مقدمة حول تعدد الزوجات
تعد قضية تعدد الزوجات من القضايا التي أثارت نقاشًا واسعًا، وهي ليست وليدة الإسلام، بل كانت موجودة في العديد من المجتمعات قبل ظهور الإسلام. وعندما جاء الإسلام، لم يحرم التعدد بشكل قاطع، بل قام بتنظيمه ووضع له شروطًا وضوابط تهدف إلى الحد من أي آثار سلبية محتملة، ومنع الظلم الذي كان سائدًا في بعض المجتمعات التي عرفت التعدد قبل الإسلام.
تجدر الإشارة إلى أن الإسلام لم يفرض التعدد كواجب على الرجل، ولم يلزم المرأة بقبوله. بل ترك الخيار لكل من الطرفين، بناءً على ما يرونه مناسبًا لظروفهم ومصالحهم في إطار الزواج. فالأمر متعلق بالظروف الفردية والقدرة على الالتزام بالشروط التي وضعها الشرع.
الأصل الشرعي لتعدد الزوجات في الإسلام
إن الأساس في إباحة التعدد هو النص القرآني الواضح، حيث يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم:
(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَكُمْ).
[النساء: 3]
وقد أوضح العلماء أن حكم التعدد هو الإباحة، حيث يجوز للرجل المسلم أن يتزوج بأكثر من امرأة، بشرط ألا يتجاوز عدد الزوجات أربعًا، وأن يكون الزوج قادرًا على العدل بينهن، وعلى تحمل نفقاتهن جميعًا دون تقصير.
وقد أكد الله -سبحانه وتعالى- على أهمية العدل في قوله:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَكُمْ).
[النساء: 3]
وهذا يدل على أن العدل هو شرط أساسي لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم القدرة على العدل، فمن الأفضل له أن يقتصر على زوجة واحدة.
الضوابط الشرعية لتعدد الزوجات في الإسلام
وضع الإسلام مجموعة من الشروط والضوابط التي يجب الالتزام بها حتى يكون التعدد مباحًا، وتتمثل هذه الشروط فيما يلي:
-
تحديد العدد:
كان التعدد موجودًا قبل الإسلام، ولكن دون تحديد لعدد الزوجات. فجاء الإسلام وحدد العدد الأقصى للزوجات بأربع نسوة فقط، ولا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من أربع نسوة في وقت واحد. وقد ورد أن بعض الصحابة سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وضعهم مع زوجاتهم اللاتي كنّ أكثر من أربع، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإبقاء على أربع وتسريح الباقيات.
-
القدرة على النفقة:
تشمل النفقة توفير الطعام والشراب والملبس والمسكن والأثاث الضروري. وقد اشترط الإسلام على الرجل الذي يرغب في التعدد أن يكون قادرًا ماديًا على الإنفاق على جميع زوجاته، دون أن يقصر في حق أي واحدة منهن. فإذا كان الرجل غير قادر على توفير النفقة اللازمة، فلا يجوز له التعدد شرعًا.
-
العدل بين الزوجات:
العدل بين الزوجات هو شرط أساسي لإباحة التعدد. والمقصود بالعدل هنا هو العدل المستطاع، مثل العدل في النفقة والمبيت والمسكن والمعاملة. أما العدل في الميل القلبي، فهو غير مطالب به، لأنه خارج عن إرادة الإنسان. ولكن يجب على الرجل أن يجتهد في عدم إظهار الميل الزائد لإحدى الزوجات بشكل يؤدي إلى ظلم الأخرى.
الغايات وراء تشريع تعدد الزوجات في الإسلام
الإسلام نظام متكامل يراعي الفطرة البشرية ومتطلبات الحياة. وتشريع التعدد لم يكن مجرد إشباع للرغبات الجنسية، بل هو وسيلة لتحقيق مصالح وأهداف أسمى، منها:
-
زيادة عدد النساء مقارنة بالرجال:
تشير الإحصائيات إلى أن عدد النساء في كثير من المجتمعات يفوق عدد الرجال، مما يعني بقاء عدد من النساء بدون زواج، وهذا يتعارض مع الفطرة الإنسانية للمرأة.
-
توقف الإنجاب لدى المرأة في سن مبكرة:
بينما يستمر الرجل قادرًا على الإنجاب لفترة أطول، وهذا يتيح له فرصة إنجاب المزيد من الأبناء.
-
الظروف الصحية للمرأة:
تمر المرأة بظروف صحية خاصة مثل الحيض والنفاس، مما قد يؤثر على العلاقة الزوجية لفترات طويلة.
-
الطاقة الجنسية الزائدة لدى بعض الرجال:
قد يمتلك بعض الرجال طاقة جنسية كبيرة لا تكفيهم امرأة واحدة، فشرع الله التعدد لحمايتهم من الوقوع في الزنا.
المصادر والمراجع
- مجلة البحوث الإسلامية.
- الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت: دار السلاسل.
- محمد الخضر حسين، موسوعة الأعمال الكاملة (الطبعة 1)، سوريا: دار النوادر، 2010.