مقدمة
تعتبر نظرية جان بياجيه من الركائز الأساسية في فهم التطور المعرفي للأطفال. تركز هذه النظرية على كيفية بناء الأطفال لمعرفتهم وفهمهم للعالم من حولهم، وذلك من خلال سلسلة من المراحل المتتالية. لا تقتصر أهمية هذه النظرية على الجانب النظري فحسب، بل تمتد لتشمل تطبيقات عملية واسعة في مجال التعليم، وخاصةً في تدريس مادة الحساب. تهدف هذه المقالة إلى استعراض بعض التطبيقات العملية لنظرية بياجيه في تعليم الحساب، مع التركيز على كيفية تصميم الأنشطة التعليمية التي تتناسب مع كل مرحلة من مراحل التطور المعرفي للطفل.
تطبيقات مرحلة ما قبل العمليات
تعتبر مرحلة ما قبل العمليات، والتي تمتد من سن الثانية وحتى السابعة تقريبًا، مرحلة حاسمة في تطور الطفل المعرفي. يتميز الأطفال في هذه المرحلة بقدرتهم المتزايدة على استخدام الرموز لتمثيل الأشياء والأفكار. في سياق تعليم الحساب، يمكن استغلال هذه القدرة من خلال استخدام الرسوم التوضيحية والأدوات الملموسة لتقديم المفاهيم الحسابية الأساسية. على سبيل المثال، يمكن استخدام صور الفواكه أو الحلوى لتعليم الأطفال مفهوم العدد والعد. بدلًا من مجرد تقديم الأرقام بشكل مجرد، يتم ربطها بأشياء ملموسة ومألوفة للطفل، مما يساعده على فهمها واستيعابها بشكل أفضل.
حسب نظرية بياجيه، فإنّ الأطفال في مرحلة ما قبل التشغيل من سن 2 سنة إلى 6 سنوات، يبدؤون في معرفة كيف يمكن للرموز أن تُمثل الأشياء، مثل الأرقام والحروف، ويكون لديهم القدرة على استخدام الخيال، والربط بين الأشياء والرموز بشكل خاص في خيالهم.[٢]
لتوضيح ذلك، تُرسم 10 تفاحات في التمرين أو المثال لتعليم الطفل العدّ من 1 إلى 10، أو تُرسم قطعتين من الحلوى لتعليم الطفل ماهية الرقم 2، ورمزه، وكتابته.[٢]
تطبيقات مرحلة العمليات المادية
تمتد مرحلة العمليات المادية من سن السابعة وحتى الحادية عشرة تقريبًا. يتميز الأطفال في هذه المرحلة بقدرتهم على التفكير المنطقي حول الأشياء المادية والملموسة. في تعليم الحساب، يمكن استغلال هذه القدرة من خلال استخدام الأدوات المادية مثل الخرز والمكعبات لتعليم العمليات الحسابية الأساسية كالجمع والطرح والضرب والقسمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الأنشطة العملية التي تتضمن قياس الأطوال والمساحات والأحجام لتعزيز فهم الأطفال للمفاهيم الحسابية وتطبيقاتها في الحياة الواقعية.
تُسمّى هذه المرحلة بالخرسانية، لأنّها غالباً ما تحتاج لاستخدام قوالب ونماذج خرسانية في عملية التعليم، لذا يُمكن استخدام خرز العداد وقوالب النماذج والبلاط الرياضي، لتعليم العمليات الحسابية المنطقية البسيطة، ويُفضّل استخدام الأمثلة الملموسة والتجارب العملية في هذه المرحلة.[٢]
تنطبق هذه المرحلة على الأطفال بين 7 و11 عام، يكون لدى الطفل قدرات معرفية وفهم أكبر، حيث يُمكنه معرفة ترتيب الأشياء عن طريق زيادة أو تقليل القيمة، لذا سيستطيع أن يرتبّ الأرقام تصاعدياً أو تنازلياً، وسيعرف الرقم الأكبر والأصغر، والكميات الأكثر والأقل، كما سيتمكن من فهم تقسيم الكميات ومضاعفتها، وبالتالي يمكن له أن يتعلم جداول الضرب وعملية القسمة.[٢]
تطبيقات مرحلة العمليات المجردة
تبدأ مرحلة العمليات المجردة في سن الحادية عشرة تقريبًا وتستمر حتى مرحلة البلوغ. يتميز الأفراد في هذه المرحلة بقدرتهم على التفكير المجرد والافتراضي، وحل المشكلات المعقدة، واستخدام المنطق الاستنتاجي. في تعليم الحساب، يمكن استغلال هذه القدرة من خلال تقديم المسائل الكلامية المعقدة التي تتطلب استخدام العمليات الحسابية المختلفة لحلها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعليم الطلاب الجبر والمفاهيم الرياضية المتقدمة الأخرى، وتشجيعهم على تطوير فرضياتهم الخاصة واختبارها.
تُستخدمُ المسائل الحسابية الكلامية في هذه المرحلة، حيث يكون الطفل قد تعلّم العمليات الحسابية البسيطة في المراحل السابقة، وقد آن الأوان لتطبيقها على مدىً أوسع بحيث يشمل مواقف صغيرة من الحياة الواقعية، ويجب أن يُعلَّم الأطفال الجبر في هذه المرحلة، كما يتمّ إدخال المتغيرات في المسائل، وتعليمهم حلّ المعادلات وإيجاد المجاهيل.[٢]
تتعلّق هذه المرحلة بفئة المراهقين، ويكون لديهم القدرة على تكوين فرضياتهم الخاصّة؛ بناءً على المعلومات المعطاة لهم، ويُمكنهم كذلك الاستنتاج، والاستدلال، وتقييم الأفكار، وقياس الأفكار وتطبيقها على مفاهيم أخرى.[٢]
رائد نظرية بياجيه
يعود الفضل في تطوير هذه النظرية إلى عالم النفس السويسري جان بياجيه، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات في علم النفس التربوي. ساهم بياجيه بشكل كبير في فهم العمليات الذهنية التي يستخدمها الأطفال في تفكيرهم، وقام بإجراء العديد من الدراسات والتجارب التي أدت إلى تطوير نظرية النمو المعرفي الشهيرة.
وُضِعت هذه النظرية من قِبَل عالم النفس السويسري جان بياجيه، وهو يعتبر من أكثر الشخصيّات أهميةً في علم النفس التربوي،[٣]فقد اكتشف العمليات الذهنيّة التي يستخدمها الأطفال في إجاباتهم، وأجرى العديد من الإجراءات التجريبية المستخدمة في الاستجواب النفسي لفحص تفكير الأطفال، وخرج بالنهاية بنظرية التطور أو النموّ المعرفي المعروفة باسمه.[١]
يُذكر أنّ جان بياجيه، كان مهتماً بعالم الحيوان قبل تعمّقه في علم النفس، حيث ذاع صيتُ منشوراته عن الرخويات بين علماء الحيوان الأوروبيين، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في علم الحيوان والفلسفة، وبعد ذلك بدأ اهتمامه بعلم النفس، فجمع بين تدريبه البيولوجيّ واهتمامه بنظرية المعرفة.[٣]