المحتويات |
---|
مقدمة |
نطاق سريان القانون على الأفراد |
مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون |
تبعات السماح بالاعتذار بالجهل بالقانون |
متى يمكن تبرير الجهل بالقانون؟ |
نظرة الشريعة الإسلامية |
مقدمة
لقد خلق الله عز وجل الكون بنظام دقيق وقوانين ثابتة تسير عليها جميع المخلوقات، بما في ذلك الإنسان. فالقانون هو الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات وتستقيم به الحياة. وفي هذا المقال، سنتناول بالدراسة كيفية تطبيق القانون على الأفراد، وما هي الحقوق والواجبات المترتبة على ذلك.
نطاق سريان القانون على الأفراد
القانون هو مجموعة القواعد التي تحدد سلوك الأفراد داخل المجتمع. هذه القواعد ملزمة وتسري على جميع الأشخاص الموجودين داخل نطاق الدولة. يشترط أن تكون القاعدة القانونية واضحة ومفهومة للشخص المكلف بها، حتى يتمكن من الامتثال لها. فإذا كان القانون غامضًا أو غير محدد، فإنه لا يمكن تطبيقه بشكل صحيح.
في حال وجود غموض في النص القانوني، تتولى اللوائح التنفيذية مهمة التوضيح والتفصيل، وذلك من خلال مراسيم أو قرارات تصدر عن الجهات المختصة. قبل صدور هذه اللوائح، لا يمكن تطبيق النص القانوني الغامض على الأفراد.
أمثلة توضيحية:
مثال من قانون العمل: إذا نصت مادة على أن “للعامل المريض بإحدى الأمراض المزمنة إجازة عرضية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته”. هذا النص غير قابل للتطبيق مباشرة، لأنه لم يحدد الأمراض المزمنة المقصودة. لذلك، يجب إصدار قرار من وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالاتفاق مع وزير الصحة والسكان لتحديد هذه الأمراض، وبدون هذا القرار لا يمكن تطبيق المادة.
مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون
يعتبر “مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون” من الركائز الأساسية في الأنظمة القانونية الحديثة. هذا المبدأ يعني أنه لا يجوز لأي شخص التذرع بجهله بالقانون للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقوبة. فالقانون يسري على الجميع، سواء علموا به أم لم يعلموا.
يعتقد بعض الفقهاء أن هذا المبدأ يقوم على افتراض ضمني بأن جميع الأشخاص على علم بالقانون، ولكن هذا الافتراض محل شك، لأن الواقع يشير إلى أن أغلب الناس يجهلون الكثير من القواعد القانونية. لذلك، يرى الاتجاه الغالب أن الأساس الحقيقي لهذا المبدأ هو تحقيق المساواة والعدل بين الأفراد. فالعدل يقتضي معاملة الجميع على قدم المساواة أمام القانون، وعدم السماح لأحد بالتهرب من المسؤولية بحجة الجهل.
تبعات السماح بالاعتذار بالجهل بالقانون
إذا سمحنا للأفراد بالاعتذار بجهل القانون، فستكون النتائج وخيمة على المجتمع، ومنها:
- انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.
- ضياع الأمن وتفشي الجريمة.
- فقدان القاعدة القانونية لقيمتها الإلزامية، لأن الالتزام بالقانون سيصبح مرتبطًا بالعلم به، وهذا ينافي طبيعة القانون الذي يجب أن يكون ملزمًا بذاته.
متى يمكن تبرير الجهل بالقانون؟
على الرغم من أن الأصل هو عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، إلا أن هناك حالات استثنائية يمكن فيها تبرير هذا الجهل، مثل حالات القوة القاهرة (كالفيضانات والزلازل والحروب والاحتلال)، التي تعزل بعض المناطق عن العالم الخارجي وتمنع وصول المعلومات والقوانين إليها.
في هذه الحالات، لا يكون الجهل بالقانون ناتجًا عن إهمال أو تقصير من جانب الشخص، وإنما بسبب ظروف خارجة عن إرادته. لذلك، لا يجوز تحميله المسؤولية عن مخالفة القانون.
إن المعيار الأساسي في تحديد ما إذا كان الجهل بالقانون مبررًا أم لا هو “إمكانية العلم بالقانون”. فإذا كان الشخص قادرًا على العلم بالقانون، ولكنه أهمل أو قصر في ذلك، فلا يجوز له الاعتذار بالجهل. أما إذا كان العلم بالقانون مستحيلاً أو صعبًا للغاية، بسبب ظروف قاهرة، فيجوز له الاعتذار بالجهل.
نظرة الشريعة الإسلامية
تتفق الشريعة الإسلامية مع القانون الوضعي في مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، حيث يعتبر الإسلام أن العلم بالأحكام الشرعية واجب على كل مسلم، وأن الجهل لا يعفي من المسؤولية. وقد قال الله تعالى: ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)).
يشير علماء أصول الفقه الإسلامي إلى أن المقصود بالعلم بالأحكام ليس العلم الفعلي بكل تفاصيلها، وإنما القدرة على الوصول إلى معرفتها. فمن كان يعيش في دار الإسلام، ولديه القدرة على تعلم الأحكام الشرعية بنفسه أو بسؤال أهل العلم، فهو مكلف بها، ولا يجوز له الاعتذار بالجهل.
إن الشريعة الإسلامية تنظر إلى العلم بالقانون على أنه تكليف مسبق يقع على عاتق الجميع. فهناك واجب على كل شخص بالتعرف على أحكام القانون، سواء بنفسه أو عن طريق سؤال الآخرين. فإذا قصر الشخص في أداء هذا الواجب، فإنه يتحمل مسؤولية مخالفته للقانون، حتى لو كان جاهلاً به.
أما إذا استحال على الشخص العلم بالقانون، فلا يجوز تطبيق أحكامه عليه. ولكن، مفهوم الاستحالة في الشريعة الإسلامية أوسع من مفهومه في القانون الوضعي، حيث يشمل المشقة الزائدة. فالشريعة الإسلامية تراعي ظروف الناس وقدراتهم، ولا تكلفهم بما لا يطيقون.