تطور النظريات الاقتصادية عبر التاريخ

استكشاف تاريخ تطور النظريات الاقتصادية. منشأ الفكر الاقتصادي، الفكر الاقتصادي اليوناني والروماني، الفكر الاقتصادي الغربي الأوروبي، الفكر الاقتصادي العربي والإسلامي.

مقدمة عن تطور الفكر الاقتصادي

يُعرف تاريخ الفكر الاقتصادي بأنه عرض تاريخي لتطور الأفكار التي طرحتها المدارس الاقتصادية المختلفة، مع إبراز العلاقات المتبادلة بينها. وهو يختلف عن تاريخ علم الاقتصاد نفسه؛ فبينما يركز تاريخ الفكر الاقتصادي على دراسة تطور الأفكار الاقتصادية، يهتم تاريخ الاقتصاد بتحليل النمو الاقتصادي لدولة معينة. إنهما فرعان منفصلان لكنهما مرتبطان ببعضهما، فالأفكار الاقتصادية تتأثر بالظروف الاقتصادية والبيئة المحيطة.

بدايات نشأة التفكير الاقتصادي

مر بتطور الفكر الاقتصادي العديد من المراحل التاريخية التي ساهمت في تشكيله. من أهم هذه المراحل:

الفكر الاقتصادي عند الإغريق

شهد الفكر الاقتصادي في اليونان نموًا تدريجيًا نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والتوسع في الهياكل السياسية. ومع ذلك، كان النشاط الاقتصادي محدودًا نسبيًا، وكانت المشاكل الناجمة عنه ذات أهمية ثانوية بالنسبة للمفكرين والفلاسفة. لم يتم تناول هذه المشاكل إلا بشكل عرضي وفي سياقات غير اقتصادية. درس الفلاسفة اليونانيون القضايا الاقتصادية كجزء من دراساتهم للأخلاق والسياسة والفلسفة، حيث كانت اليونان تفتقر إلى الأنشطة الاقتصادية التي تتناسب مع قضايا علم الاقتصاد. لذلك، يمكن اعتبار الفكر الاقتصادي اليوناني مرتبطًا بشكل أساسي بكتابات الفلاسفة والمفكرين اليونانيين مثل أرسطو وأفلاطون.

الرؤى الاقتصادية لدى الرومان

تميز الرومان عن الإغريق في أفكارهم الفلسفية؛ لذا لا توجد الكثير من الكتابات الفلسفية الرومانية حول وجهات النظر الاقتصادية التي كانت سائدة لديهم. لكن ظهرت بعض الآراء الاقتصادية الرومانية التي عبر عنها حكماؤهم نتيجة لتأثرهم بوجهات النظر الاقتصادية اليونانية. وفي المقابل، برع الرومان في الفكر القانوني، لكنه لم يتضمن أي دراسات خاصة بالفكر الاقتصادي، بل ساهم في التأثير على الأفكار الاقتصادية التي ظهرت في العصور اللاحقة، ومن أهم هذه الأفكار ما عُرف باسم القانون الطبيعي، الذي حظي بمكانة مهمة في الفكر الاقتصادي.

الأفكار الاقتصادية في الغرب الأوروبي

يمثل الفكر الاقتصادي الغربي مجموعة الأفكار الاقتصادية التي انتشرت بين المفكرين الاقتصاديين الأوروبيين، ويمكن تقسيمه إلى مرحلتين:

  • الفكر الاقتصادي في العصور الوسطى:

    هو الفكر الذي انتشر في جامعات أوروبا، واهتم بالتوفيق بين العقل والإيمان؛ أي بين الفلسفة والدين. ساد في تلك العصور النظام الاقتصادي الإقطاعي، الذي اعتمد على تأسيس علاقة بين أصحاب الأملاك والفلاحين. كانت الزراعة هي المكون الاقتصادي الأساسي، بينما كانت التبادلات التجارية محدودة للغاية، حتى أن بعض التبادلات العينية كانت تتم دون استخدام النقود؛ لذا لم يحتوِ هذا العصر الاقتصادي في أوروبا على تحليل علمي واضح للاقتصاد.

  • الفكر الاقتصادي في عصر النهضة:

    هو الفكر الذي ظهر بعد انتهاء مرحلة العصور الوسطى التي استمرت حتى القرن الخامس عشر الميلادي؛ حيث دخلت الدول الأوروبية في عصر جديد أُطلق عليه اسم عصر النهضة، وامتد ثلاثة قرون أي إلى القرن السابع عشر الميلادي، فتحول الفكر الاقتصادي الأوروبي من الاعتماد على الزراعة إلى الاهتمام بالصناعة، وشهد قطاع الاقتصاد الأوروبي تطورات واضحة ساهمت في عكس صورة عصر النهضة، وتأثيراته التي أدت إلى ظهور العديد من النظريات الاقتصادية.

