تفاسير قرآنية مبنية على المأثور

استعراض لأنواع التفسير بالمأثور، مع أمثلة من القرآن الكريم، السنة النبوية، أقوال الصحابة والتابعين، بالإضافة إلى أشهر الكتب التي تناولت هذا النهج التفسيري.

يُعدّ القرآن الكريم كتاب الله المنزل على نبينا محمد ﷺ، آخر الكتب السماوية، محفوظًا من أي تحريف أو تبديل، بفضل الله عز وجل. وقد أولاه العلماء عناية فائقة عبر التاريخ، ساعين لفهم معانيه وأحكامه ومقاصده. من بين مناهج التفسير، برز التفسير بالمأثور باعتباره نهجًا أساسيًا في فهم كلام الله.

ويتمثل هذا النوع من التفسير في الاعتماد على ما جاء في القرآن نفسه لتفسير بعض آياته، بالإضافة إلى ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث شريفة تفسر آيات معينة، وكذلك ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رضي الله عنهم.

تفسير القرآن بالقرآن

في هذا النوع، تُفسر آية قرآنية بآية أخرى. إليكم بعض الأمثلة:

تفسير قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7] بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]. فهنا يُفسر المنعم عليهم بمَنْ يطيعُ الله ورسوله.

مثال آخر: تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ [المعارج: 19] بالآيات التي تليه: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج: 20-22].

وكذلك تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الحج: 24] بقوله تعالى: ﴿وَقالُوا الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي هَدانا لِهـذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّـهُ﴾ [الأعراف: 43].

تفسير القرآن الكريم بالسنة النبوية الشريفة

يستخدم هذا النوع من التفسير الأحاديث النبوية الشريفة لتوضيح معاني آيات القرآن.

مثال: تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60] بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) رواه مسلم.

مثال آخر: تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: 82] بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي فسّر فيه المراد بالظلم بحديث لقمان لأبنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) رواه الترمذي.

كذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى عن امرأة عمران لما وضعت ابنتها مريم: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: 36] حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يُولد فيستهل صارخًا من مس الشيطانة إيَّاه إلا مريم وابنها) رواه البخاري.

تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة والتابعين

يعتمد هذا النوع على أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في تفسير آيات القرآن الكريم.

مثال: تفسير قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4] بقول ابن عباس رضي الله عنه: “قاضي يوم الدين، وهو يوم الحساب والقضاء فيه بين الخلائق”.

مثال آخر: تفسير قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [المائدة: 89] بقول ابن عباس رضي الله عنه: “هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة، لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين”.

مثال آخر: سؤال عمر بن الخطاب للصحابة عن تفسير قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1]، وجواب ابن عباس رضي الله عنه بأنّها علامة أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري.

كذلك قول ابن زيد في تفسير قوله تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾ [الشورى: 52] بقوله: القرآن روح الله، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشعراء: 192].

أشهر الكتب التي اعتمدت على التفسير بالمأثور

من أشهر الكتب التي اعتمدت على هذا النهج التفسيري ما يلي:

اسم الكتابالمؤلف
جامع البيان عن تأويل آي القرآنابن جرير الطبري
الكشف والبيان عن تفسير القرآنالثعلبي
معالم التنزيلالبغوي
تفسير القرآن العظيمابن كثير
الدر المنثور في التفسير بالمأثورالسيوطي

طرق أخرى لفهم معاني القرآن الكريم

بالإضافة إلى التفسير بالمأثور، هناك طرق أخرى لتفسير القرآن، منها التفسير بالرأي، وهو أن يجتهد المفسر في استنباط المعاني بعد إتقانه لعلوم اللغة العربية وأساليبها، ومعرفته بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ.

Total
0
Shares
المقال السابق

التفخيم والترقيق في القرآن الكريم

المقال التالي

مهارات التفكير الإبداعي: أمثلة وتطبيقات

مقالات مشابهة