تدبر في قوله تعالى: “وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد”

مقدمة

تعتبر آيات القرآن الكريم نبراساً يضيء لنا دروب الحياة، وتهدينا إلى سواء السبيل. ومن بين هذه الآيات العظيمة، تبرز لنا الآية الكريمة: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، هذه الآية تحمل في طياتها معاني عظيمة من التوكل على الله، والإيمان بحكمته وعلمه، والتسليم لقضائه وقدره.

توضيح وشرح الآية

تأتي هذه الآية ضمن سياق قصة الرجل المؤمن من آل فرعون، الذي جادل قومه ونصحهم، مبيناً لهم الحق، ومحذراً إياهم من عذاب الله. فلما أعرضوا عن نصحه، وأصروا على كفرهم، قال لهم: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).

معنى (فستذكرون ما أقول لكم)

يشير هذا الجزء من الآية إلى أن القوم سيتذكرون نصيحة هذا الرجل الصالح، ويتفطنون إلى الحق الذي بينه لهم، ولكن بعد فوات الأوان، حين يحل بهم العذاب، ولا ينفعهم التذكر. وقيل: يوم القيامة، يوم يقفون بين يدي الله، ويأخذ كل واحد منكم كتابه.

معنى (وأفوض أمري إلى الله)

التفويض هو التوكل على الله، والاعتماد عليه، وتسليم الأمور إليه. ومعنى هذه الجملة أن الرجل المؤمن يكل أمره كله إلى الله، ويثق بأنه سبحانه وتعالى سيتولى أمره، ويدفع عنه الشر، ويجلب له الخير. وبعبارة أخرى، ألجأ إليه وأعتصم، وألقي أموري كلها لديه، وأتوكل عليه في مصالحي ودفع الضرر الذي يصيبني منكم أو من غيركم.

معنى (إن الله بصير بالعباد)

هذه الجملة تأكيد على أن الله تعالى يعلم أحوال عباده، ويرى ما يسرون وما يعلنون، وهو عليم بما يصلحهم، وبما يضرهم. يعلم حالي وضعفي فيمنعني منكم ويكفيني شركم، ويعلم أحوالكم فلا تتصرفون إلا بإرادته ومشيئته، فإن سلّطكم علي، فبحكمة منه تعالى، وعن إرادته ومشيئته صدر ذلك، فالله -عز وجل- لا تخفى عنه خافية، ولا يغيب عنه شيء، أحاط بكل شيء علماً وقدرة.

الله هو الاسم الجامع لكل الصفات الحسنى، وهو المعبود بحق، المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

دروس وعبر مستفادة من الآية الكريمة

تحمل هذه الآية الكريمة العديد من الدروس والعبر، من أهمها:

• أهمية الدعوة إلى الله: الرجل المؤمن من آل فرعون لم يسكت عن الحق، بل جهر به، ودعا قومه إلى الإيمان بالله، وهذا يدل على أهمية الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• التوكل على الله: المؤمن الحق يتوكل على الله في جميع أموره، ويثق بأن الله سيتولى أمره، ويدفع عنه الشر، ويجلب له الخير.
• الإيمان بعلم الله: المؤمن يعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهذا يجعله يراقب الله في جميع أقواله وأفعاله.
• عاقبة الكفر: الآية تذكرنا بعاقبة الكفر والإعراض عن الحق، وأن العذاب ينتظر الكافرين في الدنيا والآخرة.
• نصرة الله للمؤمنين: الله تعالى ينصر المؤمنين ويدافع عنهم، كما نصر الرجل المؤمن من آل فرعون، ونجاه من مكر فرعون وجنوده.

عندما دعا موسى -عليه الصلاة والسلام- فرعون وقومه إلى دين التوحيد، كذبوه، واتهموه بالسحر والشعوذة، فقيظ الله -عز وجل- رجلاً آمن من قوم فرعون، يؤكّد صدق موسى -عليه الصلاة والسلام-، ويخبرهم بما أنعم الله -عز وجل- عليه من نعمة الهدى والإيمان. وما أعدّه الله -عز وجل- لفريقي الكفر والإيمان، فأبوا إلا الكفر بالله -عز وجل-، فأراد فرعون وجنوده أن يمكروه، فدعا الله -عز وجل- فأنجاه الله -عزوجل، وأهلك فرعون وجنوده، ومن العبر المستفادة أن هذا الرجل الصالح لم تأخذه في الله -عز وجل- لومة لائم، بل جهر بالحق، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر.

المصادر

• سورة غافر، آية:44
• إبراهيم القطان،تيسير التفسير، جزء 3.
• عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
• عبد الرحمن السعدي، تفسير أسماء الله الحسنى.