مقدمة
قد تنجم نوبات الصداع النصفي (الشقيقة) عن عدة عوامل، منها تناول بعض الأدوية، أو التغيرات الهرمونية، أو قلة النوم. كما أن للتغذية دوراً محورياً في التخفيف من حدة هذه النوبات. يُعتقد أن الطعام قد يكون محفزاً للشقيقة لدى حوالي 10٪ من الأشخاص الذين يعانون منها.
إذا كنت تشك في أن بعض الأطعمة تزيد من حدة أعراض الصداع النصفي لديك، أو كنت تفكر في تجربة نظام غذائي خاص بالشقيقة، فمن المستحسن استشارة الطبيب أولاً. إن تأخير التشخيص الصحيح والرعاية الطبية المناسبة قد يؤدي إلى مشاكل صحية أخرى.
استراتيجيات غذائية للتعامل مع الشقيقة
الشقيقة هي اضطراب يرتبط عادةً بمحفزات معينة. تعتبر المحفزات الغذائية سبباً شائعاً لنوبات الشقيقة. أظهرت العديد من الدراسات أن بعض الأنظمة الغذائية يمكن أن تساعد في تقليل تكرار هذه النوبات من خلال تجنب المحفزات وتعديل الأنماط الغذائية.
حمية الإقصاء الغذائي
تعتمد حمية الإقصاء (Elimination diet) على تحديد الأطعمة التي يشعر الفرد بأنها تحفز نوبات الصداع لديه، ثم تجنبها. يمكن اتباع هذا النهج إذا لاحظ المريض تكرار نوبات الصداع أو الشقيقة عند تناول طعام معين، وبالتالي يقوم بإزالته من نظامه الغذائي.
أظهرت نتائج دراسة شملت 50 مريضاً يعانون من الشقيقة، ونُشرت في مجلة Archives of Neuropsychiatry عام 2018، أنه إذا تمكن المصابون بالشقيقة من تحديد الأطعمة المحفزة للصداع، فإن تقييد تناول هذه الأطعمة قد يكون وسيلة فعالة للحد من نوبات الشقيقة.
دراسة:
في دراسة نشرت في مجلة Archives of Neuropsychiatry عام 2018، وتمت على 50 مريض يعانون من الشقيقة، أظهرت النتائج أن تحديد الأطعمة التي تسبب الشقيقة وتقييد تناولها وسيلة فعالة للحد من النوبات.
الجانب السلبي لهذا النظام الغذائي هو التأثير طويل الأمد الناتج عن الامتناع عن بعض الأطعمة، مما قد يزيد من خطر نقص التغذية، وهو أحد أشكال سوء التغذية الذي يحدث عند عدم تناول كميات كافية من البروتين، والطاقة، والفيتامينات، والمعادن، وقد يؤدي إلى مجموعة من المشاكل، بما في ذلك المشاكل النفسية والالتهابات.
تقليل استهلاك الصوديوم
يمكن أن يؤدي استهلاك الصوديوم بكميات كبيرة إلى زيادة نوبات الصداع عن طريق التأثير المباشر على ضغط الدم أو من خلال إحداث حالة تعرف بالقصور البطاني (Endothelial dysfunction). ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات لتوضيح العلاقة بين الصوديوم والصداع والشقيقة.
دراسة:
أشارت دراسة شملت 390 مشاركاً، ونُشرت في مجلة BMJ open عام 2014، إلى وجود ارتباط بين انخفاض استهلاك الصوديوم وانخفاض خطر الإصابة بالصداع بشكل ملحوظ. لذا، قد يساعد تقليل استهلاك الصوديوم في الحد من خطر الإصابة بالصداع.
بشكل عام، يوصى بخفض استهلاك الصوديوم إلى أقل من 2300 مليغرام يومياً. يجب الانتباه إلى أن معظم الملح والصوديوم في الوجبات الغذائية يأتي من الأطعمة المصنعة، مثل الوجبات المجمدة، والشوربات المعلبة، والوجبات الخفيفة الجاهزة للأكل. لذلك، يُنصح بالطهي باستخدام المكونات الطازجة قدر الإمكان واختيار الأطعمة التي تحمل علامة “منخفض الصوديوم”.
