مقدمة عن بحر المديد
يُعدّ بحر المديد أحد بحور الشعر العربي الأصيلة، ويتميز بتركيبته الفريدة التي تعتمد على تكرار تفعيلتين رئيسيتين. يُنسب اسم هذا البحر إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، ويعود سبب تسميته إلى امتداد الأسباب في أجزائه السباعية. يتكون بحر المديد في الأصل من ثمانية أجزاء، ولكنه لا يُستخدم إلا في صورته المجزوءة.
التفعيلات الأساسية لبحر المديد
يتكون بحر المديد من تفعيلتين أساسيتين، هما: “فَاعِلَاتُنْ” و “فَاعِلُنْ”. وقد ورد مفتاح هذا البحر في قول الخليل الفراهيدي:
لِمَديد الشّعر عندي صفات ::: فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلَاتُنْ
وبناءً على ذلك، فإنّ التفعيلات الكاملة لبحر المديد هي:
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلَاتُنْ ::: فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلَاتُنْ
كما ذكرنا، يتألف البيت الشعري في بحر المديد من ستة أجزاء (تفعيلات)، على الرغم من أن الأصل يقتضي وجود ثمانية أجزاء، ولكن الشائع هو استخدامه مجزوءًا.
أوزان بحر المديد
لبحر المديد ثلاثة أوزان مختلفة (أعاريض) وستة أضرب، وتختلف هذه الأوزان في نهاية الشطر الثاني من البيت (الضرب). فيما يلي تفصيل لهذه الأوزان:
الوزن الأول
يكون مجزوءًا وله ضرب واحد مماثل له، وهو “فَاعِلَاتُنْ”. مثال على ذلك:
يا لبكرٍ أنْشِروا لي كُليبًا ::: يا لبكرٍ أينَ أينَ الفرارُ
يا لبكرن أنْشِرو لي كليبن ::: يا لبكرن أينَ أي نل فرارُ
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلَاتُنْ ::: فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلَاتُنْ
الوزن الثاني
يكون محذوفًا، ووزنه “فَاعِلُنْ”، وله ثلاثة أضرب:
الضرب الأول
مقصور، ووزنه: “فَاعِلَانْ”. مثال:
لا يغرَّنّ امرءًا عَيْشُهُ ::: كُلُّ عيشٍ صائرٌ للزّوال
لا يغررن نمرءن عيشهو ::: و كلْلُ عيشن صائرن لزْزَوال
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ ::: فاعلاتن فاعلن فَاعِلَانْ
الضرب الثاني
محذوف كالعروض، ووزنه “فَاعِلُنْ”. مثال:
اعلموا أنّي لكمْ حافظٌ ::: شاهدًا ما كنتُ أو غائبا
اعْلمو أنْ ني لكم حافظن ::: شاهدن ما كنتُ أو غائبا
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ ::: فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ
الضرب الثالث
محذوف مقطوع، ووزنه “فَعْلُنْ”. مثال:
إنّما الذّلفاءُ ياقوتةٌ ::: أُخْرجتْ من كيس دِهْقان
إنْنَمَ ذْذَل فاءَ يا قوتتن ::: أخرجت من كيس ده قان
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ ::: فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَعِلُنْ
الوزن الثالث
محذوفة مخبونة، ووزنها: “فَعِلُنْ”، ولها ضربان:
ضربها الأول
محذوف مخبون مثلها، ووزنه “فَعِلُنْ”. مثال:
للفتى عقلٌ يعيشُ به ::: حيثُ تهدي ساقُهُ قدمهُ
للفتى عقـ لُن يعيـ شبة ::: حيثُ تَهدي ساقهو قدمه
فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَعِلُنْ ::: فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَعِلُنْ
ضربها الثاني
محذوف مقطوع، ووزنه “فَعْلُنْ”. مثال:
