي في الأسرة: فمن خلال الأسرة تتشكل ملامح الهوية الثقافية لأفرادها ذكوراً وإناثاً. وقد أشار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أهمية دور الأسرة في تشكيل ثقافة الأبناء ومعتقداتهم، حيث قال:
“كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ.” - النظرة الدونية للمرأة: حيث عادت صورة المرأة في بعض المجتمعات تشابه صورتها في المجتمع الجاهلي، وباتت تظهر تحت غطاء الدعوة إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل. وتمكنت هذه الدعوات في ظل الشبهات التي تثار عن هضم الإسلام لحقوق المرأة، ومن أمثلة ذلك: الفهم المغلوط لمسألة قوامة الرجل، ونقصان عقل المرأة ودينها، وكذلك قضية توزيع الميراث، وحصة المرأة الشرعية منه؛ الأمر الذي أدى ببعض النساء إلى تبني هذه الدعوات الهدامة، والتمرد على جنسها، ومحاولة الترجّل في مجالات الحياة.
- خلل المحتوى القيمي في بعض وسائل الإعلام: تنشأ أهمية هذا السبب من كون الإعلام بشتى وسائله الحديثة يشكل محور التقاء للثقافات وتنافسها، وتعد مسألة استرجال الفتيات وتشبهن بالرجال ضمن السلوكيات التي أفرزتها قيم الإعلام. فدمج الرجولة بالأنوثة، وتحويل الأنوثة إلى رجولة والعكس منهجية متبعة في غرس هذا السلوك وسط المجتمعات الإسلامية، وذلك عبر كثير من البرامج والمسلسلات واللقاءات التي تحفز وتثير سلوك الاسترجال في نفوس النساء. كما كان للإعلام دور في تفشي ما يسمى بنظرية التطعيم، إذ إن تكرار مشاهد السفور والاختلاط وخروج النساء بمظهر مسترجل سمح بممارستها على أرض الواقع؛ باعتبارها سلوكيات طبيعية تقتضيها المدنية الحديثة.
طرق الوقاية من تقليد النساء للرجال
يحتاج المجتمع إلى مواجهة ما قد يظهر من مظاهر تقليد النساء للرجال بأساليب ناجعة وطرق مؤثرة. وفيما يلي بعض أساليب الوقاية:
- لا شك أن تقوية الوازع الديني في نفوس الإناث من أقوى الموانع لظاهرة التشبّه بالرجال. فالعلم وحده بحرمة التشبّه بالجنس الآخر لا يكفي للردع والمنع عند الكثيرين عادة، بل لا بد من تعميق الإيمان في قلوب النساء المسترجلات، وبيان أثر التشبّه على المجتمع وعلى ذات الفتاة المسترجلة.
- ضرورة تعزيز قيمة الأنوثة عند النساء، وتغيير النظرة الدونية التي تعتري بعض النساء من كونهن إناث، والتأكيد على أن أنوثة المرأة جزء لا يتجزأ من طبيعتها التي ارتضاها لها الله تعالى، وهي ليست نقصاً ولا عيباً.
- أهمية اعتراف الأسرة بمكانة الفتاة في العائلة، وإظهار الاعتزاز بها، وعلى رب الأسرة أن يسعى لتبديل العادات التي تنقص دورها، أو تنظر إليها بانحطاط؛ إذ إن الانتقاص من قدرها يقود إلى رغبتها بالتحول إلى مصاف المسترجلات.
- على المؤسسات التعليمية والدينية تكثيف التوعية عن مخاطر هذا السلوك، والتحذير من أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع.
- ضرورة توفير أماكن تربوية وترفيهية تناسب أنوثة الفتيات، والحرص على تنويعها وتجديدها بحيث يتعزز عند النساء إيمانهن بقدر الأنوثة.
- إغلاق كل المساعي التي تقود إلى إذابة هوية المرأة في الرجل والعكس، مثل: التساهل في قضية الاختلاط، ومخالفة النساء للضوابط الشرعية في لباسها.