حمية قليلة الدهون
تعتمد حمية قليلة الدهون على خفض نسبة الدهون إلى أقل من 20٪ من إجمالي السعرات الحرارية اليومية، بينما يحتوي النظام الغذائي العادي على نسبة دهون تتراوح بين 25٪ و 30٪. عادةً ما تحتوي هذه الحمية على كميات أقل من مصادر الدهون المشبعة مثل الزبدة، والجبن، والحليب كامل الدسم، واللحوم الحمراء، والدهون الأحادية غير المشبعة كزيت الزيتون وزيت الكانولا. وتركز على تناول الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك الدهنية الغنية بالدهون المتعددة غير المشبعة كالسلمون، مع تجنب الدهون المتحولة الموجودة في الوجبات الخفيفة والأطعمة المقلية.
دراسة:
أظهرت دراسة شملت 83 شخصاً يعانون من الصداع النصفي المزمن، ونُشرت في مجلة Nutrition, Metabolism and cardiovascular diseases عام 2015، أن النظام الغذائي منخفض الدهون أثر بشكل ملحوظ في عدد نوبات الصداع النصفي وشدتها مقارنةً بالنظام الغذائي العادي. كما أشارت دراسة أخرى نُشرت في مجلة PAIN عام 2013 إلى أن استهلاك نسبة عالية من أوميغا 3 ونسبة منخفضة من أوميغا 6 ساعد في تخفيف الألم وتقليل أيام الصداع وتكرارها لدى المصابين بالصداع المزمن.
أي تعديل صحي في تناول الدهون الغذائية يساعد على تعديل مستويات الأحماض الدهنية الحرة في البلازما ودهنيات الدم، مما يقلل من تراكم الصفيحات الدموية، وبالتالي قد يقلل من وتيرة ومدة الصداع النصفي.
أطعمة ومشروبات مُوصى بها
تناول نظام غذائي صحي يمكن أن يساعد في تقليل الإصابة بالشقيقة. يجب أن يتكون النظام الغذائي الصحي من الأطعمة الطازجة، بما في ذلك الفواكه، والخضروات، والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون. فيما يلي بعض الأمثلة للأطعمة والمشروبات المناسبة من مختلف المجموعات الغذائية:
- الحبوب: معظم أنواع الحبوب والمنتجات المصنوعة منها، باستثناء الأنواع المحتوية على المكسرات والفواكه المجففة ومحلي الأسبارتام، مثل الكعك السادة أو مع السمسم، والمقرمشات غير المنكهة، والخبز الأبيض، والقمح، والجاودار.
- اللحوم: اللحم البقري الطازج، والدجاج، والسمك، ولحم الضأن، والديك الرومي، ولحم العجل.
- البذور: بذور الخشخاش، واليقطين، والسمسم، وبذور دوار الشمس دون نكهات.
- تتبيلات السلطة والصلصات: الصلصات منزلية الصنع باستخدام مكونات طازجة دون منكهات صناعية، وتتبيلات السلطة بالزيت والخل المقطر.
- بعض الفواكه الطازجة: الفراولة، والتفاح، والكمثرى، والعنب، والخوخ، والنكتارين، والكيوي، والمشمش، والتوت الأزرق، والكرز، والشمام، والمانجا، والبطيخ.
- بعض الخضروات الطازجة: الخس الخالي من المواد الحافظة، والفلفل، والكوسا، والباذنجان، والثوم، والبصل الأخضر، والبطاطا الطازجة، وبعض أنواع البطاطا المهروسة المجمدة، والبروكلي، والهليون، والقرنبيط، والجزر، والذرة، والحمص، والفطر، والبازلاء المعلبة أو المجمدة، والفاصولياء، والخرشوف، والشمندر، والبامية.
- بعض منتجات الألبان: جبن القريش، وجبن الريكوتا، والجبنة الكريمية، والحليب.
