تسلسل أعمال الحج وأحكامه

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فرض عين على كل مسلم مستطيع. تتضمن مناسك الحج مجموعة من الأعمال والشعائر التي يجب أداؤها بترتيب محدد. يهدف هذا المقال إلى تقديم شرح مفصل لأعمال الحج وتسلسلها الصحيح، مع بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بكل منسك. يهدف هذا الدليل إلى مساعدة الحجاج على فهم مناسكهم وأدائها على الوجه الصحيح.

النية للدخول في الإحرام

الإحرام هو النية القلبية للدخول في مناسك الحج أو العمرة. يبدأ الإحرام بالتلبية، وهي قول: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”. وتعتبر التلبية سنة مؤكدة عند جمهور العلماء.

يبدأ وقت الإحرام في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة. أما بالنسبة للميقات المكاني، فهو يختلف حسب بلد الحاج:

• أهل المدينة: ذو الحليفة
• أهل الشام ومصر والمغرب: الجحفة
• أهل اليمن: السعدية

أداء طواف القدوم

طواف القدوم هو سنة من سنن الحج، ويُعرف أيضًا بطواف الورود أو طواف التحية. يؤديه الحاج عند وصوله إلى مكة المكرمة تحية للبيت العتيق. يبدأ وقت طواف القدوم بدخول مكة المكرمة وينتهي بالوقوف بعرفة عند جمهور الفقهاء.

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا-:(أنَّ أَوَّلَ شيءٍ بَدَأَ به حِينَ قَدِمَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ).

إجراء السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة هو ركن من أركان الحج عند المالكية والشافعية والحنابلة، بينما يعتبره الحنفية سنة. يشترط في السعي إتمام سبعة أشواط.

قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا).

يبدأ السعي بالصعود إلى الصفا واستقبال الكعبة وتوحيد الله وتكبيره، ثم الاتجاه إلى المروة بالمشي المعتاد. عند الوصول إلى العمودين الأخضرين، يسرع الحاج في المشي حتى يصل إلى المروة، حيث يوحد الله ويكبره. يكرر الحاج هذا العمل سبعة أشواط. يبدأ وقت السعي يوم النحر بعد طواف الإفاضة.

أحكام يوم التروية

يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة. يستحب للحاج أن يخرج من مكة المكرمة إلى منى في هذا اليوم، ويصلي بها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم يبيت بها ليلة عرفة، ثم يسير الحجاج من منى إلى عرفة بعد طلوع شمس عرفة.

الوقوف في عرفة

المبيت في مزدلفة

المبيت بمزدلفة واجب. تبدأ حدود مزدلفة من مأزمي عرفة وتنتهي بقرب مُحسّر. يجب أن يكون سير الحاج إلى مزدلفة بسكينة ووقار. يجوز تأخير صلاتي المغرب والعشاء لأدائهما في مزدلفة. يصح الحج لمن ترك المبيت بمزدلفة، ولكن عليه دم.

رمي جمرة العقبة

رمي جمرة العقبة (الجمرة الكبرى) واجب من واجبات الحج. تقع الجمرة في آخر منى تجاه مكة. تُرمى بسبع حصيات مع التكبير مع كل حصاة.

عنعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال:(أَنَّ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ؟ قَال: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَال: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ؟ قَال: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ).

تكون كيفية الرمي بمسك الحصى بطرفي الإبهام والمسبحة من اليد اليمنى، ورفع اليد حتى يُرى بياض الإبط، وقذفها مع التكبير.

ذبح الهدي

الهدي إما أن يكون هدي تطوع، أو هدي تمتع أو قران، أو لجبر نقصان ما. يختلف وقت ذبح الهدي حسب سببه. يجوز ذبح هدي التطوع قبل يوم النحر عند الحنفية، والأفضل ذبحه في أيام النحر. أما المالكية والحنابلة فيرون أن وقت الذبح هو أيام النحر الثلاثة. ويرى الشافعية أنه يوم النحر وأيام التشريق.

التحلل من الإحرام

التحلل من الإحرام هو الخروج من حالة الإحرام، وله قسمان:

• التحلل الأصغر: يتحقق برمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير. يحل للحاج كل شيء سوى النساء (عند الشافعية والحنابلة)
• التحلل الأكبر: يبيح جميع محظورات الإحرام دون استثناء، ويتحقق باستكمال أفعال التحلل من رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة المسبوق بالسعي.

طواف الإفاضة

رمي الجمرات

رمي الجمرات واجب من واجبات الحج. الجمرات ثلاثة: الجمرة الأولى، الجمرة الثانية، وجمرة العقبة. تُرمى كل جمرة بسبع حصيات مع التكبير مع كل حصاة. يبدأ وقت الرمي في أيام التشريق بعد الزوال.

قال جابر -رضي الله عنه-:(رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَمى الجَمرةَ يَومَ النَّحرِ ضُحًى، فأمَّا بَعدَ ذلك فعِندَ زَوالِ الشَّمسِ).

الأفضل أن تُرمى قبل الغروب. يرى أبو حنيفة أن الرمي ينتهي بطلوع فجر اليوم التالي، بينما يرى مالك أن الرمي ينتهي بغروب شمس ذلك اليوم. ويرى الشافعية والحنابلة أن الرمي ينتهي في آخر أيام التشريق.

طواف الوداع

طواف الوداع (طواف الصدر أو طواف آخر العهد) واجب عند جمهور الفقهاء. يؤديه الحاج عند الانتهاء من جميع مناسك الحج وعند السفر. من شروطه أن يكون الحاج من أهل الآفاق (غير المقيمين بمكة)، وأن يكون طاهرًا من الحيض والنفاس.

حكم الإخلال بترتيب الأعمال

لا يجوز للحاج تغيير ترتيب مناسك الحج.

ودليل ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:(من أدرَكَ معَنا هذهِ الصَّلاةَ وأتى عرفاتَ قبلَ ذلِكَ ليلًا أو نَهارًا فقد تمَّ حجُّهُ وقَضى تَفثَهُ).

مثلاً، لا يجوز تقديم المبيت بمزدلفة على الوقوف بعرفة. تتعدد آراء الفقهاء في حكم ترتيب أعمال يوم النحر، فمنهم من يوجب الترتيب ومنهم من لا يوجبه.

• الحنفية: أوجبوا تقديم الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف.
• المالكية: أوجبوا تقديم الرمي على الحلق والطواف.
• الشافعية والحنابلة: لم يوجبوا الترتيب بين أعمال يوم النحر.