محبة الوالدين
الأب والأم هما الأساس الذي نبني عليه حياتنا، وهما أغلى ما نملك. يجب أن نُظهر لهما كل تقدير واحترام، وأن نسعى لإسعادهما بكل الوسائل الممكنة. يجب أن نجعل هدفنا الأسمى في الحياة هو نيل رضاهما، مهما تطلب الأمر.
محبة الوالدين ليست مجرد كلمات، بل هي أفعال. هما أصحاب الحق الأول في الرعاية والاهتمام، لأنهما السبب في وجودنا. بفضلهما، ننجح ونحقق طموحاتنا. الأم والأب هما السند والأمان لنا، يمنحوننا الحب والحنان بلا مقابل. عندما يكبران، يصبحان في أضعف حالاتهما، ويحتاجان منا الحب والعطف، وهو أقل ما يمكننا تقديمه.
أحب والدي ليس فقط لما قدماه من تضحيات، ولكن لأن الله تعالى أوصانا ببرهما في كل الظروف. قال تعالى في كتابه الكريم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.[١]
محبة الوالدين هي طريقنا إلى الجنة. من يعقهما يرتكب معصية كبيرة قد تؤدي به إلى النار. بر الوالدين لا يقتصر على دخول الجنة، بل يفتح أبواب الرزق والسعادة والتيسير في الدنيا والآخرة.
أكنّ لوالدي حبًا عظيمًا، فهما مفتاح الفلاح والنجاح والصلاح، وطريق السعادة والخير. السعي إلى نيل رضاهما يجلب الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.
أساليب إظهار الاحترام للوالدين
كيف نبر والدينا؟ سؤال يتردد في أذهان الكثيرين. بر الوالدين ليس صعبًا، بل هو أمر متاح للجميع. إنه معاملتهما بلطف وإحسان، وهو واجب شرعي لا يمكن التهاون فيه. هناك طرق عديدة لإظهار بر الوالدين، يمكننا جميعًا القيام بها بسهولة.
أهم هذه الطرق هو الكلام الطيب. قال تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[٢]. القول الكريم يعني مخاطبتهما باحترام وتذلل، وخفض الصوت أمامهما، وتجنب الكلام الفظ أو المقاطعة. يجب معاملة الوالدين كما نعامل الصديق المقرب، واختيار الكلمات المناسبة والأسلوب المهذب.
إدخال السرور إلى قلبيهما هو شكل آخر من أشكال البر. يمكن تحقيق ذلك بتفقد أحوالهما، وتلبية احتياجاتهما، وتقديم كل ما يسعدهما. مساعدة الأم دون أن تطلب، والتخفيف عن الأب ومجالسته، والتحدث معه في المواضيع التي يحبها، كلها طرق لإدخال السرور إلى قلبيهما.
اصطحابهما في نزهة لتغيير الأجواء، وتجنب قول كلمة “أُف” لهما. قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[٣]. حتى كلمة صغيرة مثل “أُف” يمكن أن تؤثر سلبًا على الوالدين. من البر أيضًا برهما بعد موتهما، وذلك بالإكثار من الدعاء لهما والتصدق عنهما، والقيام بالأعمال الصالحة وإهدائها لأرواحهما.
زيارة أصدقائهما المقربين والتودد إليهم هو أيضًا نوع من البر. في الحديث النبوي الشريف عن عبد الله بن عمر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: “أَبَرُّ البِرِّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أبِيهِ”[٤]. الإنفاق عليهما إذا كانا محتاجين، وتقديمهم على نفسك في المأكل والمشرب والملبس والكلام، والدعاء لهما في كل وقت، والعناية بهما عند الكبر، كلها مظاهر لبر الوالدين.
بر الوالدين لا يقتصر على حياتهما، بل يستمر بعد الموت. نحن جميعًا مكلفون بهذا البر، ولا يجب الاستهانة بأي خطأ أو كلمة جارحة تجاه الوالدين.
النتائج الطيبة لتقدير الوالدين
ثمار بر الوالدين كثيرة ومتنوعة، نجنيها في الدنيا والآخرة. لا تستهن بأهمية بر الوالدين وأجره وثوابه العظيم، الذي قد يدخلك الجنة ويبعدك عن النار، ويغفر لك ذنوبك ومعاصيك. فقط بر والديك في السراء والضراء، وسترى الخير الكثير والعمر المديد.
أهم الثمرات التي نجنيها من بر الوالدين هي رضا الله سبحانه وتعالى. رضا الله من رضا الوالدين، وسخطه من سخطهما. من الثمرات أيضًا إزالة العقبات وتفريج الكربات، فالبر يزيل كل صعب ويجعل الطريق خاليًا من المتاعب، ويمنح الراحة القلبية والنفسية.
بر الوالدين سبب في تكفير الذنوب، وبر الأبناء لنا في المستقبل. فكما كنت بارًا بوالديك، سيرزقك الله ببر أبنائك لك، والعكس صحيح. لا تستهين بأمر العقوق، فقد تورثه لأبنائك.
بر الوالدين يطيل العمر ويزيد الرزق. البار بوالديه هو كالمجاهد والحاج والمعتمر، وهو برفقة الأنبياء والصديقين والشهداء، ومجاب الدعوة بإذن الله تعالى، ويرفع الله درجته في الدنيا والآخرة.
وعد وتقدير للوالدين
قد تعجز الكلمات عن وصف فضائل الوالدين، فهما الشجرتان المثمرتان اللتان أثمرتا لنا الحياة. كيف يمكننا أن نشكر إنسانين عاشا من أجلنا؟ كيف يمكن للكلمات أن تعبر عن امتنانا لهما؟ هل يكفي الشكر بالأقوال، أم لا بد من الأفعال التي تبرهن على صدق ما في القلب؟
كيف يمكن للكلمات ألا تخجل أمام الأب الذي تحمل المشاق حتى نوفر لنا حياة كريمة؟ ولا أنسى يا أمي خوفك علينا عندما كنا نتأخر عن المنزل. أتراني أنسى وقفتك على الباب ودموعك التي تخفينها؟ أجزم أنني لا أوفيكم حقكم مهما فعلت.
أعلن أمامكم يا أبي ويا أمي عشقي وطاعتي، وأتمنى أن تنظروا إليّ بنظرة من البر والرضا والعطف، فحياتي بدونكما صحراء قاحلة. أشكركما على عمركما الذي مضى من أجلي، وأعدكما أن أكون الابن البار بكما، الذي لا تغيره الظروف.
يقول عمر اليافي:[٥]
من برّ والده وأمَّهْ
فاقصده مختارًا وأُمَّهْ
واغنم فضائله فذلك
وحده في الدهر أُمَّهْ
كم جرّ برّ الوالدين
فوائدًا للمرء جمّه
منها رضا الله الّذي
يكفي الفتى ما قد أهمّه
وأخو العقوق كميّتٍ
قد صار في الأحياء رمّه
والكلب أحسن حالةً
منه وأحفظ منه ذمّه
وكفاه أنّ الله في
القرآن وبخّه وذمّه
المصادر
- سورة الإسراء، آية:23-25
- سورة الإسراء ، آية:23
- سورة الإسراء، آية:23
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2552، خلاصة حكم المحدث صحيح.
- “الديوان » فلسطين » عمر اليافي » من بر والده وأمه”،الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/6/2021. بتصرّف.