أطعمة يُفضل تجنبها
تُسبب المحفزات الغذائية تحفيز الصداع النصفي من خلال آليات مختلفة، مثل تغيير إفراز السيروتونين، مما يسبب انقباض أو تمدد الأوعية الدموية، أو عن طريق التحفيز المباشر لمسارات الخلايا العصبية في الدماغ. من بين هذه المحفزات مركبات موجودة بشكل طبيعي في الطعام، كالتيرامين (Tyramine)، والفينيثيلامين (Phenethylamine)، والهيستامين (Histamine)، وقد يضاف بعضها للأطعمة خلال عمليات التصنيع كالأسبارتام، والنترات (Nitrate)، وغلوتامات أحادية الصوديوم (MSG)، والخميرة.
فيما يلي قائمة بالأطعمة المحفزة للشقيقة التي يُنصح بتجنبها:
- المخبوزات المحتوية على الخميرة.
- الشوكولاتة.
- منتجات الألبان المخمرة، مثل الزبادي والكفير.
- المكسرات وزبدة المكسرات.
- الزيتون.
- منتجات الصويا كصلصة الصويا.
- الخل.
- الأجبان المعتقة، وجبنة الشيدر، والجبنة الزرقاء، والجبنة السويسرية، والفيتا، وجبنة البارميزان، وجبنة كامامبير (Camembert)، وجبن مونستر.
- النقانق الجافة، والسلامي، والسمك المخلل أو المدخن، والكافيار، والحساء أو المرق المصنوع من خلاصة اللحوم.
- بعض الفواكه كالبرتقال، والجريب فروت، والليمون، والليمون الأخضر، واليوسفي، والأناناس، وتوت العليق، والخوخ، والبابايا، والماراكويا، والتين، والتمر، والزبيب، والأفوكادو، والفواكه المجففة المحفوظة بمادة الكبريتيت (Sulfites).
- بعض الخضروات كالبصل، ومخلل الملفوف، وقرون البازلاء والفاصوليا الإيطالية، وفاصولياء ليما، والفول، والفاصولياء البحرية، والعدس، ورقائق البطاطا المعلبة كالبطاطا المهروسة سريعة التحضير، والطماطم.
- بعض المواد الحافظة للأغذية كالنترات، والنيتريت (Nitrites)، وغلوتومات أحادية الصوديوم، والمحليات الصناعية.
مشروبات يجب الابتعاد عنها
هناك بعض المشروبات التي يُنصح الأشخاص المصابون بالشقيقة بتجنبها، ونذكر منها:
- القهوة: تحتوي على نسبة عالية من الكافيين، وتعد الأعراض الانسحابية عند التوقف عن استهلاك الكافيين أحد مسببات الصداع. يجب على الأشخاص المصابين بالشقيقة والذين يشربون القهوة بانتظام محاولة الحفاظ على استهلاكها بانتظام أو تقليل استهلاكها تدريجياً. تجنب الإفراط في استهلاك الكافيين، حيث يمكن أن يسبب الاستهلاك المفرط (أكبر من 400 مليغرام يومياً) الصداع والتهيج.
- المشروبات الكحولية: قد تؤدي إلى الإصابة بالشقيقة بسبب مركب الهيستامين الموجود فيها.
نصائح عملية للتخفيف من الأعراض
فيما يلي بعض النصائح التي قد تساعد على تخفيف أعراض الشقيقة:
- تناول الطعام بانتظام: يساعد تناول الطعام وفقاً لجدول زمني ثابت على تجنب انخفاض مستويات السكر في الدم، والذي يمكن أن يؤدي إلى نوبات الشقيقة أو تفاقمها.
- استهلاك الكربوهيدرات باعتدال: يمكن أن يؤدي تناول كميات كبيرة من الكربوهيدرات في وقت واحد إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل كبير، ثم انخفاضها إلى مستوى منخفض للغاية، الأمر الذي قد يسبب نوبات الشقيقة.