التفكر الاقتصادي العربي والإسلامي

لم يقتصر تطور تاريخ الفكر الاقتصادي على الدراسات الفكرية اليونانية والرومانية والأوروبية، بل ظهرت العديد من الدراسات الفكرية الاقتصادية الخاصة بالمفكرين الاقتصاديين المسلمين، وساهم الفكر الاقتصادي العربي الإسلامي الذي اعتمد على التسامح والمساواة والعدل في تحديد ملامح الأفكار الاقتصادية، والمعاملات الخاصة بها والتي تتعلق بالربح الحلال وتحريم الغش والربا، واعتمد على قاعدتين أساسيتين؛ الأخلاق، والعقيدة الإسلامية، حيث تُعتبر مَبادئ الإسلام الواردة في القرآن الكريم والسنّة النبويّة المصادر الأساسيّة لبناء الفكر الاقتصاديّ في الإسلام.

مثال على ذلك تحريم الربا في القرآن الكريم، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (البقرة: 278).

وفي الحديث النبوي الشريف: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد.

المدارس المؤثرة في تاريخ الفكر الاقتصادي

خلال مراحل تطور الفكر الاقتصادي في أوروبا، ظهرت مجموعة من المدارس الفكرية الاقتصادية، واعتمدت على العديد من المبادئ والأسس للتعامل مع علم الاقتصاد بشكل عام، والفكر الاقتصادي بشكل خاص. فيما يلي معلومات عن أهم هذه المدارس:

  • المدرسة الكلاسيكية (Classical School):

    هي المدرسة الأساسية والأولى في الفكر الاقتصادي، وتعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي. اعتمدت على أفكار المفكر الاقتصادي آدم سميث؛ حيث تشير الفكرة الرئيسية لهذه المدرسة إلى أن الأسواق تستطيع العمل بأفضل الأشكال عندما تكون وحدها أي بوجود تأثير قليل للحكومة عليها، ويُعدّ هذا المنهج الفكري بداية فكرة الأسواق الحرة لدعم التنمية الاقتصادية.

  • المدرسة الكينزية (Keynesian School):

    نظرية فكرية اقتصادية تعود للعالم والمفكر الاقتصادي جون كينز في فترة الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي، واهتمت بالوصول إلى فهم واضح لمصطلح الكساد العظيم؛ حيث تدعو هذه المدرسة الفكرية إلى زيادة النفقات الحكومية وتقليل الضرائب المالية، بهدف تحفيز الطلب وخفض تأثر الاقتصاد بالكساد العظيم، كما اعتمدت الأفكار الكينزية على تطبيق نظرية جانب الطلب، والتي اهتمت بدراسة التغيرات الاقتصادية قصيرة الأجل.

  • المدرسة الماركسية (Marxian School):

    هي مدرسة فكرية تعود للمفكر الاقتصادي كارل ماركس، وتركز على دور وأهمية العمل في المشاركة بالتنمية الاقتصادية، وتنتقد المدرسة الماركسية النهج المتبع في المدرسة الكلاسيكية، خصوصًا في كل من تطبيقات الإنتاج والأجور التي وُضعت من قبل المفكر الاقتصادي آدم سميث؛ حيث تقول المدرسة الماركسية بأن زيادة عدد السكان تؤدي إلى تراجع في قيمة الأجور، وأن القيمة المالية المفروضة على كل من الخدمات والسلع لا تتناسب مع التكاليف الحقيقية الخاصة بالعمل.

المراجع

  • Samia Rekhi,”History of Economic Thought: Meaning and Significance”،Economics Discussion.
  • نجلاء راتب، الاقتصاد والمجتمع، مصر: جامعة بنها.
  • “Economics – Schools of Thought”, Economics Online.
  • “Keynesian Economics”, Investopedia.
  • “Marxian Economics”, Investopedia.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف عالم الأحافير: نظرة شاملة

المقال التالي

اليوم الدولي لمكافحة العنف ضد المرأة: نظرة تاريخية وأهمية

مقالات مشابهة

اقتصاد مقدونيا: القطاعات الرئيسية والتطورات الحديثة

تعرف على اقتصاد مقدونيا وأهم القطاعات التي تدعمه، بما في ذلك الزراعة، الصناعة، التعدين، الطاقة، والخدمات. اكتشف تطور الاقتصاد المقدوني والتحديات التي يواجهها.
إقرأ المزيد