ربَّ نارٍ بِتُّ أرمُقها ::: تقضم الهنديَّ والغارا
اربْبَ نارن بتْتُ أر مقها ::: تقضمُ لهنـ ديْيُ ولـ غارا
فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَعِلُنْ ::: فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَعْلُنْ
التعديلات التي تطرأ على تفعيلات بحر المديد
الزحافات هي تغييرات تطرأ على التفعيلات المكونة للبيت الشعري، وتؤثر على الوزن والإيقاع. لبحر المديد ثلاثة زحافات شائعة:
الخبن
يجوز في “فَاعِلَاتُنْ” حذف الثاني الساكن (الخبن)، فتصبح “فَعِلَاتُنْ”. كما يجوز الخبن في “فَاعِلُنْ” فتصبح “فَعِلُنْ”. مثال:
ومتى ما يعِ منكَ كلامًا ::: يتكلّم فيجبك بعقلِ
ومتى ما يعِ من كَكَلامَن ::: يَتكلْلَم فيجب كَ بعقلنْ
فَعِلَاتُنْ فَعِلُنْ فَعِلَاتُنْ ::: فَعِلَاتُنْ فَعِلُنْ فَعِلَاتُنْ
الكف
يجوز في “فَاعِلَاتُنْ” حذف النون (الكف)، فتصبح “فَاعِلَاتُ”. مثال:
لن يزالُ قومنا آمنين ::: مخصبين ما اتقوا واستقاموا
لن يزالُ قومنا آمنين ::: مخصبين مَتْتَقو وَسْتَقامو
فَاعِلاتُ فَاعِلُن فَعِلاتن ::: فاعلاتن فَاعِلُن فَاعِلاتُنْ
الشكل
يجوز في “فَاعِلَاتُنْ” حذف الألف والنون (الشكل)، فتصبح “فَعِلَات”. مثال:
لِمَن الدّيار غيّرهنّ ::: كلُّ جَونِ المزْنِ داني الربا
لِمَنِ دْدِ يارغيْ يَرهُنَ ::: كُلْلُ جونِلْ مُزْن دا نِرْرَبابي
فَعِلات فاعلن فَعِلَات ::: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
أمثلة شعرية على بحر المديد
فيما يلي مجموعة من الأبيات الشعرية التي تنتمي إلى بحر المديد، وتوضح تطبيقاته المختلفة:
قصيدة حافظ إبراهيم:
ما لهذا النّجمِ في السّحرِ ::: قد سها من شدّة السَهرِ
خِلتُهُ يا قومُ يؤنسني ::: إن جفاني مؤنسُ السحرِ
يا لقومي إنّي رجلٌ ::: أفنتِ الأيّامُ مصطبرِ
قصيدة أبي نواس:
ما هَوًى إلّا له سببٌ ::: يبتدي منه وينشعب
فتنت قلبي مُحجّبةً ::: وجهُها بالحُسنِ مُنتقَب
قصيدة أحمد شوقي:
طوّقتكَ السّحب بالمننِ ::: ووقيتِ الضير من دمنِ
جزيت الخلد عن زمنِ ::: كان كل العهد بالزمنِ
منّة للدار نذكرهـا ::: بلسان المدمع الهتنِ
قصيدة تقي الدّين المغربي:
يا مغاني اللهو والطّربِ ::: بأبي أفدي ثراكِ وبي
لا تعداه الغمامُ ولا ::: حاد عنه صيبُ السحبِ
حبّذا در عهدتُ بها ::: كلّ معسول اللمى شنب
قصيدة الحسين بن المنصور الحلّاج:
يا بديعَ الدّلّ والغنجِ ::: لك سلطانٌ على المهجِ
إنّ بيتًا أنتَ ساكنُهُ ::: غيرُ محتاجٍ إلى السرجِ
وجهك المأمول حجّتنا ::: يوم يأتي الناس بالحجج
قصيدة المأمون الخليفة العباسي:
نفسٌ تدمى مسالكه ::: وحنينٌ لستُ أملكه
والذي أخفيه من سقمٍ ::: فلسانُ الدّمع يهتكه
قصيدة بهاء الدين العاملي:
إنّ هذا الموت يكرهه ::: كلّ من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا ::: لرأوه الراحة الكبرى
المصادر
- ابن جني، علم العروض.
- سيد البحراوي، العروض وإيقاع الشعر العربي.
- محمد علي الهاشمي، العروض الواضح وعلم القافية.
- ديوان حافظ ابراهيم
- ديوان ابي نواس
- ديوان أحمد شوقي
- ديوان تقي الدين المغربي
- ديوان الحسين بن المنصور الحلاج
- ديوان المأمون الخليفة العباسي
- ديوان بهاء الدين العاملي