تدبر في قول الله تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ)

تحليل للآية الكريمة. كيف استجاب الله لدعاء سيدنا أيوب. عبر وفوائد من صبر النبي أيوب. العلاقة بين الصبر والدعاء. المصادر.

مقدمة

تعتبر قصة سيدنا أيوب عليه السلام من القصص العظيمة التي تحمل في طياتها دروساً عميقة في الصبر والتوكل على الله تعالى. إنها قصة ابتلاء شديد، وصبر جميل، ونهاية سعيدة بفضل الله ورحمته. سنتناول في هذا المقال تفسيرًا لآية قرآنية تتحدث عن دعاء سيدنا أيوب، وكيف استجاب الله له، وما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من هذه القصة.

تفسير الآية الشريفة

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ)

يعرض الله في هذه الآية حال نبيه أيوب عليه السلام، وكيف توجه إلى ربه بالدعاء والتضرع. كان أيوب عليه السلام نبيًا من أنبياء بني إسرائيل، دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له. لقد كان صاحب مال وولد، وقد أنعم الله عليه بالكثير من النعم، وكان شاكرًا لله على هذه النعم. تذكر بعض الروايات أن الشيطان حسده على إيمانه، وظن أن شكر أيوب لله سببه النعم التي يتمتع بها، ولو زالت هذه النعم لكفر أيوب بربه.

فابتلاه الله بسلب النعم الظاهرة، فقد خسر أمواله وأولاده، حتى لم يتبق له شيء. ورغم هذا، حمد الله كثيرًا وقال: “اللّهمّ إنَّه كان يشغلني مالي وولدي عن عبادتك، والآن قد فرغ لك سمعي وبصري وقلبي وليلي ونهاري”. ثم ابتلاه الله بالمرض الشديد الذي لم يسلم منه إلا قلبه ولسانه وعقله، واستمر هذا البلاء لسنوات طويلة، ولم يبق معه إلا زوجته الصالحة.

تأخر أيوب عليه السلام في الدعاء استحياءً من الله الذي أنعم عليه بالكثير، وقال في نفسه: كيف لا أصبر على ما ابتلاني به؟ ولكنه في النهاية توجه إلى الله بالدعاء قائلاً: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، أي يا رب، أنت أرحم الراحمين، وأنت تعلم حالي وما أصابني من ضر، فلتشملني رحمتك.

كيفية استجابة الله لدعاء سيدنا أيوب

يقول الله تعالى:

(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا)

لقد استجاب الله لدعاء نبيه أيوب بسرعة، فأوحى إليه أن يضرب الأرض برجله، فتفجرت له الينابيع، وأمره أن يغتسل ويشرب منها، فشفاه الله من مرضه وبلاءه، وعاد إليه جسده سليمًا معافى، بفضل الله وكرمه جزاء صبره. قال تعالى:

(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ)

وهذه كانت استجابة الله لدعاء نبيه أيوب، حيث رفع عنه السقم وكشف الضر الذي ألم به لسنوات.

وكجزاء لصبره، وهب الله له أبناءه وماله مضاعفًا. أعاد الله له ماله الذي هلك ومثله معه، وقيل إن زوجته ولدت له أبناءً وبناتًا ضعف الذين ماتوا. لقد كانت هذه رحمة من الله به لصبره وشكره، وحفظ الله له مكانته في الآخرة، فدرجته عظيمة ومكانته رفيعة، وأجره وافٍ على صبره.

عِبر و دلالات من صبر سيدنا أيوب

نتعلم من قصة نبي الله أيوب عليه السلام كيف يعوض الله الصابرين أضعافًا مضاعفة جزاء صبرهم على ما ابتلاهم به. قال تعالى:

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

سبحان الله كيف يسوق البلاء إلى العبد ليزيده نعيماً إن صبر. هذه بشارة من الله سبحانه وتعالى للصابر على ما ابتلي به. قد لا يصل المسلم إلى صبر أيوب عليه السلام وعبادته، لكنه قدوة لنا في الصبر، كما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لنا. فالصابر على البلاء حين يتوجه إلى الله بالدعاء، ويشكو إلى الله ما هو أعلم به منه، ويكون مؤمنًا بإجابة الله، وصادق القلب معه سبحانه، يجبره الله ويكشف الغمة ويرفع النقمة ويزيل البلاء.

التوفيق بين الصبر والدعاء

معنى الصبر لغةً: حبس النفس عن الجزع والشكوى. أما الدعاء: هو اللجوء إلى الله والثناء عليه وعبادته. ولا يتنافى معنى الصبر مع الدعاء، فنبي الله أيوب عليه السلام لم يترك الصبر حين دعا الله، ولو لم يستجب له الله دعاءه لبقي راضيًا صابرًا، فسماه الله تعالى صابرًا.

ترك الصبر يكون بإظهار الشكوى إلى الخلق، أما إظهارها إلى الله تعالى ودعائه ورجائه لا يعني أن هذا الإنسان غير صابر. قيل إن إظهار الألم للناس مع رضا القلب رضًا تامًا لا يكون تركًا للصبر كذلك. فالصبر والدعاء متلازمان، وإن وقع ما يُكره للإنسان، ثم فزع لبارئه ودعاه، فهذا هو عين الصبر والتوكل على الله.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآيات 83-84.
  • القرآن الكريم، سورة ص، الآيات 41-43.
  • القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيات 155-156.
  • أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني.
  • أحمد رضا، معجم متن اللغة.
Total
0
Shares
المقال السابق

شرح وتوضيح قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)

المقال التالي

تحليل وتفسير الآية الكريمة: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)

مقالات مشابهة