- شرب الكثير من السوائل: الماء، والحليب، وعصائر الفواكه الطازجة مصادر جيدة للسوائل، حيث يمكن أن يسبب الجفاف الإصابة بالصداع، كما أن الكلى تحتاج إلى الماء للتخلص من السموم والإلكتروليتات الزائدة في الجسم.
- توخي الحذر عند تناول الأطعمة الباردة: بعض الأشخاص أكثر حساسية للأطعمة الباردة، الأمر الذي قد يسبب الصداع عند تناولها.
- تقليل استهلاك الكافيين: يُنصح بمحاولة تخفيف استهلاك الكافيين ببطء إذا بدا أنه أحد مسببات الصداع.
- أخذ الحيطة عند ممارسة الرياضة: استشر الطبيب حول طريقة التعامل مع الصداع الذي قد ينتج عن ممارسة الرياضة.
- النوم بشكل منتظم: يمكن أن يؤدي تغيير عادات النوم أو التعب الشديد وعدم النوم الكافي إلى زيادة احتمالية الإصابة بالشقيقة.
- تخفيف التوتر: يمكن ممارسة الرياضة، والتأمل، وأداء الصلاة، وقضاء وقت مع الأشخاص المفضلين، والقيام بالنشاطات الممتعة لتخفيف التوتر.
- الانتباه للمحفزات الأخرى: يمكن أن تشمل هذه المحفزات التعب، والأضواء الساطعة، والصدمة على الرأس، والعدوى، والحيض، وتناول موانع الحمل الفموية.
دراسات حول الفيتامينات والمعادن وتأثيرها
بينت بعض الدراسات أن مكملات الفيتامينات والمعادن قد تؤثر في تكرار نوبات الشقيقة. يجب استشارة الطبيب دائماً قبل البدء بتناول أي مكمل غذائي، حيث يمكن أن تتفاعل بعض الفيتامينات والمعادن والمكملات الأخرى مع الأدوية المستهلكة، كما يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية.
فيما يلي دراسات حول تأثير بعض الفيتامينات والمعادن في الشقيقة:
- فيتامين ب2 (الريبوفلافين):
دراسة:
أشارت مراجعة بحثية نُشرت في مجلة International Journal for Vitamin and Nutrition Research عام 2015، وضمّت 7 دراسات أُجريت على البالغين و 4 دراسات أُجريت على الأطفال، إلى أن الريبوفلافين يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في تقليل وتيرة نوبات الشقيقة ومدتها، دون التسبب بحدوث أية آثار جانبية خطيرة، مع ذلك لا توجد أدلة كافية لتقديم توصيات بشأن فيتامين ب2 كمكمل مساعد للبالغين والأطفال المصابين بالشقيقة.
- المغنيسيوم:
دراسة:
أشار تحليل إحصائي ضم نتائج 21 دراسة علمية، ونُشر في مجلة Pain physician عام 2016، إلى أن نوبات الشقيقة ارتبطت بنقص المغنيسيوم لدى بعض الأشخاص، وقد بين الباحثون أن إعطاء المغنيسيوم عن طريق الوريد يمكن أن يساعد على تقليل نوبات الشقيقة الحادة، وأن تناول المغنيسيوم عن طريق الفم يمكن أن يقلل وتيرة وشدة الشقيقة.
” قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».”[صحيح البخاري]
- الفولات:
دراسة:
أشارت دراسة نُشرَت في مجلة The Journal of Head and Face Pain عام 2015 إلى انخفاض نوبات الشقيقة بشكل ملحوظ عند النساء اللاتي تناولن المزيد من الفولات وحمض الفوليك مقارنة بالنساء اللاتي تناولن كميات أقل من الفولات وحمض الفوليك، لذا فإن تناول الفولات على شكل حمض الفوليك قد يؤثر بشكل إيجابي في تكرار الشقيقة لدى النساء المصابات بالشقيقة.
مصادر مرئية
شاهد الفيديو لتعرف أكثر عن الشقيقة وعلاجها:
قال الله تعالى: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”. [الشعراء: 80].